ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : دبوس . مسابقة القصة القصيرة بقلم / أمير شقرون . تونس

أمير شقرون
اسم الشهرة: أمير شقرون
الجمهورية التونسية
الهاتف: 96994356
البريد الإلكتروني: [email protected]
رابط صفحة الفايس بوك: https://www.facebook.com/chakroun.amir.3
مجال المشاركة: القصة القصيرة
العنوان: ديوس

تصدير: سيتخيل الكثيرَ بعد ما حصل له لأنه يؤمن بالعدل الإلهي وبشريعة ديوس…

كنت صديق ايمان… أنا وايمان لم نعد صديقين. رجل آخر طرق الباب ووضع يده على رأسها… فأتى مرتضى! كيف أفسر ذلك؟ أنا ومرتضى في عمر متقارب. أراه وأراني ولدين وأنا الذي كدت أتزوج أمه ولربما كنت خلفته. لا عجب مع الالاه! الديوس إكس ماكنا** تلتقط البطل وتطير به الى السماء حين يبدأ العالم بتقطيع أوصاله حتى الفناء…
************
تلك الفاجرة التي تلهث وراء المال غيرتني كمعطف حين تفتقت السماء عن شمس جديدة. لن أعد السنوات والمال ولن أندم على معاملة فتاة بلطف لكني لن أنسى, حتى بعد تركي, أنني بكيت بصدق حين وهبت ايمان نفسها لشخص خدعها ثم رحل. لقد بكيت حين أحسست أن المدينة التي عبدتها لسنوات أحرقتها يد واحدة… ثم تتالت الأيدي حتى رضي من رضي بالقضاء والقدر والماضي الذي مضى…
يتمت نفسي بعد ذلك ووحدتها وشيدت من طوب وحدتها بناية شاهقة إذا نزلت منها رأيتني أصطف جنبا الى جنب مع فاقدي السند أمثالي… أصحاب متلازمة داون*** كانوا يقتربون مني. أعينهم الصغيرة الممتدة تذكرني بالطريق الذي ضيعت فوقه سنوات من المشي مع شبح فتاة تركتني. كنت أمسك أحدهم, أنخفض له قليلا وأحدق بعينيه أبحث عن الذكريات… لكن أولئك المنغوليين إذا انخفضت لهم يتمكنون منك ويعانقونك ثم ينهالون عليك جميعهم كأنك فزت وجعلتهم يفوزون معك بجولة على ظهر حمار… عرفت بعد ذلك رجلا أربعينيا يقال أنه منذ العاشرة كان دأبه المشي بين عمودي الإنارة كل يوم… لماذا أعرف شخصا كهذا ولماذا أنا هنا؟ هل أنا حقا هنا؟
ابتسمت بتشنج. أطلقت نفسي الى الوراء. سقطت على رأسي ومن كل الألم تفتقت المعجزة. تسربت من رأسي وتركت جسدي. سقطت أبحث عن ديوس. الديوس اكس ماكنا تنتصر لألمي والدستور الالهي لا يمنع مثل هذه التدخلات على أن تكون بشروط… سحبني الوراء ثم قذفني… فتحت عيني في المستقبل. نظرت الى نفسي. الويل لجسد الطفل هذا الذي حشرت فيه. لم طفولة أخرى وقصة حب تنتهي بالخيانة؟
*************
وجدت نفسي بجانب مرتضى. عانقني وخاطبني “أخي الأصغر هيا أنفخ على الشموع…
أنا ابن ايمان إذا! نفخت بذهول على النيران المتراقصة حتى سكنت. قلت ” أخي بالله عليك ذكرني ما نحن بصانعين؟
-إنه عيد ميلادك يا متخلف ألا تلمح الخمس عشرة شمعة على الكعكة…
ثم أردف بحياء دمره الحزن “أيضا كما تعلم, اليوم وهبتك أمنا الحياة قبل أن تفقدها…
انطلق في رأسي صوت خافت “الخائن هو الحطب الذي يهب حياته للنار… أنت هو النار”
إذًا أنا أُهديت عمرها ولكي أموت بسن لا يكسر قواعد الزمان والمكان عدت الى سن الخامسة عشر… كأنني أعيش ثانية, دونها… ديوس كنت أكره قولها لكن أنا الى الآن أحبها رغم كل شيء. كنت سأرضى بأن أكون ابنها مثلا إن أساء لي زوجها قتلته وإن أحسن لي كرهته فقط…
لكن كل شيء بلا معنى الآن كأنني ولدت لأدفن من جديد وحسب… لبست نظارات وقررت استعادة قليل من مظهري الذي ولى قبل المعجزة… لبست نظارات لكن الحياة كانت أفضل دون تفاصيل وعقل ناضج. أطلقت قدمي وانغمست بين الخلق أنشد الضياع. من بعيد بدا أن رجلا هو وحده من كان يتعقبني وكأنه يعرف من أين أتيت وما آل إليه حالي. اقتربت. زحفت إليه تدفعني رياح احتشدت ورائي كأنها جندي. وجدت نفسي أمام الأنا الذي كنته لكنه كان أكثر شيبا وعجزا من ذي قبل…
عبرنا لبعضنا بنظرات. هو سطل مياه وأنا الجحيم نفسه. إنه الفاشل الذي أفسد كل شيء يقف على ناصية الخراب يستعذب الوحدة حتى لقيني… قلت باستغراب:
-ألم تختف بعد أن عدتُ صغيرا؟
-أبدا! لي دربي أكملته بعد أن نهضت وسقطت أنت تبحث عن ديوس الذي كان ينتظرك… لكن لم يسر كل شيء على ما يرام أليس كذلك؟ أتعلم أساسا من أنت؟ أنت الميت!
لمست رأسي وكتفي, هذا الأنا على ما يبدو لا يتقن الكذب…
-أنت لا تصدقني صحيح؟ التسلسل الوجودي لا يحتمل وجود انسان بجسدين في زمن واحد… دماغ كلينا سينفجر قريبا, ألا تثير اهتمامك قطرات الدم التي تسيل من أنفك؟
لمست أنفي… محال!
-فلتبتسم الأمر نفسه يحدث معي! لكن عليك أن تختار أحدنا بسرعة وان كنت محتارا فسأسهل الأمر عليك وليقتلك حزنك!
صفع أنا الكهل نفسه فاحمر وجهه وبدأ بالصراخ. أحاط بنا الخلق…
كنت أتساءل برعب “في أي فلم رأيت هذه اللقطة؟
“طفل شوارع, سارق, أراد خطيبتي وقرر اختطافها والآن بعد أن فشل يريد قتلي… أنا عجوز مسالم…
قلت في نفسي “من سيصدق هذا الهراء؟”… لاحقتني الأعين وطوقتني بخيوط أحس بها ولا أراها: اليدان, الرجلان, الرقبة… حلقة دائرية كنت مركزها وصرخ العالم أجمع: الى ابليس نسوق هذا القربان الذي أخطأ كثيرا…”
حبا الدم على ركبتي قانيا, غليظا في تدافعه لكنه دافئ… لو أنه نجح فقط في الاحتفاظ بحبه الأول لما كنت أنا… لربما لم أكن أبدا. أنا الدخيل, أعترف بذلك يا ديوس! أنا النسخة الثانية. أنا الميت الذي كان من المفترض ألا يوجد حين انفتقتُ بعد المعجزة لنقتسم المستقبل… أنا وأنا الذي خانته امرأة غيرت المستقبل…
عدت أدراجي من حيث بدأت. البداية بعيدة جدا حين تعود إليها حافيا. مررت بكل الفصول ولم أجد بشرا. كل الأيام تدفقت الى جسدي ولم تخرج. لهب العالم هو الطريق الذي سرت عليه ولم أدرك ذلك إلا عندما احترقت قدماي. من الرائع أن أتبخر. جميعكم كان يقارع شخصا ميتا رحبت به الحياة بمنجل…
وقفت على حافة بنايتي الشاهقة. سقيت الشيطان من دمي حين فتحت الذكريات جراحي. أطلقت يدي وليُقطع جناحاي. القفز من الأعلى هواية كل شخص مات منذ دقائق…
ألقيت نفسي فأمسكتني الأيدي… صرخت:
-ديوس! أتركني… قال عمال المارستان:
-أمسكوه بالحبال وأعيدوه الى سريره… سيظن أنه ميت**** مهما حاولتم معه و… أبعدوه عن المنغوليين كي لا يتأثروا به…

*ديوس: لفظ لاتيني يعني الالاه.
**ديوس اكس ماكنا: هي كل تدخل إلاهي من شأنه إنقاذ شخص من مأساته في اللحظة التي ييأس فيها من النجاة…
***متلازمة داون: اضطراب وراثي يتسبب في إعاقة ذهنية وتأخر في النمو مدى الحياة كما يسمى أصحابها بالمنغوليين أيضا, لكن هذا المصطلح الأخير له دلالة سلبية في المجتمعات الحديثة لذلك قل اعتماده حفاضا على مشاعر أصحاب المتلازمة واحتراما لأهاليهم…
****متلازمة الجثمان السائر: يعتقد أصحاب هذه المتلازمة بأنهم يحتضرون أو يموتون أو أن لا وجود لهم ومن أبرز أعراضها: الإصابة بحالة من الاكتئاب الحاد والوساوس وشعور صاحب المتلازمة بعد ذلك في مرحلة ما بأنه قد مات وأن لا وجود له من الأساس…

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى