ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة (اللعنة) مسابقة القصة القصيرة بقلم / هبة محمد عادل السويسى .مصر

اللعنة
بقلم/ هبة محمد عادل السويسي.
مصر
قصة قصيرة
أدركت معني الحياة في بيتنا علي الانضباط والضبط والربط، نسير على قضيب للقطار لا يسمح لنا بالتوقف لالتقاط أنفاسنا، أري كل شئ في الحياة علي عجلة من أمري، فلقد عملت بحكمة أبي الوحيدة: الحياة قطار سائر.. إن لم تواصل الركض سوف يرديك ذلك القطار صريعًا.
ورغم أني كرهت الحياة في بيتنا بكل ما فيها من تفاصيل صغيرة وكبيرة كنت أعلم أني أعيش في سجن مفتوح علي الحياة، سجن لا أبواب له ولكن له سجان لا قلب له! وصايا أبي التي أبغضها ولم أفهمها يوماً.. أن الرجل يجب أن يعيش بلا قلب وأن وُجد له قلب عليه أن يواريه الثرى وكأنه يخفي سوأته عن أعين الناس، لذا نبشت قبراً عميقا، ووضعت قلبي المسكين دون أن ألقي عليه نظرة واحدة! قبلت الحياة في ذلك الحيّز الضيق الذي صنعه أبي لكل فردٍ في العائلة
أنهيت دراستي التي اختارها هو، وقبلت مره أخري بوضعي كموظف في مصلحة الضرائب، لم يسألني إن كنت أوافق علي ذلك العمل، ولكنه أشار إلي وقال “إن فاتك الميري لازم تتمرمغ في ترابه” ولم أرد عليه ببنت شفة، بل اكتفيت بتلك الابتسامة البلهاء التي كانت ترتسم علي وجهي كلما ابتلعت أمراً صعباً علي نفسي وكأنه سم زعاف أتجرعه رغم معرفتي أنه قاتل! لم أعترض أو أطلق اللعنات فلم يعص أحداً من أخواتي أمراً له يوماً ولن أغامر وأكون أول من يفعلها!
وكما تقبلت دراستي ووظيفتي التي لم أختر أي منها يوما، كذلك تزوجت منال ابنة عمي التي لم أسع يوماً لنيل ودها! أسمع هدير الفرقة الموسيقية.. أشعر أن الارض تميد بي.. انظر لموائد الضيافة.. أجدني ممدداً عليها وضيوف الحفل يقومون بتقطيعي قطعاً صغيرة!
ابتلع لحمي علي مهل، أرتعد، أريد أن أسألهم: هل لحمي لذيذ لتلك الدرجة؟! أتراجع في اللحظة الاخيرة عندما أدرك أن أبي يرمقني بنظرة حادة، فتتسارع نبضات قلبي وأنا أسير لقدري المحتوم، يغيب النور عن قلبي.. يغيب النور عن نافذتي.. وهذا آخر شئ اذكره عن نفسي!
في الصباح التالي للزفاف، استيقظت.. لم تكن عروسي الميمون بجواري! ارتفع صوتي بندائي عليها عدة مرات دون أن تجيب! ولكن ذلك لم يشغلني كثيراً بل كنت أكثر انشغالا بصوتي كلما حركت شفتاي! أسمع صوت أبي يرن في أركان الغرفة!
قفزت من السرير مسرعاً صوب المرآه انظر لنفسي أتحسس وجهي وقد هدأت بعض الشيء، حمدت الله وقد أصابتني متعة الذهول، أنا ما زلت أنا، ولكنني أشعر أن أبي يمسك بأحبالي الصوتية، ويحركها كيفما يشاء، فيصدر عني صوته!
عدت للسرير وطال مكوثي فيه أخاف أن أنطق فأسمع صوته ينطلق من داخلي مرة أخرى، عزفت عن الكلام لأيام ولكنني لم أجد بداً من الحديث، ويوماً بعد يوم.. لم أجد فقط صوتي وحده الذي اختلف، ولكن كل شئ في! صوتي.. نظارتي.. طريقتي في الأكل والمشي والصياح.. ويدي! تلك التي ترتفع ثم تهوي علي وجه منال، كل ذلك لم أكن أنا الذي أفعله، بل هو!
هو الذي أورثني عقلا لا أعرفه، وأطبق علي روحي بكل ثبات!
مرت السنين وأنا كمَا أنا! أسير علي قضيب القطار والقطيع يمشي ورائي دون صوت!
رحل أبي ولكنه ترك شيئا منه يسكن كل واحد فينا، لعنة أطلقها ولا نعرف التعويذة التي يمكن أن تخلصنا منها!

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى