ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : الضحية . مسابقة القصة القصيرة بقلم / يسرا القيسي .العراق

الضحية

أستيقظ أحمد من نومه متأخرآ واستهل صباحه بآهات يخرجها من صدره وهو يشعر بألمٍ كبير يكاد يفجر رأسه أحس بجفاف ريقه وبحاجته إلى أن يبلل فمه . .. مد يده يبحث عن قنينة الماء ؛ أخذ يكع ويكع ليروي ظمأه وتسلل الماء الى قميصه والفراش ؛ استغفر ربه ولعن الشيطان من كابوسٍ كاد أن يخنقه .. تحسس جسده النحيل وملابسه المتسخة التي لم يخلعها منذ أيام .. أدمن أحمد على أرتياده الحانة الصاخبة ليسمم أحشائه بأسوأ أنواع الخمر .. خرج أحمد من بيته القديم لا لون له ولا جدران نظيفة ؛ ترك وراءه الفئران تلعب به وتأكل ما تبقى من طعام قد تعفن؛
تنقل في دروب حارته الضيقة التي تنبعث منها روائح كريهة لرطوبتها ومجاري البيوت الطافحة الى الخارج ؛
لقد هجرتها الشمس منذ سنيين طويلة ؛ أحب أحمد هذه الحارة الشعبية لطيبة أهلها والحميمية التي تربطهم ببعض ولبساطتهم .. وجوه أرهقتها سنيين الحرب العجاف ؛ وجوه كالحة ؛ شاحبة ؛ ذابلة من الفقر والعوز والجوع والمرض .. حارة شعبية لم تهتم أي حكومة بها ولم يزرها أي رئيس ولا حتى محافظ أو مسؤل حي ؛ جلس أحمد في مقهى على الشارع الرئيسي للحارة يلتقي أصدقائه القدامى يتبادلون أطراف الحديث و الهموم والسخرية من الزمن والقدر والحكومة التي لم تكلف نفسها وتلتفت اليهم ولمنطقتهم التي يستفحل بها الجوع والمرض .. أصدقاء الطفولة .. كبروا وكبرت همومهم معهم .. جلس على تختٍ خشبي قديم في مقهى أبو كريم تنزل خيوط الشمس عليها لتتسلل حرارتها الى رأسه لتشاركه أفكاره ؛ طلب أركيلة و تذكر طفولته ويتمه المبكر وأنتقاله من بيت الى آخر بعد وفاة والديه ؛ لم ترحمه الحياة وظروفها ؛ والتاريخ يعيد نفسه حياة أبنه عمر أشبه بطفولته وحرمانه من التمتع بطفولة طبيعية ككل الأطفال ؛ تحسرأحمد على أبنه عمر وهو في عمر الزهور الندية ؛ و يراقب أطفال المنطقة حاملين حقائبهم المدرسية على ظهورهم وعبئ المستقبل الذي ينتظرهم تخيل لو كان عمر بينهم ومعهم ويرى ضحكته البريئة وكركراته معهم .. أغرورقت عينيه الجاحظتين بالدموع .. سحب نفسآ بعد نفس من أركيلته وسرح بتفكيرعميق كيف ينقذ أبنه من مرضه وهوغير قادر على توفير أيجار البيت القديم المتهالك الغير آدمي .. غرق في أفكاره السوداوية أنتبه الى أن قد لبس جوربه كل فردة من لون .. ماعاد يهمه شئ .. يثمل ليلآ ليهرب من نفسه ؛ من فشله في أيجاد عمل يناسب عمره .. يسكر كل ليلة ليهرب من التفكير بابنه ومرضه وهو يرى نفسه عاجزآ أن يفعل أي شئ أي شئ سوى أن يسكر مرة يستدين ومرة حين يفوز على صديق بلعبة الطاولة أو الدمينو في القهوة ..؛
ألتقى أحمد أصدقائه في المقهى .. الذين تبرعوا من دمائهم لابنه وقد أتفقوا للذهاب للتبرع مرة ثانية هذا اليوم ..؛
رن موبايله ؛
—أين أنت ؟ ابنك بحاجة الى دم
— أنا في الطريق اليكِ يا زنوبة ؛ ضحكوا أصدقائه من دلعه لزوجته وسمع تعليقات لم ترق له ؛ لا يتحملها رأسه المتعب ..؛ حرق أنفاسه بخرطوم الأركيلة
تمنى أحمد لو بقيت زوجته عاقرآ جريمة أن ننجب أولأدآ ولا تسمح لنا الحياة أن نوفر لهم حياة عادية .. عادية .. لا ترف .. ولا دلال .. أين العدالة الأجتماعية يا ربي ؟ يتمتم بفمه الكبير؛ كادت أعصابه تنفجر؛ كالانفجارات التي تشهدها عاصمته كل ثانية لقد صرف كل ماعنده حتى ساعة يده باعها لأجل شراء دواء لأبنه عمر الذي يعاني من التهاب مزمن في الكبد بما يسمى بفايرس( سي) ..؛
أستقلوا سيارة أجرة بعد أن فاصلوه على الأجرة … لم يتتبقى من أعصاب أحمد إلا بقايا مهدمة كل أفكاره تتراكم في رأسه ؛ أنفاسه وحسراته تحرق صدره كأحتراق محرك السيارة القديمة التي تقف كل مسافة بسيطة ليطفئ نارها سائق السيارة بقنينة ماء لكن من يطفئ نار قلبه على عمر كلما رآه بوجهه الشاحب والهالات السوداء تحيط عينيه البريئتين تمنى لو يكون هو حاملآ المرض وليس أبنه ؛ لكن ما ذنب زينب في الحالتين هي المتُعبة والمضحية براحتها وبصحتها لم ترى زينب النوم من يوم تسلل هذا المرض اللعين لجسد أبنها عمر وبدأ يتآكله … نحلت زينب بشكل واضح كأنها شبح إمرأة بقايا أنسانة محطمة ؛ غزا الأبيض شعرها الطويل وظهرت تجاعيد وجهها قبل آوانها وبدأت أسنانها تترك فراغآ في فمها لقد أصيبت بمرض السكر من شدة قهرها وحزنها على عمر الطفل الوديع الجميل بعينيين سوداويتين واسعتين وشعره الناعم تتحمل زينب متاعب ومعاناة المستشفى الحكومي في النهار وسكر وعربدة أحمد كل ليلة عندما يعود متأخرآ من الحانة ؛

سيارات الأسعاف تجوب العاصمة بصفاراتها التي تمزق الرأس وتحطم الأعصاب ؛ كانت المستشفى تعج بالمرضى في صالات الأنتظار وجرحى الحرب ممددين على الأسرة غارقين في دمائهم وأنينهم ينخر العظام ؛ الأطباء والممرضات في حركة دؤبة لأنقاذ ما يمكن أنقاذه من الجرحى ؛ بينما كانت زينب تنتظر قدوم أحمد وأصدقائه للتبرع بالدم لأبنهم عمر .. دوى أنفجار شديد جدآ قريب من المستشفى أهتزت المستشفى به ومن شدة عصف الأنفجار تكسر بعض زجاج الشبابيك والأبواب .. وبدأت من جديد المستشفى تتلقى مزيدآ من الجثث بين جريحٍ وقتيل … تكلم نفسها يا رب جيب العواقب سليمة تأخر أحمد كثيرآ هذا طبعه لم يبال ولم يهتم بابنه أهم شئ عنده القهوة وأصدقائه .. وهي تمشي في الممر الذي يصل الى غرفة التبرع بالدم تجد جثة زوجها أحمد ملقاة على الأرض غارقةً في دمه

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى