ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : جروح تأبى الشفاء . مسابقة القصة القصيرة بقلم / سلمى النور أحمد . السودان

خاص بمسابقة مهرجان همسة الدولي للأدب والفنون الدورة العاشرة 2022
الاسم : سلمى النور أحمد
اسم الشهرة سمراء النيل
الدولة / السودان
رقم الهاتف والواتس
0552472736
رابط الصفحة الشخصية
https://www.facebook.com/salma.alnoury/
رابط الصفحة الأدبية
https://www.facebook.com/%D9%85%D8%AF%D9%88%D9%86%D8%A9-%D8%B3%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%8A%D9%84-503107193544723
المشاركة قصة قصيرة بعنوان ” جروح تأبى الشفاء”

جروح تأبى الشفاء
-إلى أين تأخذنا يا سيدي…؟
– عزيزاتي… أنا الموكل بخدمتكن وإيصالكن لبر الأمان.
– همست إحدى بنات السكر – لأخرى -: هل تثقين به؟
– لا أعرف …! لكن التعليمات كانت واضحة بالصعود لقاربه لإيصالنا لوجهتنا.
– يا ترى… كيف ستكون الغرف ذات اللون المخملي؟!
– إنها (كبدية) يا غبية إجابت أصغرهن! ممازحة..
وأتى صوت أخرى: نعم نعم.. ناعمة ورائعة كما أخبرونا، ضمَّت يديها وأغمضت عينها أردفت: يا إلهي إني متشوقة إليها… لقد عانينا بما يكفي.
وكزتها صديقتها: إن منظره لا يطمئن… أنظري إلى عينيه كيف تلتهمنا… أشعر بالخوف.
– همست أخرى: قد يبيعنا لمن يدفع أكثر…؟
– يقولون إنَّ قائدي المراكب يمخرون عباب نهر الدم ويستطيعون الذهاب إلى أكثر الأماكن المجهولة والمخيفة…
سرت رعشة خوف وصلت لكل بنات السكر الجميلات، فالتحمن ببعضهن وتراجعن لركن القارب الخلفي…
تحرك قائد المركب أنس وأشار بيديه العجيبتين اللتين تنتهيان بما يشبه المفكات: أجلسن في الوسط يا حلوات…
تزاحمن خائفات منه فسقطت أحداهن في النهر، غضب أنس وأحمرَّت عيناه استطالت يده بشكل غريب والتقط بنت السكر قبل غرقها في نهر الدم وبلهجة آمرة مخيفة تبعن التعليمات وجلسن في وسط المركب.
وبعد دقائق أوقف قاربه بجوار عضلة ضخمة مصمتة الأبواب ثم بسرعة استطالت يديه لتحكم ربط بنات السكر بحبل عريض خشن تسبب في جرح أجسادهن الناعمة وسط بكاء وصراخ البنات.
تقدم وهتف: ألا تشم طعم بنات السكر أيها الجائع النهم؟
من ثقب صغير خرج حارس: أنت يا أنس مجدداً…. ما لديك اليوم لتبيعه لنا؟
-هههه… اليوم سأرفع لك بضاعة مميزة.
– بنات السكر مجدداً…
– ألا تحتاجهن… أأغير وجهتي إذن؟
– لا لا أيها النذل إني لا أقاوم جمالهن وطعمهن اللذيذ، يا لرائحتهن الشهية.
دفع له أنس قطعة صفراء فسفورية تلمع استلمها الحارس وضغط على الزر، فُتحت في الجدار المصمت ثلاث بوابات عظيمة كانت مخفية عن الأعين وفُتحت حاملة حزمة بنات السكر وسط صراخهن البائس.
قال الحارس بنشوة: سأشعل المحارق كلها هذا اليوم واستمتع بحرقهن أحياء.
وضحك بصوت مجلجل شاركه أنس مبتعداً بقاربه: لا تنس زيادة السعر؟
رفع الحارس إبهامه للتوكيد واختفى داخل الجدار معه البوابات الثلاثة، وقد تلاشت أصوات المسكينات داخل المحرقة شيئا فشيئا.
عاد أنس يدندن وعلى وجهه ابتسامة مخيفة:
في بيئة كهذه لا أحد ينجو…!
*

يحدث نفسه بحزن كسير: “جزاء المعروف عشرة كفوف” يظل يعيدها مراراً وتكراراً يهمس بها لنفسه وأحياناً يعلو بها صوته محدقاً في ال (لا شيء) …
تذكر حياته المجيدة حين كان المهرب رقم واحد، القرصان أنس أمير قراصنة بنات السكر.
دار حول نفسه في “بيتا” منزله الصغير وكل أفراد قبيلته الذين يعيشون في جزر “لانجرهانس”.
تمطى على عتبة داره ورأى الصغار وهم يلعبون أمام بيوت بيتا.
همهم لنفسه: سأحاول مرة أخيرة قبل مماتي لابد من إصلاح الوضع.
صرخ أحد الصغار: عمو أنس هل ستذهب؟ اليوم محاكمتك… هل ستستسلم؟
قفز في نهر الدم الجاري أمامه واستلقى على صفحة النهر واضعا ذراعيه خلف رأسه.
أرخى عينيه قائلاً: أولئك الفتية لا يعرفون ما ينتظرهم.
نظر إلى الأعلى حيث تراصت أمام عينه مباني متلاصقة متلاحمة.
عاش حياته في خدمة هذا الجسد استحضر صراخ واستغاثة بنات السكر… لم يكن بيده حيله فهو عبد مأمور…
أحياناً أوصل بعضهن إلى الغرف الكبدية لكنها لم تكن نهاية رحلتهن…
كان ممنوعاً من الدخول إلى مبنى الكبد العملاق لكنه سمع بأنه بعد استضافة بنات السكر بأيام تأتي أوامر صارمة بشأن تعذيبهن وتحويلهن لكائنات أخرى أو بيع أجسادهن كأنهن قطع غيار حسب الحوجة المطلوبة.
آآآه منك أيها الإنسان الشره، تصدر أوامرك بلا رحمة أو شفقة…!
وقال لنفسه: إني رحيم بهن فالموت الواحد نعمة لن يدركنها.
وصل لشاطئه ورفع جسده الطويل، انتابه شعور سيء تقدم، وفجأة سمع صوت ضحكاتهن تتردد.
هل يتوهم هذا؟!
لا لا..
رأى بنات السكر بعدد كبير لا يقدر على حصره كيف هذا…؟
هذا مخالف للقوانين، حاول مد يده ليقبض على بعضهن لكن بات عاجزاً بعدما هرم.
ضحكت منه البنات بسخرية أليمة: أأنت المدعو بأنس… صياد بنات السكر مجبرهن على الدخول والاحتشام داخل الخلايا…؟!
ذُهل لضعفه وعجزه، صرخ: يا حمقاوات أنتن لا تعرفن ماذا سيحدث إذا بقيتن خارج الخلايا المطلوبة…؟
ضحكت إحداهن بتشفي وقالت: هل سيتوقف العالم من حولنا…؟
اهتز المكان لضحكاتهن المساندة لها…
دار أنس بضعف وهو يشير بيده: لا لا…. يا غبيات سينهار الجسم كله… أقسم، أنها مسألة وقت حتى يتم ضخ المزيد من بني جنسي (جيش أنسو) لتبدأ معركة كبرى لاقتحامكن قسراً في بيوتكن وغرفكن…؟
اقتربت واحدة منه: أيها العجوز يبدو أنك أطلت الغياب حقاً ولم تعد تدري ماذا حدث بعدك؟
تقدمت أخرى وقالت بصلف: أصبحنا نحن المتحكمات.
سألها أنس بغضب: كيف…؟ ماذا فعلتن؟
رفعت إحداهن يدها وقالت: غيرنا مفاتيح الأقفال وأغلقنا البوابات للأبد…
صعقته الإجابة لطم خده فجرح رأسه.
لم يبال اندفع وسطهن يركض للأمام…
فتحن له الطريق وهو يركض صارخاً: تباً لكن… الجهل لعنة… الجهل لعنة.
ركض بلا توقف وهو ينظر حوله فيرى المزيد من بنات السكر مستلقيات في الممرات أو ضاحكات يتبادلن الحديث مع أغراب.
أنس بما تبقى من طاقته صاح وأشار للضاحكات: لا تجلسن معهم إنهم أعداء الجسد… لا تبيعن أنفسكن.
وصل بنفس لاهث إلى إحدى البوابات المصمتة قديماً وهنا صرخ منادياً على الحارس: أين أنت أيها الشقي…؟ افتح
-أتاه صوت ضعيف من خلف البوابات: إنى أسمعك يا أنسو… أين كنت؟
– افتح لنحرق هؤلاء الفاجرات!
– لا أستطيع فتح أي بوابة لقد بتّ محبوساً داخل مصانع الطاقة ومحرقة بنات السكر… هل تصدق تم تغيير الأقفال؟
ضرب بيده كثيراً فانكسر أحد الأجزاء من يده اليسرى بكى منهاراً، مال بظهره على الجدار وسمع صوت الحارس يصرخ: هي النهاية يا صديقي… هي النهاية.
قال أنس بصوت متهدِّج وهو يرى المكان يعج بالبنات حتى نهر الدم بات يفيض بهن: لكم دفعت نقود الفسفور الثمينة لبوابات “الكاينز” لإدخالكن، وكم اضطررت لاحتمال رائحة الأنفاس الكريهة لحراس البوابات.. كم خدمت هذا الجسد أنا وبني جنسي…!!
اختلطت دموعه بنزيف وجهه.
النهاية الأليمة وشيكة..
كان الحارس يصرخ بصوت عالٍ ويقول: ببقاء السكر في مجرى الدم بدأ الجسم ينهار: القلب يعاني صعوبات جمة، والكلية تتعرض لضربات موجعة، وأوعية الدماء تتصدع، وستأبى الجروح الشفاء… من سيتصدى لأولئك الفاجرات الجاهلات؟
أغمض أنس عينيه ورجع بذكرياته يوم أخبرته أمه: “من يشبهك أيها البطل النبيل أنت وشقيقك التوأم تحفظان توازن هذا الجسد يا أنسو عليك حمايته من فرط السكر أنت وشقيقك “جلوكا” يعاكسك بقصد مساعدتك إن احتجت، أنتما حياة الجسد ستكمل مسيرة آبائك وأجدادك… هذا قدرك وخيارك.
تساءل باستسلام: هل كان لي حقاً خيار وسط غباء اختيار الانسان؟
فجأة اهتز الجسد ككل وسقط.. سُمِعَتْ أصواتٌ من الخارج: ما به؟
-أنه مريض السكري.
– ماذا حدث له؟
– صدمة سكر.
تمت

توضيح:
أنس= هرمون الأنسولين
جلوكا= هرمون الجلوكاجون
بيوت بيتا= خلايا بيتا حيث ينطلق الأنسولين
نهر الدم= مجرى الدم
الكاينز= مستقبلات للأنسولين تسمى تايروسين كاينيز

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى