ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : حبل الغسيل . مسابقة القصة القصيرة .بقلم / محمود أحمد علي . مصر

مهرجان همسة الدولى للآداب والفنون.
مجال المسابقة (القصة القصيرة.)
قصة قصيرة (حبل الغسيل) بقلم : محمود أحمد على- مصر-
تليفون- 01003099638- صفحة فيس – محمود احمد على

عند صعودي إلى شقتنا، تنظر إلىَّ أمي فى غضب وقرف شديد.. شديد جدًا..
ليس فى هذا جديد..
تجرني جرًّا إلى الحمام..
ليس فى هذا جديد..
تغسلني وملابسي المتسخة، من جراء لعبي طول اليوم فى شارع حارتنا..
ليس فى هذا جديد..
تعصرني عصرًا جيدًا..
تضع ثلاثة مشابك فى فمها، وتعلقني على حبل الغسيل الوحيد لشقتنا حتى أجف وملابسي..
ليس فى هذا جديد..
فأنا وإخوتي لا نملك ملابس أخرى غير ما نرتديه..
إخوتي يخشون أن يُفعل بهم ما يُفعل بى، لذلك هم لا يرغبون اللعب فى الشارع مثلى؛ رغم أنني أرى عكس ذلك وهم ينظرون إلىَّ من البلكونه..
ليس فى هذا جديد..
أظل أنقط الماء على المارين أسفل البلكونه، يرفعون رؤوسهم ينظرون إلىَّ ويضحكون علىَّ..
ليس فى هذا جديد..
الهواء الشديد.. يعصف بى..
عجبًا..
ما الذي أغضب صديقي الهواء هكذا، رغم أننا نرقص سويًا كل يوم فى هذا التوقيت، على كلمات الأغاني الشعبية الهابطة؟!!
هذا هو الجديد فى الأمر..
تماسكت بما أوتيت من قوة، ولكن الهواء كان أشد وأشد من تماسكي، وتماسك المشابك التي ارتعبت وارتعشت، وفتحت أفواهها، لتتركني أطير فوق ظهر الهواء الغاضب، الذي رفعني عاليًا لأرى البيوت أسفل منى كما علب الكبريت..
جمال ما أراه أنساني خوفي..
أنساني أن أسأل الهواء إلى أين يحملني..
حتى أسقطني داخل شرفة إحدى البلكونات..
صوت ارتطامي سمعه من فى الشقة..
جاء رجل، ومن خلفه امرأة..
ظلا ينظران إلىَّ وأنا متكور فى نفسي، وقطرات الماء تنزل من منى، ومن ملابسي..
– يا ربى..
سمعتها تخرج من فم المرأة..
رفعت رأسي..
– بسم الله ما شاء الله.. سبحان من خلق وصور..
قالها الرجل الواقف بجوارها..
خطوة..
خطوتان..
ثلاثة..
حتى وجدت المرأة تقف أمامي..
ظلت تحدق فى وجهي بشدة، وكأننا تقابلنا من قبل، أنا عن نفسى لم أرها من قبل، وكيف لى أن أرى هذا الوجه الملائكي، وأنا أسكن داخل حارة كل وجوهها مغضوب عليها، لأن معظم سكان حارتنا مسجل خطر..
– تعالى بس كويس.. محمد ابننا ما متش..
قالتها للرجل وانسابت دموعها سريعًا..
– سبحان الله فولة وانقسمت نصين.. قدرتك يا رب..
قالها الرجل وهو يحدق فى وجهي بشدة..
أصابع المرأة الناعمة المرتعشة ظلت تتحسس وجهي.. ملابسي التى جفت سريعًا..
– اسمك إيه يا حبيبي..
قالتها ودموعها لم تتوقف..
– اسمي محمد..
– كمان اسمه محمد..
– منين يا محمد..
قالها الرجل الذي سقط من عينه دمعتان..
– مش عارف..
قلتها عامدًا حتى لا يعيدوني إلى بيتي مرة ثانية..
وحتى لا أعلق فوق حبل الغسيل..
وحتى…
وحتى…
وحتى…
– إيه رأيك نربيه زى ابننا عقبال ما يفتكر هو منين..؟!
قالتها المرأة لزوجها الذي رد سريعًا دون تردد:
– وماله.. مافيش مشكله..
أدخلوني غرفة مثل التى كنتُ أحلم بها دومًا فى منامي.. ألبسوني ملابس ابنهم..
نمتُ فى فراش مثل الذى حلمتُ به كثيرًا.. سرير خاص بى، من أمامه دولاب، وعلى جانبي السير اثنان من قطع الكومدينو..
حتى الألعاب هي.. هي نفس الألعاب، التى تمنيتُ أن تصبح ملكي.. ملكي وحدي..
ضمتني المرأة إلى صدرها الذى يختلف كليًّا وجزئيًّا عن صدر أمي.. أمي التى لم تفكر فى يوم ما أن تضمني إلى صدرها، إلا عندما تقوم بتنقية رأسي من القمل.
طلبت منى أن أقول لها يا ماما..
قلتها، وكأني أقولها لأول مرة..
زوجها الواقف بجواري راح يمشط شعري الأكرت، الذي وضع فيه فرشاة شعر لأول مرة..
قرأتُ فى عينيه كلمات ورغبة ما خشي أن يقولها بنفسه، فبادرت أنا بقولها:
– شكرًا يا بابا..
ضمني إلى صدره بشدة، وهو يقول:
– يا الله.. طالعة من بقك زى الشهد..
تذكرت أبى الذي كان ينادى علىَّ باسم أحد إخوتي، وعندما ينادى على أحد إخوتي يناديه باسم واحد آخر..
أبى الذي يخطئ دومًا فى أسمائنا.. معه حق فعددنا كبير، فكيف له أن يتذكر كل أحد باسمه..؟!!
كثيرًا ما شبت خلافات كثيرة بين أبى وأمي، هي تطلب منه أن تأخذ وسيلة مؤقتة لمنع الحمل، وهو يرفض طلبها بشدة، بحجة أن هذا حرام شرعًا، بل ويؤكد على ذلك بقوله وهو ينظر إلينا نحنُ أبنائه:
( رزقكم فى السماء وما توعدون )
– لسه ما افتكرتش أنت منين يا محمد..؟!!
يقولها من جعلتُه أبًا ثانيًا لي..
– لأ.. لأ.. لأ..
أقولها ثلاثًا، وإن اضطررتُ أن أقولها ألف مرة لفعلت..
– ليه يا محمد كل ما أدور عليك ألاقيك واقف فى البلكونة، وعمال تبص للمكان اللي لقيناك فيك..؟!
تقولها المرأة التى جعلتُها أمًا ثانية لي..
لا أجيبها..
تضمني إلى صدرها الحنون..
تجلسني بجوارها فى الشرفة، وعيناي على مكان سقوطي، منتظرًا أن يغضب الهواء على إخوتي، كما غضب علىَّ، فيأتي بهم الواحد تلو الآخر إلى هنا.
اكتب إلى محمود احمد على

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى