وحيدةً أقف في هذا الوادي الفسيح ، أتذكر كل صديقاتي وأخواتي اللواتي كنّ يعطرن فضاء وادي القرية بقاماتهن الشامخة
أجدني يتيمة لارفيق هنا يؤنس وحدتي
كم اعتنى بي الجد سالم الذي كان يسقي عطشي ويفرح حين يراني يانعةً مزهرةً بين رفيقاتي في هذا المكان الذي كان يعج بالحياة
مازلت أتذكر جموع المسافرين الى القرى البعيدة حين يتفيؤون ظلالي ويتبادلون أحاديث السمر في فصل الصيف
ومازالت ألعاب الرُّعاة ترِن في أذني وهم يقفزون محاولين ملامسة أحد أجزائي أو يتسلقونني بحثا عن عصافير الوادي الصفراء التي طالما كانت تحتمي بي من وطأة الشمس وقت الظهيرة أو زخات البرد وقت الشتاء وضحكاتهم تملأ فضاء القرية حبا
هاأنذا اليوم أقف عاريةً من أوراقٍ تساقطت بفعل الجفاف الذي أتى على كل الجمال فحوَّله إلى موت بطيء
هاأنا أصارع برد السنين حيث لايستر جسدي العاري شيء
أبكي ظِلي الذي لم يعد أحد يتذكره والذي غادرني هو الآخر وهو يبكيني
هاأنا أرى تلك الجرافات المخيفة تداهم الوادي لتبتلع كل شيء في طريقها لإقامة جسر اسمنتي
بعد قليل سألفظ أنفاسي ولن يفتقدني أحد من جيل التقنية الحديث الذي لم يعرفني أو يتعرف على من أكون أو حتى يعرف اسمي من بين أسماء من يرافقنني هنا في هذا الوادي الشاحب
سأغمض عيني على وجوه الآباء والأجداد الذين غادروني
سأغمض عيني إغماضة أخيرة وستبقى ذكريات الرعاة والمسافرين والجد سالم حيةً داخلي .
فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون