ح و ر
قصة قصيرة
بقلم :آيات سيدعبد الوهاب
الشهره: آيات الشريف
محافظه :أسيوط
رقم الهاتف :01008023929
للتواصل علي الفيس بوك :
https://www.facebook.com/SAFERTelSA3ADA012500551rQ?mibextid=ibOpuV
كانت تتجوّل في الشوارع، تدق بأرجلها الأرض، تطرق عظام جسدها المتآكل دوامات الهواء بعد انقضاء يوم من العمل المفرط، لا تجد فائدة فتعود إلى منزلها، تفتح الباب ،فتخلع اثواب الحياة ، تقف أمام المرآة، تتأمل جسدها الذي تسللت إليه التجاعيد من فعلات الزمن، تفكر، تتذكر الماضي وتتطرق للمستقبل المتلاشي أمامها، ثم تبدأ في نوبة البكاء اليومية إلى أن تصل إلى أعلى درجات الغضب والتأنيب، فتبدأ بتكسير ما تراه عيناها، وهي تستمع للموسيقى التي تظل ترتفع شيئًا فشيئًا؛ كلما زاد تذكر التفاصيل، إلى أن يعلو صوت نحيبها فتصرخ وتكسو الحمرة أصداغها
تطبع الكثير من القبلات على كأس الخمر وهي تترنّح؛ ينفلت من بين أناملها المرتخية فينكسر؛ تنهض ممسكة بحقيبة يدها فتلتقط قلم أحمر الشفاه؛ وتلقي به بصندوق حفرت عليه حروف منقوشه، متفردة،( ح و ر ) لتغلق الصندوق وتنتهي ليلتها فتستيقظ لتكرر سابقاتها وتنتهي نفس النهاية بينما جارها المتلصص يراقبها، كما تعوّد لسنوات.
هذه الليلة لم تكن عادية، حين طوحته، لم يسقط قلم الحمرة في مكانه بالصندوق ولكنه فرّ هربًا الي الشارع من النافذة، لم يتردد جارها أن ينزل من منزله سريعًا ويلتقطه من بين خصلات الحشيش، لكنه لم يتجرأ أن يتحدّث معها خشيه نوبات صراخها المتكررة، أو أن تسبه أو تشتمه.
انبعثت من القلم رائحة زكية، صعد السلم، طرق الباب، فتحت له، نظرت له بعيون كحيلة دامعة، تفصح عن ليلة غير عادية.
الكثير من الأسئلة تصارعت برأسه، ولكنها لم تعرف طريقها إلى لسانه؛ فلم يستطع تكملة جملة واحدة، وأشار بالقلم لها، أومأت برأسها وجذبته إلى الداخل، همست في أذنه
– ادخل وأغلق الباب خلفك
لم يتردد، انهارت لديه أصواتُ العقل ولكزات الضمير، وبغريزة رجل اشتهى المراقبة اليومية انصاع لكلماتها كالمخمور
ألقت بالقلم في موضعه وارتمت بين أحضانه؛ تتراقص معه على تلك النغمات المعتادة.
باغتتها نوبه بكاء هستيرية، وقالت، في كلمات غير مرتبة، ممزقة، وحيدة، مذنبه: أخطأتْ، ولم تشعر بقلبي الممزق، ابنتييييييي
فأسرع بسؤالها وهو يتمتم: ماذا؟!
نظرت اليه نظرة حادة وكأنها في كامل توازنها و استفاقتها وقالت
-قتلتها؛ بعد أن استهزأت بي وبكرامتي أمام الجميع رفضتني؛ فصنعتُ من لون دمائها الكثير من حمرة الشفاه، أما باقي جسدها فهو مدفون أسفل أقدامنا حيث أتراقص عليه كل ليله، أستأنسُ بها وحدي لكنها لا تستأنس بغيري
اتسعتْ مقلتاه واقشعرّ جسده، انفكت يداه عنها مع آخر حروف اعترافاتها، كانت تتحدّث وصوتها كقيثارة تمزقت أوتارها توًا ، ابتعد خطوات، اقتربت هي وأمسكت بوجهه وقالت:
-لا تخف، لن أكررها…
لم تهدأ دقات قلبه، ظلت عيناه تدوران بالغرفة؛ لتلتقط صورة سكين صدئ ملقى على الأرض بينما هي تكمل سردها
-كانت أجمل البنات وأذكاهم عقلًا و أبهاهم روحاً، اسميتها حور، لأنه حين تعكس حروفها تجدها. روح وهي كانت روحي أنا، اهتمت بحياتي وتفاصيل يومي، إلى أن ظهرن أخريات خبيثات أطلقت عليهن رفيقات وبدأت دقات قلبي الأولى خوفًا عليها انشغلتْ عني ومضى الوقت؛ طردتني من حياتها تمامًا، عندما ظهر بحياتها هذا الخنزير وصار السؤال عن حالي مرة كل شهر إن حدث، ارتفع بيني وبينها سور هي من بَنته وانصاعت لرغباتها، وأنا من كبلت رغباتي، واكتفيت بها؛ بعد موت أبيها. كان لابد من تصحيح مسار الحياة وأعيد الممتلكات لمالكها الاصلي.
قتلتها؛ لأني أحبها لأنها ابنتي أنا، محبوبتي أنا، رفيقه دربي أنا، لم أكن أعلم أن أحشاءها تحوي حفيدي، لم أكن أعلم، لم أكن أدري لكني أحبها، أردتُ فقط أن تكون بالقرب مني؛ فقتلتها…
انهارت بالبكاء وسقطت، بينما هو في صدمته، تحرّك ليلتقطها من الأرض، بعد أن ظلت تضرب بكفوفها البلاط وتهذي
– أنتِ من بدأتِ أنتِ من تركتني
وقعتْ عيناه على برواز مكسور على الأرض، ملتصق خلفه ,ورقة تشبه الروشتة، فتحها وشرع في القراءة
” هذه السيدة تعاني من نفس متأزمة، مريضة، لم تقتل ابنتها كما تقول، قتلها الشوق لابنتها التي هاجرت إلى بلد بعيد وتتواصل معها كل فترة، في حاله النوبة العصبية برجاء إعطائها الدواء المدوّن ، حبة واحدة تكفي لتهدئتها، شكرًا لك..
توقيع،
طبيب العائلة
رقم الهاتف
كاد عقله أن يتوقف، أسرع في إعطائها الدواء، بينما هي غارقة في دموعها، تحتضن ذرات تراب الأرض، التي لامست آخر خطوات ابنتها وتستنشقها، فتشعر بوجودها، اطمئنّ إلى نومها، اختلس النظر إلى تفاصيل جسدها الممدد على السرير، و حمد الله أنه لم يتورّط معها أكثر من ذلك.
في الليلة التالية تناولت قلم الحمرة،رآها تمارس نفس الطقوس، هذه المرة، لحظ ازدياد توترها، وتناهى لمسامعه انكسار الكأس ، انطلق نحو شقتها، وهو يعض شفته ندمًا على تأخره في إعطائها المهدئ، دفع الباب مقتحمًا مسكنها، رآها ممددة على الأرض وقد قطعت وريدها ولم تجد من يعطها هذه المرة .