ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : ثمنُ النبيذ . مسابقة القصة القصيرة بقلم / د. روزيت كرم مسعودي ..سوريا

قصة قصيرة بعنوان: ثمنُ النبيذ
تأليف: د. روزيت كرم مسعودي
أخرجتُ من جيب سترتي رزمةً من المال، قال لي البائعُ إنَّ ثمن تلك الزجاجة خمسون ألفاً، لم أناقشه كثيراً واشتريتها رغم ثمنها المبالغ فيه، في الحقيقة إنّ أكثرَ ما أحتاجهُ اليوم هو هذه الزجاجة؛ فالبارحة كان يوماً كئيباً؛ وبختني والدتي صباحاً بسبب إهمالي لأختي المصابة بمتلازمة داون، وبسبب تعاملي القاسي معها طيلة الأشهر الماضية، ولا يمكنني القول إن مشاعري تبلّدت وتجمّدت تجاه أختي فجأةً، فالله سبحانه وتعالى يعرفُ ما في قلبي، وكم أتمنى أن يكون لي أختٌ مساندةٌ، متفهمةٌ، وداعمةٌ مثل باقي الناس؛ إلّا أنني أعيشُ صراعاً ذاتياً بيني وبين نفسي، فشيءٌ مني يريد العيش بهناء بعيداً عن المسؤوليات المتراكمة، وشيءٌ مني يتمنى لأختي أن تشفى بأعجوبةٍ إلهيةٍ، وبين هاتين الرغبتين أصبحتْ رغبتي في ترك المنزل واضحةً؛ لكن عليّ الاعتراف أنّ تلك الرغبة أنانيةٌ جداً، ويجب أن أنساها، فأمي على قدر طاقتها وصحتها؛ لم يعد لديها الكثير لتقدّمه لأختي؛ لذا علي الاعتناء بهما أنا، دون التفكير في نفسي، وعليّ وأد تلك الفكرة سريعاً، لكنّي هربتُ من جو المنزل إلى العمل دون أن أعتذرَ عن أخطائي ودون أن أطلبَ رضا والدتي.
أثناء العمل قابلتُ زميلاً لي يعرف قصتي، حضّني على التفكير بإنشاء عائلة، عندما سمعتُ تلك الفكرة استنكرتُها، وقلتُ له كيف لي أن أتزوج وأختي ليس لها في الدنيا غيري بعد والدتي!، فأجابني قائلاً: “إن الزوجة ستساعدك على رعايتها، كما أن النساء يفهمن بعضهن” ولكن، سألتُ نفسي من ستقبل برجلٍ مثلي؟، رجلٍ قارب الأربعين، لا يملك منزلاً، ولا سيارة، ولا يستطيع أن يحقق للمرأة الرفاهيات التي تحلم بها ، وفوق هذا كلّه لدي أختٌ مريضة، كما أنني لم أكن أفكر في الحب أبداً، ولم يكن في قلبي يوماً عاطفةٌ فائضةٌ أوزعها على النساء، لكنه عرضَ علي الزواج من إحدى قريباته التي شارفت على الأربعين أيضاً، وهي ترضى بأي رجلٍ شهمٍ، وكما يقال “يستر عليها”، في الحقيقة لا أدري من أين جاءت تلك الأفكار الرجعية، أجبتهُ: ” لو كانت أختي بهذه السن لكنتُ أبقيتها بين عيني، ولم أكن لأسمح لها بالزواج من شخص يلقي عليها الكثيرَ من الأعباء”، هزّ رأسه متفهماً حالي، شعرتُ لحظتها أنه يسايرني، وأنني بالفعل ميتٌ على قيد الحياة، فخرجتُ من غرفة المكتب مسرعاً، وأخبرتُه بأنني سأفكّر في نصيحته تلك، وعلى الطريق الطويل وأنا عائدٌ وحيداً مثل كل يوم، سألتُ نفسي كثيراً من أين يمكنني تسوّل عاطفة؟، استوقفني منظرُ متجر النبيذ الفاخر، فقررتُ شراء واحدة من زجاجات العاطفة كما أسميها، واخترتُ أفخرَ نوع، لم أكن أعرف أنّ ثمن تلك الزجاجة يبلغ خمسين ألفاً، لكنّي اشتريتها ونفّذتُ قراري.
إن سألتموني أين نفدت عاطفتي، لا أعرف، لكنها نفدت!، في الحقيقة، لقد أنفقتُ كلَّ العاطفة التي اشتريتُها منذ سنتين، من أحد الرجال الحكماء الذي جلس ينصحني مطولاً، ونفدت أيضاً زجاجة العاطفة التي أخذتها من زيارتي لقبر أبي، ناهيكم عن الاكتئابِ الذي زارني مرتين العام الماضي، وأبى أن يرحلَ دون ذيول، كما أنني كنتُ قد أنفقت على الجلسات النفسية ما يمكن أن يكون أكثر بكثير من ثمن زجاجة، ولقد سمعتُ أن رشفةً واحدةً من النبيذ كفيلةٌ بإعطاء الشخص كماً من الطاقة لمواجهة الحياة التعيسة، عندما وصلتُ إلى المنزل كانت أمي ترتبُ طاولة العشاء ولم تنظر إليّ، ولم تحدّثني، بل صاحت لزهرة وأجلستْها وبدأت بإطعامها كالعادة، لم أستطع أن أبذل مجهوداً نفسياً كي أعتذر، فحملتُ نفسي المتعبة ومعدتي التي تقرقر ودخلت إلى غرفتي، وخبأتُ الزجاجةَ في درجٍ جانب السرير بعد أن شربتُ منها بضعَ رشفات، ثم نمتُ نوماً عميقاً، في الصباح استيقظت ولم أجد أمي، ناديتُ عليها أكثر من مرة، :”أمي ، أمي …” لم أسمع صوتها، نظرتُ في المرآة وجدتُ نفسي بشعر أبيض ووجه متجعّد، وعلى السرير وجدتُ زوجتي تنام بعمق، أفقتُها، وسألتها “أين زهرة؟”، صرختْ في وجهي قائلةً ” هل ذهب عقلك يا رجل؟!”،و أخبرتني أن زهرة توفيت منذ سنة بعد وفاة والدتي، آه اقشعرّ بدني وسارعتُ بفتح ذلك الدرج اللعين، رأيتُ كمّاً من زجاجات النبيذ الفارغة، ليتني لم أدفع ثمنها.
روزيت
روزيت كرم مسعودي
الاسم : د. روزيت كرم مسعودي، سورية
مشاركة عن فئة القصة القصيرة قصتي ما يقارب ٦٠٠ كلمة اي لا تتجاوز الأف، الرقم التواصل واتساب
00963934310051
https://www.facebook.com/rose.msoude.1?mibextid=ZbWKwL

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى