ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : ثمار يانعة .. مسابقة القصة القصيرة بقلم / محمد كامل محمد حامد . مصر

الاسم: محمد كامل محمد حامد

اسم الشهرة: محمد كامل حامد

الدولة: مصر

رقم الهاتف والواتس:01066901005

لينك صفحة الفيس بوك:

https://www.facebook.com/share/1B4nZFGMJA/

ثمار يانعة

لا أذكر أن شيئا  لفت انتباهي منذ صغري مثل هذه الجميلة التي قدمت إلى منطقتنا؛ لتحتل مكانها أسفل بيتي، ينبئني وجهها الطفولي الذي ظل ساكنًا لفترة من الزمن بجميع ما مر بها، لم تفارق عينيها مسحة الحزن؛ لتكسبها جمالًا فوق جمالها؛ لكنها زادتها أعوامًا إلى عمرها.

تفترش الأرض بجلبابها البسيط ونظراتها التائهة، كغيرها من القادمات من القرى المجاورة؛ بحثًا عن لقمة العيش. تجلس في أحدى الزوايا، تعرض ما أحضرت معها من خضر طازجة، يمتلأ الشارع بالمارين من الرجال والسيدات أثناء عودتهم من أعمالهم، يقطع الأطفال الطريق عابثين بعد يوم دراسي طويل، ولا تكف أمهاتهم عن زجرهم لمنعهم عن اللهو، والانتباه حتى لا يتعرضوا للخطر.

أراقبها من نافذتي المطلة على الشارع، تارة تجد أمامها قفة مملوءة بالباميا أو عروق الملوخية، وأحيانًا تفرد بعض ثمار الكوسا أو الباذنجان الأسود والأبيض، لكنها لا تحسن فن البيع واستمالة زبائنها، صوتها مرتجف وخافت؛ فلا يصل إلى مسامع المارين بجانبها، بينما تتعالى أصوات الباعة الأخرين؛ فتتوجه إليهم الأنظار ويقبل المارة عليهم، وتبقى هي حتى آخر النهار لا تمتد إلى ثمارها الأيدي؛ حتى تجف وتذبل.

بلا انتباه يعبث الأطفال بخضرواتها آثناء لهوهم، فتنكفئ على لملمتها من الطريق، تتغير ملامحها فيصيبها الأسى، تنهاهم أمهاتهم عن الاستمرار في مضايقتها، لكنها لا تظهر حتى غضبها أو تثور في وجوههم.

ألمح أحيانًا أحد الشباب من الباعة يعترض طريقها؛ تنطق شفتاه بكلمات الغزل والإطراء، تبتعد وهى تطرق بصرها إلى الأرض. تلتصق بإحدى العجائز القريبة منها ولا تفارقها، تختبئ بها وتستند إليها، حينما دنوت منها يومًا سمعتها تناديها “خالتي” ، فتنقل إلي السيدة أخبار بيتها وحياتها؛ تتأثر بما تسمعه منها، فتواسيها وتربط جأشها.

كانت السيدة حصنًا أمنًا لها، تعلقت بها، فظلت الفتاة رهن إشارتها، تنفذ جميع ما توصي به؛ تعلمت منها القليل من مهارات البيع والشراء، لكنها رغم ذلك ظلت ساكنة لم تتغير.

تولت المرأة الدفاع عنها، كأم تخشى على صغيرتها؛ تزوم مكشرة عن أنيابها إذا دنا منها أحد الأشقياء  بالسوق، لذا باءت محاولات عدة لإغواء الصبية بالفشل.

لكن من حولها من فتيات ظلوا يحيطون بها، ينقلن خبارتهن وتجاربهن إليها، انشغل عقلها، ورغم مقاومتها لتأثيرهن عليها، لكن صارت أرضها العطشى متلهفة، بدأت تطلق قيودها وتتحرر شيئًا فشيئًا من عزلتها، ضاربة بنصائح خالتها عرض الحائط.

نجحت بعض الكلمات  المعسولة في فك عقدة لسانها، وصمم أذناها، تسللت إلى داخل روحها، فصارت تترك خضرواتها ملقاة على الأرض؛ لتتسكع بحرية كباقي الفتيات من حولها، وعلى وجهها الكثير من المساحيق وألوان الزينة.

لمحتها يوما آثناء عودتي من العمل في إحدى الشوارع الهادئة، وأحد الشباب يحاول جذبها إليه، بدأت الاقتراب منهما، لكنني لم ألحظ أي استغاثة، سرعان ما انفجرت ضحكتها الناعمة في أذني، وهي تتمنع عنه، نظرت إليها، ونظرت إليَّ، تدخل الشاب في عنف قائلًا:

– عايز حاجة يا أستاذ.

كدت أنهره، لكنني لم أستطع النطق بأي كلمة، أسرعت بالابتعاد عنهما، سلكت طريقًا آخر، لكن ظلت نظراتها وضحكاتها تطاردني.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x