ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة .جريمة قتل عائلية كاملة . مسابقة القصة القصيرة بقلم / محمد قناوى . مصر

محمد قناوى
٠١٢٧٠٧١٧٣٤٨
https://www.facebook.com/Enawylaywer
جريمة قتل عائلية كاملة
وقف وكيل النائب العام يعاين مسرح الأحداث الخاص بتلك الجريمة البشعة التي أيقظوه في منتصف الليل من أجلها .. هناك على مسافة غير بعيدة وقفت القاتلة في ركن منزوي لا تلوى شيئًا عيناهًا شاخصتًان في اللامجهول وكأنها تستعيد اللحظات السابقة لجريمتها ..
كلاك .. كلاك … كلاك !
قطع الصمت التام لقطاتى السريعة والمتلهفة لكل شيء من الكاميرا الخاصة بي قبل أن يتحرك رجال المعمل الجنائي بإزالة كل هذا الجرم بعد معاينتالمتعجلة .. كل هذه الصور من أجل سبق فريد لمجلة الحوادث التي اقتنصت هذا الخبر وهذا السبق الصحفي المذهل.
مط وكيل النائب العام شفتيه وهو يتحاشى النظر إلى تلك الجثة الممزقة في قسوة والملقاة أرضًا وهو يوجه بصره إلى القاتلة متسائلًا فى توتر واضح :
– ما هي الأدوات والأسلحة التي استخدمتيها في تلك الجريمة ؟
انتبهت تلك المرأة بعد حين لتلتفت إليه في بطء مشيرة إلى المنضدة القريبة التي يعلوها طبقا فاخرًا من الحلوى وعدة أطباق صغيرة من حوله موزعًا عليها قطعًا من ذلك الطبق بالإضافة إلى عدة أكواب زجاجية فاخرة من العصير المرتشف نصفها فقط من النوع التي تخرج من مكمنها الأزلى فقط للمناسبات الهامة ، وحقا ليس هناك مناسبة أهم من تلك المناسبة الرائعة القتل !
أومأ الرجل برأسه متفهما وهو يعاود التساؤل قائلًا:
– هل قتلتيه في مكانه هذا؟ أم في مكان آخر؟
كان سؤاله هذا بسبب بقع الدم المتناثرة في عدة أماكن ومواضع مختلفة ,أشارت في صمت إلى ذلك الصالون الخشبى المذهب القابع في شموخ في منتصف الشقة والمنسق بعناية فائقة كأنه كان معدا لأستقبال مثل هذا الحدث الجلل ..أخذت عينا وكيل النائب العام تدور وهى تفحص الجثة بصعوبة بسبب تشوهها وتمزيقها بهذا العنف القسوة , فتعجب من قدرة تلك المرأة من قيامها بتلك المجزرة وحدها نظرًا لضخامة الرجل المقتول فاندفع متسائلًا:
– هل قمت وحدك بهذا أم كان معكي من يساعدك؟
هزت رأسها نفيًا قبل أن تشير إلى أبيها وأمها المسنين التي اتسعت أعينهم رعبًا من هذا الاتهام المفاجئ .. كانت بجانبهم تجلس الفتاة في مقتبل العمر تبكي في لوعة وانهيار وهي ترتدي فستانًا ملونًا يبدو عليه أنه كان ولأول مرة تقوم بارتدائه قبل أن يلطخ بدماء .. والدها .. المقتول!
تقلصت ملامح وكيل النائب العام بشدة قبل أن يزفر في ضيق من هذا الصمت الذي تتعامل به القاتلة معه وعن غرابة مساعدة هذين الكهلين لها في هذه الجريمة البشعة لينطق بنفاذ صبر وصرامة :
– هل من الممكن أن تشرحي لي سبب قتلك لزوجك في يوم خطبة ابنتك هكذا وبدون مبرر؟
نظرت المرأة له في صمت قبل أن تلقي بنظرها على ابنتها الباكية في إشفاق لتنفرج شفتيها أخيرًا في بطء متحدثة :
– اليوم كان خطبة ابنتي على رجل لا تعرفه ولا يعرفها، أو كما يطلقون عليه جواز الصالونات بدون سابق الإنذار أو معرفة.. أجبرها والدها أو زوجي على الموافقة عليه كما أجبرت أنا منذ عشرين عامًا عليه وعلى زواجى منه مثل هذا الأمر دون حب أو مشاعر فقط مجرد طبق حلوى، وعدة أكواب من العصير ليكونوا بداية سلاحًا فتاكا لجريمة قتل قلب .. نعم أجبرني والداي قديمًا على هذه الفعلة وقتلوا قلبي وروحي داخلي بهذا الزواج .. واليوم رأيت أمام عيني جريمة قتل عائلية كاملة الأركان مرة أخرى .. لن يحاسب مرتكبيها على شىء لشرعيتها ، الأمس أنا واليوم ابنتي .. لا وألف لا .. لقد أخرت جريمة القتل تلك عشرون عامًا كاملة، ولو لم تتم اليوم لكانت سوف تحدث بعد عشرون عامًا أخرى فى مكان أخر ,نعم يا سيدي .. اعترف أنا بكامل إرادتي وقواي العقلية بارتكابي تلك الجريمة بمساعدة والداي هما الشريكان الفعليان اللذين دفعاني إلى تلك الجريمة كي أكون مثل أبناء إخوانهم وأخواتهم وكي لا يفوتني قطار الزواج اللعين .. هؤلاء الاثنين الصامتين أمامك تسببوا في ألف جريمة قتل عائلية أخرى دون أن تشير أصابع الاتهام إليهم ولو للحظة واحدة، وأعلم يا سيدي إنك عندما تقرأ أي خبر في أي جريدة للحوادث أن امرأة ما قد قتلت زوجها فتأكد أن هذه الجريمة تمت منذ عدة سنين وليس يوم فعلتها فقط.
كادت أن تسقط الكاميرا من يدي وأنا استمع الى ما يدور أمامي في ذهول قبل أن يتحرك وكيل النائب العام بالتأكيد لكي يهرب وهو يشير إلى رجال الشرطة باصطحاب المرأة ليرحلوا عن هذا المكان الشنيع.
لملمت أشيائي أنا الآخر من خلفهم لأرحل والذهول مازال يغلفني قبل أن أفيق على رنين هاتفي المتواصل لأجد والدتي وهي تطلبني مرارا وتكرارا .. بالتأكيد استبد بها القلق لتأخري لمثل هذا الوقت لأجيبها مطمئنًا بأننى فى عملى إلا أنها قاطعتني قائلة فى لهفة :
– قلت لك أن غدا يومًا هامًا ولا تتأخر هكذا ..هيا عد سريعا كي تستريح لكي نذهب إلى عروستك التي اخترتها لك بيدى .. أريد أن أفرح بك قبل أن أموت يا ولدي .. إن طارق ابن خالتك عنده الآن ثلاثة أولاد وأنت أكبر منه ومازلت …….
أخذ عقلي يسرح بعيدًا عن صوت أمي الذي اختفى رويدًا رويدًا من أذني وعقلي يرسم أمامي صورة واحدة قد تحدث غدًا أو بعد عشرون عامًا من الغد .. مصرعى على يد فتاة لم أكن أعرفها الا أنها وقتها ستكون صارت زوجتى بسبب قطار الزواج اللعين الذى لا يتوقف أبدا لآى شخص بل يدهسه دهسا تحت عجلاته بسبب قيادة أمى المتهورة له .. حينها حقًا ستكون هذه جريمة قتل عائلية كاملة .. لا غبار غبار عليها !

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى