الفُلة الآدمية
فى شرفة المنزل العتيقة التي تتميز باخشابها المتقاطعة من نوع الأبنوس حيث تتشابك الأخشاب فى أناقة كأنها ترقص فى تناغم مع الطبيعة المحيطة مكونة فتحات تسمح لأشعة الشمس الذهبية بالتسلل منها راسمة أنماطاً ساحرة من الضوء والظل على الأرض مما يُضفى جواً ساحراً وسحرياً على المكان
كنتُ أجلس أقلب كتباً مزينة بالصور ، كانت الصور عبارة عن طيور وحيوانات ونباتات ومناظر طبيعية ، فأتخيل أنها تنطق مثل البشر ،وأُتوق بحرارة للحصول على عصفور أتبادل معه الحديث وأطلب منه أن يعلمني الطيران مثله ويأخذني معه فى جولة إلى السماء حيث المكان المفضل الذي طالما دار فى مخيلتي وتمنيت ان أعيش به وأعقد العديد من الصداقات مع السحب والنجوم واتبادل معهم الأحاديث لأنني كنتُ بنت وحيدة
ولكن كان هذا غير ممكن لأنني كنتُ مصابة ب فوبيا من الطيور والحيوانات ، وكل ما حصلتُ عليه هو اصيص خشبي صغير يحتوي على نبات الفُل ، تتدلي برفق منه أوراق الفُل الخضراء الزاهية وكأنها ترقص بلطف مع نسمات الهواء ،وتتفتح أزهار الفُل البيضاء الناصعة فى أعلي النبات تتلألأ كأنها قطع من السماء المنثورة على الأرض ،وتمتزج رائحته العطرية الساحرة مع الهواء المحيط ،وتعبق المكان برائحة أخاذة
وبالرغم من ان نبات الفُل لم يكن يتكلم إلا أن ذلك لا يعيقه عن الحركة مع الهواء ،فقد كانت عيناي تمتلئان دموعاً من شدة تأملها ، كنتُ أتحدث معها طول الوقت ولكنها لم تبادلني الحديث قط.
كانت الحواديت كلها التي ترويها لي جدتي تدور حول حيوانات ونباتات وطيور تنقلب إلي بشر حين تتلقي قُبلة آدمية ، فكنتُ أمنح فُلتي قبلات كثيرة إلا انني فى إحدى المرات وأنا مستمتعة بالتقبيل العفوى لنبات الفُل انزلقت وتلوث وجهي بالطين ، ورفضت الفُلة أن تنقلب إلي مخلوق بشري .
وتوجب عليَّ أن أذهب إلى المدرسة فوجدتني وسط العديد من الأطفال وتساءلت فى نفسي لمَ رغبتُ فى قلب الفُلة إلى أبناء آدم ؟! فثمت منهم علي هذا النحو ما يكفى ، وكنتُ افهم لغتهم على نحو أفضل .
فتعلمتُ التهجئة وفي هذه الشرفة الجميلة كنتُ أجلس وأقلب فى الكتب غير أن تلك الكتب لم تكن تزينها الصور.
كان رفقائي فى المدرسة يتمثلون فى خاطري كنباتات فُل وكانوا يتحركون ويتمايلون كحركة الفل مع الهواء ومع ذلك لم استطع وأنا فى صحبتهم التحدث بمثل الفرح الذى كنتُ أتحدث به حين كنتُ وحيدة فيما مضى مع فُلتى الجميلة ، كما أننى فى صحبتهم تخليتُ عن تصورى السابق بتحويلهم إلي بشر بمجرد منحهم قُبلة آدمية ما داموا هم كذلك أصلاً ، ولم يعد يهمني أن امنحهم قبلاً
في تلك الفترة خطر لى أنهم قد لا يكونوا بشراً حقيقيين أيضاً وأننى أنا نفسي ربما أكون فُلة متحولة الي بشر تحت تأثير قُبلة ،
عاودتنى حكايات جدتي القديمة ، فوقفتُ أمام الجميع وسألتُ
ألم تنقلب الطيور والحيوانات والنباتات إلى مخلوقات بشرية فيما مضى تحت ثأثير قُبلة ؟!
فانفجر الجميع ضاحكين مني .
قصة قصيرة
الاسم / غادة عبد الخالق احمد
الشهرة / غادة عادل
https://www.facebook.com/ghada.adel.10?mibextid=ZbWKwL
الشهرة / غادة عادل
https://www.facebook.com/ghada.adel.10?mibextid=ZbWKwL