ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : بائعة الألم .مسابقة القصة القصيرة بقلم / أحمد عبد السميع اسماعيل . مصر

 

احمد عبدالسميع اسماعيل
مصر
01000086216
Ahmed Ismail

مجال القصة القصيرة

بائعة الألم

إن الأقدار هي التي تختار مصير كل شخص يعيش، سواء كان يعيش بمفرده أو وسط مجموعة، ولا يستطيع أحد ان يتنصل من هذه الأقدار مهما ارتفع شأنه أوعلي مكانه .

إن ثلاثتهم كان القدر لهم بالمنظار يترقب لهم كل خطوة في حياتهم لقد عاشوا أسرة صغيرة تتكون من أب وأم وثلاثة أخوات في ريعان شبابهن يعيشون جميعا حياةً بسيطة وصغيرة، كانت الثلاثة بنات يذهبن الى دراستهن وكانت الأم ربة منزل تحُضر لهن الطعام وكان والدهم موظف صغير يعمل طوال الشهر حتى يُجلب لهن الإحتياجات المعيشية وتوالت الأيام والشهور والسنوات علي هذا الحال في طمأنينة ويسر .

ولكن أصيبت الأم بمرض أقعدها الفراش وأصبحت أكبر الأبناء “نجلاء” التي ما زالت في السنة الأخيرة من الثانوية العامة هي من تقوم بأعباء المنزل بعد أمها بجانب متابعة دراستها وأشتد المرض بالأم يوما بعد يوم حتى بدأ ينتشر في انحاء جسدها، لقد أصيبت بمرض فتاك وهو “سرطان الدم” وحاول الزوج المخلص ان يبحث عن علاج لزوجته الحبيبة المخلصة التي تفانت لأسرتها طوال عمرها مشاركة اياه كفاح الأيام والليالي وأرتضت بأقل القليل لحياتها وكانت تدبر حالها وتقوم بخياطة ملابس أولادها وجيرانها حتى تكتسب القليل من المال ليساعد على أعباء الحياة القاسية .

 كان علاجها يتطلب جلسات وأدوية تفوق دخل الزوج كثيرا وكثير ولم يكن باليد حيلة، وهنا بدأت “نجلاء” تفكر ماذا تفعل حيال أمها وهي ترى أباها يحاول ان يعمل في شتى الأعمال التي تتاح امامه ولكن كان العلاج باهظ الثمن وهنا قصت على إحدى صديقاتها المقربات حكايتها، فما كانت من هذه الصديقة إلا انها قد وجدت لها حلا لمشكلتها وترجتها “نجلاء” ان تعطيها إياه ولكن صديقتها قد وعدتها بإن تعطيها الحل في المساء عند مقابلتهم مرة أخري سويا حتي تجعل “نجلاء” في شغفا وإستعداد نفسي للموافقة مباشرة علي ما ستقوله لها .

وفي المساء تقابلا الاثنان وأشارت الصديقة المقربة علي “نجلاء” بإن تكون لديها الإستعداد للتسلية والمرح وتكون ودودة وتتمتع بالبهجة والفرفشة العالية وهنا ذُهلت “نجلاء” لما سمعت !! كيف ذلك القول يا صديقتي؟  فغمزت لها الصديقة بعينيها وأشارت لها بإنك تفهميني بصورة أوضح عما أقول، إن المال يحتاج الى الذكاء ولابد لك ان تدركي معنى الذكاء جيدا إذا كنت تريدين ذلك المال وهنا صفعتها “نجلاء” على وجهها وتركتها وغادرت غاضبة ترتجف لما سمعت من أقرب صديقاتها ودخلت منزلها لتجد أمها تبكي من شدة الألم وأحشائها تضربها الأوجاع وتكاد أن تقطعها وأختيها الصغيرتين لا حول لهما ولا قوة يجلسان بجوار أمهما والجوع يُخيم على وجوههم والشح يظهر على جبينهم، وحاولت الأبنة ان تصّبر أمها على الألم وهمّت لإعطائها الدواء ولكنها قد وجدته قد أنتهى ولا يوجد من المال ما يكفي لشراء غيره ودخلت الى غرفتها وظلت تبكي وتصرخ على حال أمها وحال نفسها وقامت مسرعة بإحضار تليفونها الصغير من شنطتها وأتصلت بزميلتها زميلة السوء وتأسفت لها وقالت لها: من الآن فصاعدا وأنا طواعية وإختيارا بين يديكي في اي شيء يطلب مني وأخذت القرار وعقدت العزم على ذلك الفعل وتركت نفسها لتسقط في الهاوية .

وأخبرت والدها بإنها قد جاءها عمل بإحدى منازل الأثرياء العرب المقيمين بوسط القاهرة وقد أقنعتّ والدها بذلك بعد ان أوهمته بالراتب الكبير الذي قد يحل لهم تلك الأزمة وبدأت “نجلاء” في إحضار كافة ما تطلبه الأم من أدوية وغذاء لإخواتها وملابس لوالدها شارحة لهم بإن الأسرة التي تعمل لديهم محبة لعمل الخير وقد علموا بحالهم وأرادوا ان يساعدوهم في تلك المحنة والمعاناة وظلت “نجلاء” على هذا الحال عامين في براثن المستنقعات تبيع جسدها حتى جاء الوقت الذي توقفت فيه الأم عن نبض الحياة وتوفيت الأم وظلت “نجلاء” تصرخ في هيستيريا شديدة: بعد كل ذلك يا أمي ترحلي عنا، بعد ضياعي وإنهياري .

وحاولت “نجلاء” ان تقوم بالإنتحار ولكن تذكّرت أخواتها الصغار ووالدها الطاعن بالسن وتوالت الأيام والشهور حتى خرجت من أحزانها وما زالت تكمل رحلتها المستنقعية في بئر الهوى والظلام حتى جاء يوما وأقتحمت قوة من الشرطة لهذا المكان الذي كان تحت المراقبة فترة من الزمان وتم القبض عليها مع مثيلاتها من بائعي المتعة والهوى وعلم الأب بما حدث لإبنته وسقط مغشيا عليه وتم نقله الى المستشفى ليصاب بجلطة نتج علي أثرها إصابته بشلل نصفي، وعلمت “نجلاء” في محبسها بما ألم بوالدها وتم الحكم عليها بالسجن لمدة سنتين بعد إستعمال الرأفة معها نظرا لحداثة سنها وظروفها الشخصية .

وظلت في السجن تبكي ندما على ما اقترفته اثناء حياتها وما كان لها من سبيل إلا ذلك الطريق ولكنها كانت ترجو التوبة من الله على ما قد أقترفته وألم بها من خطايا ومعاصي وبعد عام ونصف توفى الأب متأثرا بمرضه وظل طوال مرضه في هول صدمة ابنته جعلته في حالة نفور من تلقي العلاج وعلمت “نجلاء” بوفاة أبيها ودخلت في حالة إكتئاب مزمنة وحادة جعلتها تعيش منفردة في محبسها وفي عزلة تامة .

وفي هذه الأثناء كانت الأختين الصغيرتين يعيشين بمفردهن بعد ان وصلوا لسن المراهقة يدرسون ويشتغلون في شركة غزل ونسيج نتيجة لما قد تعلمتاه من امهما قبل وفاتها ويزورن أختهما مرة كل  خمسة عشر يوما طبقا لمواعيد الزيارات ويعطونها من المال ما يكفي إحتياجاتها في السجن .

مرت السنتين وخرجت “نجلاء” وكان في إنتظارها اختيها الصغيرتين وكان لقائهما هو لقاء الظلم والعدل في آنا واحد، ظلم الزمان وعدل الإلتقاء مرة أخري فيما بينهم وأصطحبوا بعضهم البعض الى منزلهم وبدأوا يرتبون أحوالهم مرة أخرى حتى يستطيعوا ان يعيشوا في هذا المجتمع من جديد ويتعافوا من الآثار النفسية التي قد ألمت بهم فما كان منهم إلا انهم قاموا بفكرة إنشاء أول مركز نفسي متخصص لمواجهة الأزمات (سواء الأزمات النفسية او الأزمات المرضية أو الأزمات المعيشية) وكانت فكرة مشروعهم هي ان الأزمة التي يعيشها الشخص في حياته هي أزمة واحدة إذا إستطاع بتفكير سليم ان يصل الى حلا لها كان هذا الحل هو الصواب وأنتهت تلك الازمة، اما إذا لم يستطيع ان يصل الى حلا فلعيشها كما هي ويواجهها حتي تظل أزمة واحدة بدون ان ترتقي لتكون أزمات متعددة وتتعدد بدورها الكوارث الناتجة عنها مما يؤدي أخيرا الى تعدد المصائب وهذا ما حدث فعليا في أزمتهم التي تطورت من أزمة مرض الأم والإحتياج الي المال للعلاج الي أزمة أكبر والوقوع في براثن الهوي والظلام ثم إلي أزمة أكبر وأكبر ودخول نجلاء للسجن ثم إلي أزمة كبري الي وفاة الأب متأثرا بصدمته من فعل أبنته بدون معرفة حقيقة الأمور وأسبابها وكونوا فكرتهم كاملة في صيغة بحث اجتماعي كامل وذهبوا به الى مسؤولي وزارة التضامن الاجتماعي لطرح الفكرة وموضوع بحثهم حتى إستطاعوا بتفوقهم العلمي ان يقنعوا مسوؤلي الوزارة بهذه الفكرة وتطبيقها والإتفاق على الدعم الكامل لها والحصول علي الصفة الرسمية لها وبعد عدة أشهر تم قبول فكرتهم من قبل مؤسسة عربية عريقة لتكون راعي لهذا المشروع المتميز وأصبحوا مديري مركز متخصص لمواجهة الأزمات وذاع صيتهم حتى أصبحوا يلقوا محاضرات في أماكن عامة ودور الرعاية وجمعيات ومؤسسات تطوعا ونظير أجر في أوقات أخرى وظلوا على هذا الحال حتى تزوجت الأختين الصغيرتين وأنجبوا أطفالا تم تسمية إحداهما بأسم والدتهما وآخر بأسم والدهما وبعد فترة من الزمان سافرت “نجلاء” الى أحد البلدان العربية لإفتتاح أول فرع بالدول العربية لهذا المركز المتخصص ونالت عنه جائزة التميز والريادة لأفضل فكرة مشروع مجتمعي وكأن الله يعوضها بعد توبتها توبة نصوحا عن ما إقترفته بدون عمد وبدون حلا بديل لما قد ألم بها وبأمها وبإسرتها .

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x