ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : المنزل . مسابقة القصة القصيرة بقلم / حسن رجب الفخراني .مصر

الاسم: حسن رجب محمد ابراهيم
اسم الشهرة: حسن رجب الفخراني

العنوان : مصر – سوهاج قرية بلصفورة

ايميل / [email protected]
الفيس: https://www.facebook.com/profile.php?id=100010858273361
فئة : القصة القصيرة
المنزل
طرقت الزوجة الباب الخشبي برفق حتي تناهي لسمعها صوت الزوج من خلفه قائلا
: هل الطعام جاهز يا أم هاني؟
أجابته بصوت أقرب الي الهمس
: نعم.
دفع باب الغرفة الوحيدة التي تحمل علي عاتقها بعض عيدان الذرة الجافة كي تحجب عنها فضول الشمس وأشعتها المتلصصة علي الفقراء ,ومد يده وتناول من زوجته الصينية التي وضع عليها أطباق الطعام ورائحة البيض بالمسلي الصناعي تخترق الأنوف , بحرص شديد حملها واتجه بها صوب العمال وقد أوشك الجوع أن يتجلى واضحا علي القسمات الخشنة .
وضع سماط الاكل علي الارضية الترابية وهو يقول في حماسة
: الطعام يا معلم حمد , هلم لتناوله ومعك العمال .
نزل البناء من فوق السقالة وجلسوا جميعا حول الطعام, وما هي الا لحظات وقد انتصروا في تلك الحرب الضروس ولم يتركوا ولو بقايا تشهد علي من كان منذ لحظات ينبض علي ظهر الصينية بالحياة.
الجميع في انتظار الشاي , والذي لم تتواني أم هاني برهة في أعداده والسعادة تغمرها, لما لا , قريبا جدا تمتلك غرفة أخري وفيها تستطيع أن تربي ما تشاء من طيورها الداجنة التي لا تجد لها مكان الا في الاقفاص المصنوعة من جريد النخيل وهي تعلقها في شتي أنحاء الغرفة الوحيدة التي هي بمثابة الدنيا لها, طالما يحلو لها أن تسمع هديل الحمام وصياح الديكة في شغف وعشق لا يضاه.
وهي لا تزال تحلق في أحلامها سقط علي مقربة منها بعض الطوب الأبيض والبعض الاخر وثب خلفه , رفعت نظرها في هلع الي الحائط الوحيد الذي تتواري خلفه , اوشك ان يسقط فوق أم رأسها , فرت والفزع يلاحقها ومن بين شفتيها الجافتين انطلق صراخها يهز الارجاء ويوشك أن يدفع باقي الجدار الي الهوية.
جموع غفيرة من الجيرة جمعها الصراخ المقهور وتوقفت ترقب في صمت ما يحدث.
اندفع أبو هاني وخلفه العمال مسرعين صوبها لاستجلاء حقيقة ما يحدث وسبب هذا الصراخ البين .
في تلك اللحظة كانت تمسك بتلابيب أحد الرجال وهو لا زال يهدم لبنات الحائط واحدة تلو الأخرى وكلما أسقط واحدة نظر خلفه في زهو الي البذة العسكرية التي تراقبه عن كثب وصاحبها يومئ له بالموافقة عما يفعله
: دعك عني يا أمراءه , هل تتعدي علي أحد رجال الادارة , اثناء تأدية عمله.
كانت تلك الكلمات التي أطلقها الرجل علي أم هاني وهو لا زال يسحب لبنة ويعضدها باخري وهي لا تزال تدفعه قدر طاقتها كي لا يكشف سترها لا سيما وان الشتاء بدأ يهل في الأفق , ولسعاته القارصة لا قلب لها
تهامس الناس فيما بينهم عما يحدث قبالتهم , غمغم أحدهم قائلا
: هي حملة ازالة , لا شك في هذا.
: كان الله في عون أبو هاني وزوجته , ان هدم ما بنياه اين يذهبا هما وصغارهما.
: الحكومة مثل جلمود الصخر , لا قلب لها كي تشعر بمعاناة الفقراء
حينما شاهد الزوج زوجته وهي تدفع الرجل الذي يوشك ان يهدم كل احلامهما لم يملك نفسه من الغضب العارم الذي اشتعل كالأتون في داخله ومراجل الغيظ بدأت علي وجهه تهدر , اندفع صوبها كالسهم ودفعها جانبا ثم التفت الي الرجل والذي ما ان راي وجه الزوج المشتعل واللهب يتطاير من شدقيه حتي ايقن بالهلاك ونسي البذة العسكرية التي يحتمي فيها مثل الجرذ , تراجع الي الخلف وهو يقول في هلع شديد
: ليس ذنبي , ما أنا الا اداة عمياء في ايديهم , انفذ ما يأمروني به وهذا هو عملي.
لم يسمع الزوج الغاضب أية كلمة مما قاله الرجل ولم يكترث ايضا بمن يستمد عنفوانه منهم وانهال عليه بكل ما اوتي من قوة و قهر ضربا علي صدغيه حتي انتفخت , لم يفق الزوج الا علي بعض ايدي الجنود وهم يدفعونه بعيدا عنه وهو كالأسد الجريح , لا زال يطلق زئيره .
: أمسكوا به ولا تدعوه يفر منكم , ولنا معه حساب اخر.
ثم اتجه في خطي للحقيقة كانت مهتزة , وخلفه باقي حملته وفي وسطهم الزوج ,تاركا خلفه الحائط الذي لم يكتمل بعد.
حاولت الزوجة ان تلحق بزوجها الا ان بعض ايدي النساء من جيرانها قد أحاطت بها ومنعتها من فعلتها التي كانت تنوي ارتكابها واحداهن تخاطبها في نصح قائلة
: أين تذهبي يا ام هاني؟ وصغارك لمن تتركيهم.
قالت اخري
: لا تقلقي عليه , له رب كفيلة بحماية الضعفاء.
لم تجد مناص من الانصات اليهن وان قولهن هو العقل بعينه ,عادت الي منزلها وهي منهارة مثل الحائط الذي هوي معظمه بلا جريرة.
حملت العربة ابو هاني الي مركز الشرطة وهو يتساءل في دخيلة نفسه , أي جريرة قد ارتكبها كي ينال كل هذا السخط الحكومي عليه , لطالما عاني من الانتقال من مكان الي اخري لعجزه عن تدبير الايجارات الباهظة التي تدفع مهرا كي ينال مأوي له ولأسرته الصغيرة ,فما كان منه الا ان يواصل الليل بالنهار ويكاد لا يغمض له جفن في شتي الاعمال المرهقة حتي تمكن من جمع بعض المال الزهيد , ولم تبخل عليه أم هاني بحليها البسيطة والتي كانت هي ما تبقي لها منذ زواجهما , لكن كل هذا لم يكن يكفي لاقتناء منزل ولو حقير ,وكان الحل في القروض ولو بفوائد شرهة ,وبعض الجمعيات التي تولت مسئوليتها كي تكون هي أول درج من يقبضها , حينما أصبح المال لديهم كافي الي حد ما, اصطدما بالواقع المرير , فكل ما جنته ايديهما بالكاد يكفي لشراء قطعة أرض زراعية لا تتعدي ربع القيراط.
الصدمة وقعها عليهما شديد ,وليس لديهما متسع من الوقت للتفكير ,أو الرجوع في الدرب الذي اختارته أقدامهما المتعبة .
ها هما أصبحا يمتلكا قطعة الأرض , رغما المعاناة التي سقطا في طاحونتها الا ان فرحتهما بانهما أصبحا أصحاب ملك طغي علي أيه مشاعر أخري ولا بد من اكمال فرحتهما ببناءها.
افاق ابو هاني علي صفعة علي وجنته , شعر بانها هتكت كل كرامته , وهو يطالع من صفعه ولا يملك ان يفعل له شيء , بعض الأصفاد في يديه تحول بينه وبين ان يرد صفعته , وكثير من الأغلال تعتقل روحه في مهانة , وابتسامة ساخرة ترسمت في شماته علي شفاه من صفعه وهو يستطرد
: هذه هي البداية ,وانتظر المزيد ,ان جرمك عظيم , وتعديك علي رجال الادارة أعظم.
انكمش الرجل في مكمنه ولم ينبس ببنت شفة وقد ايقن بدخيلة نفسه أنه قد سقط مثل الجرذ في مصيدة لا يعرف صاحبها من الرحمة ولو حتي بعض حروف اسمها .
تحاملت ام هاني علي نفسها وعادت تجر اذيال الخيبة الي منزلها الصغير حيث كان البناء والعمال واقفين علي بابه وقد تأهبوا للرحيل .
: سوف نذهب يا ام هاني ولنا عودة ان شاء الله.
نظرت لهم أم هاني ومن بين دموعها الغزار قالت
: لا , لن يذهب أحدكم , ولن ينال منا ما حدث , والبناء سوف يكتمل . وان غضبت علينا الحكومة , والا يجدوا لنا مسكنا ملائم , لا نطمع من سادتنا في أكثر من هذا.
تلاقت نظرات الاعجاب في أعين الرجال مما قالته أم هاني وعاودا الي بداية القصيدة.
دلف أبو هاني لمكتب وكيل النائب العام وأمامه وقف في خشوع وكأنه في محراب الصلاة , الا يقال ان للعدالة محراب , ها هو في ساحتها , ينتظر أن يقرأ علي جدرانه ما يطمئن له فؤاده الجذع وتهدأ علي راحته روحه الملتاعة.
نظر اليه الوكيل في استعلاء جلي ثم قال
: أنت متهم بتهم عدة كفيلة بان تلقي بك في غياهب السجن لأمد لا تتصوره ,فلما فعلت هذا؟
رد أبو هاني وقد استجمع عزته قبل شجاعته
: لم أفعل شيء , هل يعتبر أثم أنني أريد لأولادي وطنا يحميهم من عقارب الشارع .
دني وكيلا أخر من الأول وهو يقول بصوت مسموع
: برايك ,ماذا نفعل في السادة الذين استولوا علي أملاك الدولة وأقاموا عليها أبراج شاهقة بدون وجه حق , بل وصل بهم العهر أنهم يبيعوها علي الملأ دون خشية من عقاب.
هم أن يجاوبه برد بين , الا انه أخفق وخرجت كلماته بائسة مرتعشة وهو يهمهم
: هل تسأل , ومن منا يمتلك لسؤالك اجابة , الا تعرف من هؤلاء القوم , وهل نحن نملك من أمرنا شيء , كي نملك عليهم أمر.
: أين سلطة القانون؟
أشار الوكيل بطرف خفي علي أبو هاني ثم مال علي أذن الوكيل الاخر وهو يقول ساخرا
: ها هي تطبق الان.
: لكن الموضوع ليس بهذه السهولة.
: أعرف تماما ما تقصده , ولكن هؤلاء سلطة فوق أية سلطة قد يطمح خيالك في تصورها.
ثم التفت الي أبو هاني وبوجه كساه التجهم قال
: أنت ,قف بجانب الحائط هناك , حتي أنهي حديثي مع البك.
انزوي أبو هاني في ركن قصي من الغرفة الواسعة , وقد انتابته الحيرة و يخشي ما يخشاه أن تكون كلمة ” البك ” هذه جرم اخر يضاف الي قائمة التهم المدلاة من عنقه.
من مكمنه يحملق في تلك الغرفة الفسيحة ,يحاول أن يقارن ببنها وبين بيته الضئيل , لا مجال للمقارنة , فمنزله بجوارها قزم قبيح , بل ان مكتب الوكيل ذاته كفيل بشراء منزله بمن فيه ومن يملكه .
ينساب الهواء البارد من عدة مكيفات في الغرفة , يدفع المرء الي الاغفاء والاستسلام للكري ,لا سيما من كان علي شاكلته ,الذين يعانوا هجير الحر وقسوة لهيبه ولا يجد له مرفأ الا في الجلوس علي قارعة الطريق في انتظار هبوب بعض النسمات والتي ربما هي الأخرى تخشي تلك الدروب الضالة .
يعلو صوت الوكيل وهو يودع قرينه حتي اخترقت الكلمات أعماق أبو هاني
: يا صديقي لا تشغل بالك .
بعدها أشار بيده لأبو هاني وما ان دنا منه الاخير حتي قال والعجرفة لا تزال تقطن كلماته
:سوف يتم احالتك الي المحاكمة , متي تتوقف أنت وأمثالك عن الاساءة للبيت الكبير الذي لا يضن عليكم بالنفيس.
تبسم أبو هاني وكاد أن يتكلم و يسأل الوكيل
: وما هو ؟

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x