ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : رتيبة . مسابقة القصة القصيرة بقلم / شيماء رسلان . مصر

الإسم:شيماء رسلان
الدولة:مصر
رقم التليفون والواتس اب:01003537837
رابط حساب الفيس بوك:
https://www.facebook.com/shaimaa.eldiassty
النوع الأدبى:قصة قصيرة
عنوان القصة: رتيبة
فى بيت ميسور الحال،فى منطقة ريفية تقع فى الشمال،حيث يتميز سكانها بالروح الهادئة والمعيشة البسيطة وتداخل الأسر والمشاركة فى كل شئ.
قررت ان أستجيب لمجاملة قريب لى،وأن أحصل على إجازة وأتجه إلى بيت جدتى لأقضى يومين يختلفان عن أيامى المعهودة.

استيقظت صباحاً وقد نعمت بنوم هادئ ومستقر أكثر مما كنت آمل،على صوت خطوات جدتى الأثير الذى أستطيع أن أميزه بوضوح،وله وقع محبب إلى قلبى منذ الصغر.
خطوات قد تجاوزت الثمانين عاماً،كم إمتدت تلك الخطوات ولطالما سارعت فى طرق لتصنع الحب والسعادة والخير لكل من حولها.
أصبحت الآن أهدأ وأبطأ مما كانت عليه كثيراً،وبين الخطوة والأخرى أستطيع تمييز صوت عكاز مثبت به قاعدة بلاستيكية؛كى يتناسب صوته مع صوت تلك الخطوات الوديعة.
أطأ بأقدامى الأرض من على أعلى سرير قد نمت عليه فى حياتى.
ولكنه ربما قد قصر إرتفاعه قليلاً،كان إرتفاع ذاك السرير من المعالم الأثرية فى بيت جدتى التى لابد أن نزورها بمجرد دخولنا الغرفة.
إعتدت أن كل ما أفكر فيه فى هذه اللحظة هو فنجان القهوة الذى أعتبره معدلا للمزاج الصباحى الضال.
وعندما وصلت إلى باب الغرفة سرعان ما إنتبهت إلى صوت صاخب آخر، يعكر صفو هذا المشهد.
خطوات أسرع وأكثر صخباً،يميزها أكثرزوج من الشباشب الحادة التى قد تثير جنونى فى وقت سابق، وصوتا رفيعاً، قد يتجاوز وقعه وقع صوت الشبشب يصرخ:
“لا يا حاجة!هدخل الحمام دلوقتى،وماحدش هيشغله”
“بقالى كتير وأنا مستنية،وبقول زى بعضه،مش هشتغل كده!”
ولاحظت أنها تقسم بكتاب الله فى أى جملة تقولها حتى وإن كان القسم غير مفيد بها.
أنظر إلى جدتى وإلى تلك المرأة فى دهشة وترقب ولسان حالى يقول: ” من هذه؟”
فكرت أن أفعل أى شئ عدا أن أقترب من باب الحمام، داعية الطبيعة بشدة ألا تنادى على الآن.
وتستمر تلك المرأة المزعجة فى المشى الصاخب بين الحمام الذى هددت الجميع بعدم الإقتراب منه وبين أرجاء البيت الواسع وهى لا تكترث بوجود شخص غريب مثلى،ولا بوجود أى شئ آخر..
تشوح بيديها ما تريد،وتدبدب بشبشبها أينما حلت فى مشهد مزعج.
وجدتى شديدة الهدوء والسكينة مما جعلنى أغبطها ولا أعلم كيف تحتفظ بهيئتها تلك فى ظل وجود هذه المرأة التى تنشر طاقتها السلبية الصاخبة فى كافة أرجاء البيت.
ترد جدتى على كل قسم فى كل جملة تحذيربة تقولها تلك المرأة بجملة واحدة :
“طولى بالك يا(رتيبة)”
وتعقبها بكلمة “معلش”
دون الحاجة إليها،تماماً كالقسم الغير مبرر فى جمل(رتيبة)..
إتجهت إلى أبعد مكان عن قدم(رتيبة)وما تسببه من شحنات غير مرئية تصيبنى.
تذكرت معيشتى فى بيتى بالمدينة القاهرية الذى قد يصغر عن بيت جدتى كثيراً، لكنه أحدث كثيراً أيضاً.
وله أرضية مختلفة عن البلاط الذى يكسو بيت جدتى ويصدر صوتاً ً عند نزول العكاز عليه.
وأتذكر(سامية) ن تساعدنى فى أعمال بيتى منذ سنوات.
أحمد الله عليها،ثم أتذكر كيف تدخل(سامية)البيت مستعدة ليوم حافل بالأشغال الشاقة.
تصل مبكراً جداً قبل إستيقاظ أفراد البيت فأظل أنبه عليها ألا تتحرك بصخب وألا تحرك الأثاث قبل الساعة الثامنة وأن تغلق تليفونها كى لا يسبب الإزعاج للنائمين فى غرفهم.
وتستجيب (سامية) بالإشارة،كأنها قلقت حتى أن تصدرصوتا تجيب به على أوامرى.
وأشرد ما إستطعت من إزعاج(رتيبة)لأتذكر تلك المفارقات،تنتابنى رغبة فى الإعتذار ل( سامية) بنفس القدر الذى أرغب فيه بطرد(رتيبة).
إلى أن قررت أن أذهب بعيداً،فهى تعكر علىّ حتى التركيز من دون قهوتى الصباحية.
إتجهت إلى باب البيت لأستأذن جدتى فى الخروج،قبل أن أرتدى ملابسى.
كانت تجلس قربه؛تحتضن كفوفها بعضها بعضا،فتخيلت أن جلوسها فى هذه البقعة الصغيرة البعيدة لابد وأن يكون بأمر من أوامر الست(رتيبة).
إنتهزت فرصة بعدنا عن منطقة عمل(رتيبة)ورحت أسألها:
” من هذه يا جدتى ؟ وما هذا الأسلوب التى تتعامل به مع الجميع ؟ وكيف تسكتين هكذا؟”
وترد جدتى بنفس الهدوء المعهود والأبتسامة تعلو وجهها؛لا أدرى ربما تكون ملامحها قد إرتسمت عليها تلك الإبتسامة من كثرة التمرين عليها طوال هذه السنوات، فأصبحت جزء من عينيها بشكل لا إرادى.

” ديه (رتيبة) جارتنا”
فى إندهاش أرد:
” جارتكم!!وماذا تفعل بهذا الشكل هنا!!”
“أساعدها وتساعدنى”
وقربت جدتى فمها من أذنى وهى تقول فى همس:
“هى عندها شوية مشاكل فى حياتها من زمان،وده اللى مخليها متوترة كده على طول”
“وكيف تطمئنين لدخول أحد بهذه المشاكل والمواصفات إلى بيتك؟”
وقاطعتنى بإبتسامة أعرض وأغرب:
“لا يا حبيبتى،(رتيبة) قوية ومنظمة،مش بتأذى حد،أنا عارفاها وعارفة أهلها كلهم.
وعارفة إزااى بقت كده”
وتنظر إلى بحنان وتكمل:
” مين فينا الدنيا مش ضاغطة عليه!
الفرق بس أن فيه ناس الدنيا بتضغط عليهم وبيلاقوا حد يمسح مكانها.
أو فيه ناس بتعرف تحط حاجات تشتريها تدارى بيها اللى بتعمله الدنيا عشان مايبانش عليهم.
وفيه ناس زى(رتيبة)الدنيا عصرتها عصر،لما سابت علامات فيها وفى كلامها وفى تصرفاتها وفى صوتها حتى.
أنا شايفة إيدين الدنيا معلمة فين على(رتيبة)،وشغلها ده الحاجة الوحيدة اللى بتعرف تعملها عشان تستخبى منها.
مع الوقت زيى هتعرفى تشوفى الدنيا معلمة فين على أى حد قدامك”
وتابعت جدتى الحبيبة بعد لحظة صمت:
” أنا كده بساعدها،زى ما هى بتساعدنى تمام،والدنيا ماشية،إنتى بس جديدة..
زى بعضه”
وتضحك جدتى ضحكة خفيفة ولم تكن ملامحها تنقصها الضحكة لكى تزداد إشراقا..
وسكتت وقد صار صوت الضجيج أقل،وصار المكان أهدئ لا أعلم كيف!
ونظرت إلى(رتيبة) وإلى جدتى وأنا أتسائل:
كيف لجدتى أن تنشر تلك الطاقة الإيجابية بشكل مدهش!
وكيف لها أن تشرح معان معقدة فى التكافل الإجتماعى والتضامن النفسى بمنتهى البساطة والعملية!
وهل تحصل(سامية)من عملها فى بيتى القاهرى الحديث على ماتحصل عليه(رتيبة) فى بيت جدتى الريفى البسيط؟”
وتقترب (رتيبة) منا معلنة أنه الآن قد يمكننا دخول الحمام لفترة محددة “زى بعضه”
وتقاطع أفكارى وتجعلنى أقرر أن أمكث لبقية يومى معها.
لعل وعسى أن أكتسب((طول البال)) كما تنصح جدتى…
تمت

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى