ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : العودة . مسابقة القصة القصيرة بقلم / هاشم وهبي . المغرب

الاسم: هشام وهبي
البلد: المغرب
واتساب: 0689268538
رابط حساب الفايس بوك: https://web.facebook.com/hicham.yankee.9
نوع المشاركة: قصة قصيرة
العنوان: العودة

كانت سيارته قد أصابها عطل مفاجئ ثم استقل سيارتي أجرة أخرتاه عن موعد اجتماع إدارة مجلس الشركة، فقد انتظر في الطابور طويلا، وحتى عندما وصل دوره وتلكأ في الصعود قليلا إلى السيارة، سبقه البعض دون أن يعيروه اهتماما، ولم يلتفت أحد من الواقفين إلى احتجاجه الصامت، ليتيقن أن الأمر عرف لدى القوم، فشد على حقيبته الجلدية في حزم وغضب، وانتظر سيارة الأجرة القادمة، ليندفع في سرعة وخفة عند وصولها، جالسا في المقعد الأمامي. وصل السائق إلى محطة التاكسيات، نزل ثم استقل سيارة أجرة صغيرة وهو يمني النفس في الوصول بسرعة إلى مقر الشركة، كانت الساعة تشير إلى التاسعة إلا عشر دقائق.. موعد الاجتماع في التاسعة، والمدة التي تفصله عن مقر الشركة عشرون دقيقة، سيتأخر لا محالة وسيؤنبه مدير الشركة ويمنع عنه الترقية، منذ أشهر وهو ينتظر هذا الاجتماع ليقدم مشروعه الجديد أمام الشركاء الأجانب وأعضاء مجلس الإدارة.. أغمض عينيه في قلق وتوتر عندما جالت في ذهنه هذه الخواطر، ثم التفت إلى سائق السيارة البدين:
– أسرع.. أسرع..
قطب السائق حاجبيه ونظر إليه في غضب، وفي لحظة تناقصت سرعة السيارة تدريجيا لتسير ببطء.. رمقه في استنكار قائلا:
– ألا تزيد من سرعة السيارة قليلا..
طال الصمت بالرجل ليجيبه بعد فترة قائلا:
– كلكم هكذا يا أصحاب البدلات وربطات العنق.. تظنون أن كل شيء لكم,, حتى الشارع وسيارات الأجرة.. لن أستغرب إذا حاولتم امتلاك الهواء الذي نتنفسه..
استغرب من ردة فعله المفاجئة، وهم بالرد عليه، لكنه آثر ألا يعيقه شيء عن مقصده.. قال في هدوء:
– من فضلك.. إنني متأخر عن موعد مهم.. وستزيدني تأخيرا بتباطئك..
انبسطت أسارير السائق فجأة وندت عنه ابتسامة ماكرة:
– اها.. موعد.. وتريد أن تصل في الوقت.. لا تقلق سيكون هذا مثيرا..
ثم انعطف على زقاق جانبي وقد زاد من سرعة السيارة، والتي بدأت تلتهم الطريق بين الأزقة حتى وصل إلى شارع تؤدي نهايته إلى الجزء الجنوبي للمدينة..
اتسعت عيناه دهشا فصاح به:
– إلى أين.. إلى أين تسير بي..؟
– قلت لك لا تقلق.. سنقوم بجولة قصيرة في بعض أحياء المدينة.. سيكون هذا ممتعا.. أليس كذلك.. ها ها ها..
تجمد في مكانه للحظات، ثم أمسك بناصية رأسه في استسلام، إلى أين يذهب بي هذا الأحمق.. ما هذه الأقدار التي ألقتني في طريقه. تنفس في عمق ثم التفت إليه في هدوء:
– أنصت.. سأدفع لك ما تشاء.. أرجوك انعطف الآن وعد فقد تأخرت..
ضحك السائق في سخرية:
– ألم أقل لك.. كلكم تفكرون هكذا.. كل شيء يمكن أن تشتروه بالمال. ثم أكمل في جدية مصطنعة:
– لكنني الآن في الطريق إلى وجهتك، أحببت فقط أن أجعلك تتجول قليلا وتشاهد الناس والحياة في المدينة.
غض بصره في يأس وهو يلعن الظروف التي جمعته بهذا الغبي، وتمنى للحظة لو ينقض عليه ويخنقه بيديه..
توقفت السيارة فجأة في مكان شبه خالي قرب مباني بيوت كبيرة متفرقة.. نزل السائق ثم استدار حول السيارة، فتح الباب ثم جر جسده النحيل وألقى به خارجا:
– استمتع بوقتك أيها الرسمي ..بالمناسبة.. ستسير من هذا الاتجاه لمدة ربع ساعة وهناك يمكن أن تستقل سيارة أجرة تقلك إلى عملك.. أتمنى ألا تتأخر عن موعدك.. ها ها.. يوما طيبا..
نفض عن ملابسه الغبار الذي طالها وهو يتابع السيارة في غضب.. وقف ثم أجال بصره في الأرجاء.. ماهذا المكان يا ترى ..بيوت واسعة مسورة تبدو كالمهجورة.. تحيط بها أراض خالية، يمد بصره بعيدا ..كانت هناك بعض الأشجار والعشب يحيط ببحيرة صغيرة. تسمر في مكانه فجأة وقد أثارت هذه المشاهد صورا في ذاكرته.. رأيت هذا المكان من قبل.. لكن مهلا.. ثم تذكر فجأة أن هذا المكان خارج المدينة قضى فيه جزءا من طفولته المبكرة، حيث كان يصطحبه أبوه في بعض أيام العطل المدرسية ليستمتع بالمكان. نظر حوله في ذهول فاسترعى انتباهه سور عال لإحدى البيوت المنتشرة بالمكان.. اقترب منه.. كانت تحفه أشجار باسقة من التفاح والرمان.. عادت به الذاكرة إلى طفولته عندما كان يتسلل إلى السور ويتأمله في إعجاب ومهابة، لكنه قرر ذات يوم أن يعتلي السور، بحث عن ثغرة فيه ثم استعان ببعض الأحجار وجذوع الأشجار ليصعد بعد مشقة ويتعلق بأغصان شجرة تفاح قريبة.. أثاره منظر حديقة البيت الداخلية، لكنه لم يجرأ على القفز إلى الداخل.. اكتفى بجمع بعض التفاح والرمان من الشجيرات القريبة ونزل عائدا. اعتاد بعد ذلك أن يقطف الثمار في غفلة عن أهل البيت.
اقترب من السور، وقد أطربته الذكريات.. كان هاتفه لا يكف عن الرنين، أخرجه من جيبه.. يتصل به الرئيس تارة ونائبه وأصدقاؤه الموظفون تارة أخرى.. يغلق الهاتف ثم يجرده من بطاريته ويضعه في جيبه.. يرفع رأسه متأملا السور في نشوة وقد أحس براحة عميقة تجتاحه فجأة.. خلع سترته وحذاءه الجلدي، ثم دار حول السور يبحث فيه عن ثغرة يصعد منها

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى