ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : خيبة أمل ..مسابقة القصة القصيرة بقلم / عبد الخالق عبده سليم الجوفي ..اليمن

الاسم عبد الخالق عبده سليم الجوفي
اليمن
مجال القصة القصيرة
رقم الواتساب 00967779963542
والايميل [email protected]
عنوان القصة خيبة أمل
في قرية جبلية نائية باليمن تعيشُ أميرة، وهي أرملةٌ في منتصفِ العشرينيات فقدت زوجها في الحرب، وبقيت وحدها تعيل طفلين صغيرين لؤي البالغ من العمر خمس سنوات وحياة ذات العامين، ومنذ وفاة زوجها أصبح حملُ الحياةِ ثقيلًا عليها للغاية، خاصةً في ظلِ انعدامِ الأمان واستمرار النزاعاتِ حول قريتها.
تعيش في بيت طيني بسيط.. سقفه متهالك، وجدرانه تحمل آثار الزمنِ والحرب.. تستيقظ كل صباح على قلق يملأ قلبها.. هل ستتمكنُ من تأمين لقمة العيش لأطفالها اليوم؟ فالوضع الاقتصادي في البلاد متدهور، ولا فرصَ عملٍ متاحةٍ خاصةً للنساءِ في المناطق الريفية، ومع انعدام الدعم الأسري لم يعد أمامها من يعينها سوى الله.
تبدأ يومها بمحاولةِ جمع بعض الأعشاب والحطب من الجبال المجاورة لتبيعهُ في السوق الصغير في القرية، لكنها تدركُ جيداً أن هذا لا يكفي لتأمين طعام أطفالها.. تمر الأيامُ ثقيلةً عليها، فتشعر بوهنٍ شديد لكن الأسوأ كان قادمًا!
ففي أحد الأيام مرضَ لؤيُ فجأةً، وبدأت حرارتهُ ترتفعُ بشكلٍ مُخيف.. حاولت أميرة علاجهُ بالأعشابِ البسيطة التي تعرفُها لكن دون جدوى.. كان عليها أخذهُ لأقربَ مَركزٍ صِحيٍ إلا أن المركزَ يبعدُ عدةَ كيلومترات، ولم يكن لديها نقود كافية لدفع أجرة النقل، وبدلاً من ذلك حملت طفلها على ظَهرها وبدأت السيرَ في طريقٍ طويلٍ وشاق.. أمضت فيه ساعاتٍ تحت شمسٍ حارقةٍ بين التلال.
وصلت أخيرًا إلى المركز الصحي.. لكن الطبيب أخبرها أن حالة لؤي تتطلبُ أدويةً لا تتوفرُ لديهم.. شعرت بعجزٍ كاملٍ، وبدأت تُفكرُ كيفَ أن الفقر والحربَ سيَسرِقان منها أطفالها واحداً تلو الآخر، فقررت أن تعود إلى القريةِ لعلها تجدُ من يساعدها.. لكن الخيبة كانت بانتظارها، فالجميع في القريةِ يواجهونَ ظروفًا صعبة، ولم يكن هناك من يستطيع مدَّ يد العون.
أمضت ليلتها وهي تحضن طِفلها، تدعو الله بدموعها أن ينجو.. كانت الليلةُ طويلةً، يكتنفُها الصمتُ المطبقُ إلا من أنين صغيرها.. في الصباح كانت قد غفت قليلاً بعد أن أنهكها التعب، وحين استيقظت.. وجدت أن لؤي قد غفا إلى الأبد.
جثت على ركبتيها وهي تشعر بألمٍ يكادُ يمزقُ قلبها، فقد فقدت ابنها بسببِ فقرها، وقلة حيلتها، وبسببِ حربٍ لم تخترها، لم تستطع حتى توفيرَ علاجٍ بسيطٍ لإنقاذه.
ذلك الواقع الذي تعيشهُ الكثيرات مِنْ مَن أشقاهن القدر بفقدِ مُعيلهنَ وما أكثرهن! والكثيرات من النساء اليمنيات اللواتي يجدن أنفسهن وحدهن عاجزاتٍ أمام مصائبَ الحرب فيحملنَ أعباءً ثقيلة وسط الفقر والحاجة، فيحاولن الصمود رغم الألم المستمر والظروف الصعبة، على أمل أن يتوقف العنف يوماً ويُكتب لهن ولأطفالهن حياة آمنة كريمة.
وبعد وفاة لؤي وجدت أميرة نفسها غارقة في الحزن واليأس.. لكن نظرة واحدة إلى عيني حياة كانت كفيلةً لتُحيي فيها عزيمةً جديدةً من أجلها.. كانت تعرف أن عليها أن تتخطى ألمها لتمنح ابنتها حياة أفضل مهما كانت الصعوبات، وفي تلك اللحظة قررت ألا تظل أسيرة الوضع الحالي.
بدأت أميرة تبحث عن حلول خارج نطاق قريتها، وسمعت عن منظمة إغاثة تعمل في مناطق قريبة تقدم مساعدات للمحتاجين، ورغم صعوبة الوصول إليهم قررت أن تحاول.. جمعت كلما تستطيعُ حملهُ من الطعامِ والماء، وحملت حياة على ظهرها وسارت في طريقٍ طويلٍ محفوفٍ بالمخاطر.. كانت تعلم أن الطريق ليس سهلاً.. لكنه بدا أملًا جديدًا.
عند وصولها إلى المنظمةُ كان قد أنهكها التعب، لكن الأمل الذي غرسته في قلبها كان كافيًا لدفعها إلى الأمام، استقبلها العاملون هناك بحفاوةٍ بالغة، وساعدوها بتقديمِ الطعامِ والرعايةِ الطبيةِ لابنتها، وعندما عرفوا قصتها عُرض عليها فرصة العمل مع النساء الأخريات في مشروعٍ صغيرٍ للحياكة والتطريز، وهي مهارة كانت أميرة قد تعلمتها من والدتها منذ الصغر.
ومع مرور الوقت بدأت أميرة تتأقلم مع العمل الجديد، وتتعلم كيفية إدارة دخلها البسيط، وتحقيق توازن بين العمل وتربية ابنتها، وفي ذات الوقت اكتسبت صداقات جديدة مع النساء اللواتي كُن يُشبهنها.. يحملن آلامًا مماثلة وأحلامًا بالحياة الكريمة.. أصبحت القرية الصغيرة التي انتقلت إليها تشكل مجتمعًا داعمًا، وبدأت تشعرُ ببصيصِ أملٍ في مستقبلٍ أفضل.
بالإضافة إلى عملها بدأت أميرة تُشارك في برامج تعليمية قدمتها المنظمة لتحسين مهاراتها، فأصبحت مع الوقت قادرةً على تعليمِ نساءٍ أخريات حول قريتها على الحياكة، مما ساهم في تحسين أوضاعهن الاقتصادية بشكلٍ معقول.. تدريجيًا نشأ مجتمع صغير يعتمدُ على العملِ المتبادل، يخففُ من وقع الحاجةِ ويمثلُ دعامة اجتماعية لهؤلاء النسوة اللاتي عانين طويلاً من التهميش.
حياة أميرة كانت تتغير ببطء، لكنها عرفت طعم الأمل مجددًا، علمت أن الحرب قد سرقت منها الكثير، لكنها قررت أن تستمر وتبني ما تستطيع لأجل ابنتها ولأجل نفسها.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x