ط
مسابقة القصة

قصة : جروح الروح . مسابقة القصة القصيرة بقلم / أحمد منصور الخويلدي . مصر

الاسم / منصور سليمان إبراهيم

الشهرة / أحمد منصور الخويلدي

عضو اتحاد كتاب مصر

رئيس نادي أدب بيت ثقافة القنطرة شرق

قصة قصيرة

جروح الروح

اشتعلتْ الفرحةُ بقلوب كل من حولي. الليلة سأتوّجُ ملكةً بطرحة الزفاف نحو قصر الزوجية. شاب مهذب،وسيم للغاية، طبيب صيدلي، من عائلة ميسورة الحال. لا يكسر ظل الفرحة؛ سوى مشهد ضميري الذي يشرق ويغرب بنفس الساعة آلاف المرات. وسكين أبي التي تفصل لساني عن شريان النطق.. عندما حضر لخطبتي لم يتردد أبي لحظة بالموافقة.. منذ أسبوع تسللت سيارة أبي خارج حدود المحافظات المجاورة؛ حيث طبيبة أمراض نساء، لا أدري كيف استدل على عنوانها. خرجتُ بعد نصف ساعة وترانيم البكارة المصطنعة تعزف على أوتار الحياة.. أقسمت على شريك حياتي أن نجعل ليلتنا قاصرة على الأهل، لكنه كأيّ شاب وحيد تبقى كلمة فرحته الأخيرة لوالديّه..

كانت الليلة تفوق الخيال في كل شىء، حتى عندما بدأت طبول العرسِ تزحلج قدماي داخل مسكن الزوجية. انتفض المشهد الدفين، وآثارَ غبار المشهد الدفين تملأ الذاكرة رغم مرور أربع سنين.. تأرجحت ملامحه أمامي عندما هَمّ بوضع يدهُ على خدي، انفرط عقد لساني بكلمات متقطعة و مبهمة، ودخلتُ في نوبات بكاء. أنظر إليه بشك و توجس، ثم التحفت عيناي بروحه؛ فارتميتُ في أحضانه، وطالبتُه بالأمان.. كانت ابتسامته وحدها كفيلة بتكميم الرعب للحظات. تعاملَ معي بمقتضيات الرجولة، خرج من غرفة نومنا وتركني ما يقارب الساعة، تساورني أحلام يقظتي ؛ فتتعرى الرغبة الحيوانية القذرة أمام عيني ، فأعود لحالة من التشوش و الشرود و الذهول.. استأذن بالدخولِ و جلس لجواري، ما زال فستاني الأبيض يرفض النزوح عن جسدي.. تحدث إليّ حتى اقترب الفجر، كل همسه يذكرني بأسبوعي الأول مع الأخصائية النفسية.. بعدها غادر وهو يطالبني بأن ألحقه كي أتوضأ لنصلي الفجر.. تقاطر الهدوء بنفسي مع زخات صوته العذب مع بعض سحابات آيات القرآن بصلاتنا . سألني بعد التسبيح : أليس بالمنزل ما يؤكل؟ وجلس أمام التلفاز،

وأخذ يبحث في قائمة القنوات الكوميدية. تركته للمطبخ وعدتُ بحوزتي أصناف الطعام والشراب التي أعدتها والدتي.. وغربت ليتلتي الأولى على خيرٍ ؛ كما مضت أيام وأسابيع وروحه المرحة تغازل انفصام جسدي، بعدما شعرتُ أنه إنسان.. بكل صباح تحضر والدتي ، تعنفني كثيرا ، تذكرني بتضحيات والدي من أجلي على حساب الجميع.. كيف أنه تركَ وظيفته ومنصبه لينتقل للعمل بأحد المحافظات النائية، ثم تنساب الرحمة من تحت جناحيها وأنا بحضنها؛ لا تكفُّ عن الدعاء والبكاء. لم يمض سوى خمسة شهور، وبُشّرتُ بجنيني. أصر زوجي بعد الشهر الخامس على معرفةِ نوع الجنين. فرح جدا عندما علم أنها أنثى، أما أنا فاقترن وسواس القلق مصحوباً باكتئاب شديد احتل ملامحي. عندما وضعتها أخبرني الطبيب أنها مصابة بمرض الضمور العصبي للأطراف. من هنا لمع بريق عدم الانجاب ثانية. استخدمت وسيلة دون علمه. طلب مني زيارة الطبيب بعد العام الثالث لطفلتي. إلا أنني طالبته بعدم الاستعجال لحاجة قمرنا لكامل الرعاية.. خطفت الطفلة أضواء الجمال والدلال بعينيها الرمادية الفاتحة اللامعة، وبياض وجهها الذي يشبه سطح اللبن حين صفاءه قلب والدها، وقلوب جميع من أحبها. أبي الذي لم يتبق له سوى عام على المعاش، يرجع من عمله علينا؛ ليقضي ساعة في أحضان البراءة والدلال قبل عودته إلى منزله. ليس أبي فقط، لقد أصبحت محور حياة العائلة. بعامها الأول الدراسي حصلت على المركز الأول دون منازع بكلّ اختباراتها شفهية، فهي محبة جدا للقراءة، لكن المشكلة لديها عدم قدرتها على التحكم بالقلم.. أتذكر حينما خرجنا لشراء مستلزمات شهر رمضان، أصرّت على شراء أربع فوانيس مثل فانوسها من نقود حصالتها. العائلة كلها ستجتمع بناء على رغبتها على مائدة الأفطار باليوم الأول من رمضان، لم يعترض والده أو والدي ، لا أحد يستطيع أن يرفض لها طلباً. حاول معها والدها كثيرًا كي تصوم تدريجياً كما بالعام القادم لكنها أبت. حان موعد آذان المغرب. جلست بيني وبين والدها، عندما انتهينا من تناول إفطارنا همست في أذني أن أحضر الفوانيس. أهدتهم للجدود ، مع باقة أحضان وسط اندهاش وضحكات وإعجاب الجميع.. غادر الأهل بعدها للتراويح ودخلت حجرتها ؛ لتنام.

عاد والدها قبل السحور بساعة من صيدليته ، توجه مباشرة إليها. لم يمض دقائق وإذ بنحيبيه يعلو، ويعلو. لقد فاضت روحها إلى بارئها. دخلتُ بإغماءات متقطعة. ظهر اليوم التالي انتزعوها من أمامي ليواري جسدها التراب. لم تفلح محاولات أبي باقناعي بالجلوس بالمنزل برفقة والدتي؛ لحين عودتهم من المقابر. نزلنا للمقبرة، و إذ بمارد حادثتي ينتفض، رفضتُ نزولها. هجمت كي اقتنصها من يد جدها، عندما حاول زوجي الإمساك بي وجدت فيه نفس الرجل الذي قام بتكبيلي ومعه شريكه بأحدِ المقابر المشابهة، دون مراعاة حرمة مكان أو انسان. تخلّصت من زوجي سريعاً. سقطت طفلتي من يد جدها عارية بعد شد وجذب بيني و بينه؛ ليكتمل مشهدي، وأنا بمثل وضعها ليوم وليله، تنهش العفاريت قبل الكلاب جسدي. زاد جنوني ؛ فلم يسلم وجه زوجي وأبي من مخالب قوتي الغير طبيعية.. ثرثرتُ دون إرادتي بتفاصيل اغتصابي أمام الجميع، وأنا أحاول إنقاذ طفلتي من نفس مصيري، أصبح أبي وزوجي هدفاً لانتقامي. لا أدري كيف تمّت السيطرة عليَّ. بعدها بأعوام قليلة أدركتُ أني بإحدى المصحات النفسية .

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى