ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : العبء .مسابقة القصة القصيرة بقلم / سيدة نصرى .تونس

” مسابقة القصة القصيرة ”
” سيدة نصري – تونس ”

العبء
تقطع الطريق مرتجفة المزدحم , يكاد قلبها يتوقف عن النبض, سيارة كادت تدعسها وهي نتطلق بسرعة جنونية , العبء الذي يثقل كاهلها يجعلها تخبّ, تراودها رغبة في الجلوس على مقعد معدني لمحته على يسارها لتستعيد أنفاسها لكنها تكبحها ,السابلة يحثون الخطى تتأمل تسارعهم واندفاعاتهم وتفشل في مجارات نسقهم.
– – هل يرونها حقا ؟ تساءلت في سرّها , هذا العبء الذي يراه غيرها نعمة بل يبذلون من أجله الغالي والنفيس أضحت تضيق به ذرعا , هي ورثته – بعد رحيلهم تباعا مع أنه أضحى يخوّلها قول وفعل ما يحلو لها حتى لو رفعت غقيرتها بالغناء في وسط الشارع ولكنها للأسف لا تجيد ذلك, صار في إمكانها أن تذهب الى حيث ومع من تشاء , ولن يصفعها أحد على وجهها أو يجرّها من جدائلها الطويلة أمام الخلق ,وهاهي تلتفت وهي آمنة , انتشلتها من شرودها إحداهن كانت تتأبط يد طفلها في حدب . تلك اللفظة التي تروي ظمأ كل الأبناء لم يلامسها شذاها فقد احتكرتها أخرى بل اثنتين فكانت تخرج من بين شفتيها هجينة بلا احساس ولا توهّج عاطفة , تردّدها على مضض .عادت تزورها بعد سنوات القطيعة فكان ينتابها شعور بالغربة ثقيل ويمتدّ بينهما عتب مكتوم وهي بين ابنائها الجدد , قالوا لها بعد تجاوزها سن الطفولة وقد صارت تفقه الأشياء إنها أجبرت على ذلك لكنها لم تستسغ تلك الحقيقة – حين مرضت شقيقتها وتوفيت كان حزن الجدّة الأصلية وحتى المزيفة أشدّ وطئة من حزنها المحايد. غمرت حواسها زخّة عطر منعشة تلاشت سريعا مع صاحبتها الماّرة بقربها على عجل . رمقتها بحسرة. بادية النضارة والتأنق كانت وانتبهت لثوبها الكحلي الفضفاض ووشاحها الداكن القديم.
– تشكو وتهذي كامل اليوم في كرسيها المتحرك مذ فتحت عينيك في ذلك البيت الطيني وذلك ديدنها . وداهمها خاطر وألحّ, لا يمكنك التخلي عنها فهي من بقي لك فما يجمعكما ليس صلة الدّم وحسب بل أشياء أخرى كثيرة , شبه لا يصدّق في ملامحها بذلك الرجل الذي كان لا يزوركم الاّ إذا تعتع الكأس صوته قبل خطواته . كان يصرخ , يستعرض أوهام رجولته , يقول كلاما لا تستصيغينه غالبا ولكن لا أحد يجرأ على الإعتراض. بعد رحيله كثيرا ما تساءلت :
– هل أحببته , وهل أحبك بل أحبكم يوما ؟ لقد ترككم ومضى الى مدينة أخرى لحق بتلك المرأة الضخمة الجثة دون أن يرّف له جفن فمن سهرت على نشأته كانت مستعدة لتأخذ دوره بل دورهما عن طيب خاطر فمضى بكل أريحية لينغمس في أتون حياة بديلة .
– صارت تؤثر العزلة وتتفادى الإختلاط بل الأصح إجبرت عليها مع أخويها ما كانت تتذمّر ولا تعقّب. كانتا جبارتين وخاصة تلك السامقة الطول , الحادة الملامح ,سطوتها تشمل الجميع كانت بمن فيهم الأرملة الثانية فيخضع الجميع صاغرين .
– عنّا لها أن تعرضه للبيع ما أثقل
– كاهلها علّه يكون أكثر جدوى وفاعلية لدى غيرها ,كأن تتخلص منه بوضعه على ناصية الطريق فيلتقطه أحد المارّة , أو تضعه في طريق عودتها من الصيدلية على ذلك الكرسي . حاولت تغيير بعض ملامح حياتهما وإعادة هيكلة البيت بما تسمح به مدخراتهما من منحة القريبة الكسيحة ولكن من غير طائل, كلما غاصت في دهاليز حياتها يغمرها الأسى والقنوط , كلا الإخوة من الجانبين طوّحت بهم السبل وتقاطعت بهما الدروب, وحدها ظلت في شرك المتاهة تجتّرذآبات الصمت والسّخط والوجل من كل شيء , من اتخاذ أي قرار , الوجل من الآتي , فضلا عن السّقم الذي تدافعت أعراضه, وآخرها هذه الهشاشة التي استوطنت كامل هيكل الجسد –
– – يا حاجة , يا حاجة ,,,,,
– التفتت خلفها نحو مصدر الصوت, كهل خمسيني لم يسبق لها رؤيته من قبل يؤشّرباتجاها ويحثّ الخطى , لكنه حين التقت نظراتهما يرتدّ
– – المعذرة حسبتك هي …. فهيأتك
– مشيتك تشبهها كثيرا .

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى