: أمل أحمد
بقايا أشياء
سبقت سمسار العقار إلى منزل والدي ، كنت أريد أن ألقي نظرة أخيرة على المنزل قبل تسليم مفتاحه للسمسار، عندما فتحت الباب أصدر صريرا لينذر جدران المنزل أو ليخبرهم بقدومي كل حجرة كانت تناديني ، بل كل جدار وتلك الأبواب المغلقة خيّل إليّ أنها تنفتح مرحبة بي ، ما تخيلت أن يبقى ذلك الدفء كما هو.
كنت أسمع صوتي وصوت أختي ونحن نلعب ، صوت أمي تتحدث مع الجارات ، بل وحتى صوت نشرة الأخبار ورائحة
سجائر أبي … رائحة الطعام الذي تصنعه أمي ….
لم يتغير شيء في البيت عن آخر مرة عندما تركناه ، ألعاب ودُمى أختي الصغيرة على الأريكة ، طفاية السجائر الخاصة بأبي جريدة قديمة ، مجسم لبرج ايفل تلك الهدية التي أحضرتها صديقة أمي … شال أمي الملقى على كرسيها حيث أعتادت الجلوس.
حملت الشال في يدي وقربته من شفتي ألثمه ، وداعب عطر أمي أنفي كما داعبت خيوط شالها بشرة وجهي ، تشبثت تلك الخيوط بشعر ذقني تبادلني حالة الاشتياق.
ما كنت أتخيل أن اشتياقي إلى أمي وأبي سيكون بهذا القدر سيبقى على حاله وكأنهم غادرونا بالأمس ، كلما لمست شيئا من أشيائهم تسري في جسدي رعشة الاشتياق إليهم ، رحلوا عنا إثر ذلك الحادث المروري ، لكن أشياءهم لم ترحل معهم ، ذلك الدفء ذلك الشعور الذي يغمرني كلما فكرت فيهما ، نعم أصرت جدتي أن ننتقل للعيش في منزلها ، أجسادنا فقط هي من أنتقلت لكن أرواحنا بقيت تتجول في هذا البيت ، حتى أحلامي وكوابيسي كانت لا تغادر هذه الجدران .
تذكرت تلك الشجرة التي تطل عليها نافذة غرقة أمي وأعشاش العصافيرالتي تسكنها، صعدت إلى الطابق العلوي
حيث غرفة والديّ، مازال كل باب أفتحه يصدر ذلك الصرير ليخبرني عن ذلك الحنين ، فتحت النافذة حيث شجرة العصافير كما كنا نسميها ، وكأني أقتحمت خصوصيتهم وجلت بعض العصافير وبعضها كان يحط على الأغصان القريبة من النافذة ترقب هذا الزائر الغريب .
كل شيء في حجرة والديّ على حاله الذي تركاه عليه ، لكن طبقة من الغبار كست قطع الأثاث لتخبرني أن هذا المنزل قطعة من الماضي . هبت من النافذة نسمة عليلة حملت معها من الحديقة رائحة زهر الياسمين الذي تحبه أمي .
على طاولة الزينة سبحة أبي بحباتها الفيروزية تحيط بزجاجة عطر أمي في عناق يخبرني عن تلك العلاقة والحياة التي كانت، عاشا معا ورحلا معا. حملت سبحة أبي في كفي وأطبقت أصابعي عليها،أريد ان أعتصر تلك التسبيحات والأذكار التي تلاها أبي وهي بين أصابعه ، لعله تنالني بركات تلك التسبيحات . عطر أمي يفوح شذاه في المكان ، ذلك العطر الفرنسي الذي تحرص أمي أن يكون ضمن أدوات زينتها ، هناك بقايا عطر في الزجاجة لكن لونها مال إلى صفرة قاتمة بفعل العشرون سنة الماضية منذ أن تركتها أمي ، وضعت السبحة والعطر في جيبي .
في داخلي هاتف يستفزني لأتجه إلى غرفتي ، وكلما اقتربت منها كان قلبي يرسل نبضات غير مستقرة ، تيار الهواء الذي حدث بسبب فتحي المفاجيء للباب جعل تلك الأوراق الموجودة على طاولتي تتبعثر، غادرني قلبي ومشاعري لتتعلق بتلك الجدران ، تركض خلف تلك الأوراق تلملمها، تلك الصدفات التي أحضرتها من الشاطيء تجلس مطمئنة بعد أن خلى جوفها من كائنها.
شغلتني تلك الأوراق المبعثرة، رتبتها على مكتبي كما كانت أمي تحثني على ذلك الترتيب، لكن شمسي التي رسمتها عند ذلك الوادي والسحابة التي ألقت ظلها على طرف الوادي …. الأزهار البرية الماعز التي ترعى .
وددت لو أن الزمن توقف عند ذلك اليوم كما توقف كل شيء في هذه الرسمة.
ليت تلك البقايا تنطق فتسمعني صوت أبي وأمي ، نبهني صوت الجوال
_مرحبا كان صوت سمسار العقار
لقد اقتربت من المنزل بعد دقائق ألتقيك هناك
_عذرا يا سيدي أريد تأجيل البيع
_لماذا ؟؟
_هناك بقايا أشياء للعائلة أريد جمعها والاحتفاظ بها .
بقلم أمل عطية
مايو 2022
قصة قصيرة