ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة: رسالةٌ من والدِي: . مسابقة القصة القصيرة بقلم / هزار فاضل الحصيني . سوريا

الإسم: هزار فاضل الحصيني
الشهرة:هزار
الجنسية: سورية
رقم الموبايل والواتس:
01016574363
صفحة الفيس تحمل اسمي
الرابط: https://www.facebook.com/hazar.fadelalhusaini?mibextid=ZbWKwL
مجال المشاركة: القصة القصيرة
عنوان العمل: رسالة من والدي
(رغيف الخبز)
……
رسالةٌ من والدِي:
رغيفُ الخبزِ

صباحَ يومِ الأحدِ في الحاديْ عشرَ من تشرينَ الثّاني..عامَ ألفٍ وتسعمائةٍ وواحدٍ وتسعين.. والداي سافرا إلى مدينةِ حمصَ ، وأنا كنتُ فرحةً في طريقي إلى المدرسةِ ، حييتُ الشُمسَ الّتي استيقظتْ ، و داعبت أهدابُها وجهي والوجوهَ
الّتي خرجت تسعى في مناكبِها.
كنتُ متفائلةً جدّاً.. مرحةً.. أحلامي ورديّةٌ ، أحومُ كالفراشةِ بكلِّ حبٍّ وتفاؤلٍ حولَ بساتينِ الأملِ و رياض الحياةِ .
وصلتُ إلى المدرسةِ ، وبدأتِ الحصصُ الدّراسيّةِ العلميّةُ ثمّ الأدبيّةُ فالفنّيّة، و تخلّلتها الاستراحةُ الّتي ألهو بها مع صديقاتي ونتجاذبُ أطرافَ الأحاديثِ حولَ أحلامِنا وطموحاتِنا…كنّا في ريعانِ صبانا نتمسّكُ بحبالِ الأمنياتِ الجميلةِ والسّعادةُ تغمرُ أفئدتِنا… وقبلَ نهايةِ الدّوامِ المدرسيِّ ، وفجأةً دونَ سابقِ إنذارٍ.. شيءٌ ما اعتراني..
شعورٌ لا استطيعُ وصفَه.. لم أحسَّ بهِ من قبلُ ، ثمّ حانَ وقتُ الانصرافِ و حلَّ صداعٌ شديدٌ في رأسي، فعدتُ إلى البيتِ على غيرِ عادتي بخطواتٍ ثقيلةٍ حتّى إنّني لم أنظرْ إلى لوحةِ أحلامي المرسومةِ في السّماء؛ فهناكَ شيءٌ مبهمٌ قبضَ قلبي ، وجعلني تائهةً في دوّامة بحرِ نفسي أغرقُ ، فحاولتُ النّجاةَ؛ إذ أصبحتُ أتمتمُ مع نفسي لأقوّيها:ها.. هاهي خطواتٌ قليلةٌ تبعدُني عن إطلالةِ منزلِنا الّتي تعرّشُ عليها أغصانُ نبتةِ اللّبلابِ وهي صامدةٌ تحاولُ الحفاظَ على ما تبقّى من وريقاتِها الذّابلةِ الحمراءِ والذّهبيّةِ.. سيزولُ الألمُ ، سأتناولُ طعامَ الغداءِ عندَ عودةِ والديّ وأخوتي وأخواتي ، ثمّ أهمُّ بكتابةِ واجباتي ، أجل أجل سأصلُ وأرتاحُ.
-مرحباً أختي.. ( لم تردَّ )
-ماذا هنالكَ ، ولِمَ أنتِ عابسةٌ ووجهُكِ شاحبٌ؟!
وتقبلُ أختي سهيرُ، والخوفُ يعتريها
-ما الخطبُ ، و لماذا هذا التّوتّر؟!
-لِمَ تنظرانِ إلى الشّارعِ..يا الله ماذا دهاكُما ؟!
فتجيبُ أختي سمرُ : والدتُك اتّصلت بنا وأخبرتنا أن نرتّب أثاثَ المنزلِ وننظّفَه…وهي ووالدُك في الطّريق قادمان.
-وماذا يعني هذا؟
-لا نعلمُ..كانَ صوتُ والدتِك فيه رجفةٌ!
تساءلَتْ أختي سهيرُ: هل حصل مكروهٌ لوالدِنا؟
أختاي كانتا تائهتين ، وأنا اشتدّ الألمُ في رأسي لحزّ السّؤالِ ماذا جرى؟!
ماهي إلّا دقائقُ حتّى حضرَ أقاربُنا لمنزلِنا ، وعاد أخواي من المدرسةِ ونحن لانعلمُ ماذا حدثَ.. والتّساؤلاتُ تكادُ تقتلنا ، فوالدتي اتّصلت بهم ، وطلبت منهم أن يأتوا لمنزلِنا دونَ ذكرِ شيءٍ ،وبعد نصفِ ساعةٍ وصلَت والدتي مع سيارةِ الإسعافِ ، وتقع أرضاً مغشيّاً عليها
-ما خطبُكِ.. أمّي.. أمّي ..أمّي
تهافت الجميعُ علينا ، وأصواتُ الصّراخِ تملأُ المكانَ ، ومن هولِ الصّدمةِ فقدتُ السّيطرةَ على نفسي ، ولم أتمالكْ أعصابي ، وشُلّت حركتي ، فقد أصبحتُ جسداً بدونِ روحٍ ، كأوراقِ الأشجارِ في فصلِ الخريفِ ، تملّكَ اليأسُ منّي ، وغابت البسمةُ الّتي كانت ترتسمُ على ثغري كما تغيب شمسُ الشتاء ، فقد أصبحتُ باردةَ المشاعرِ غيرَ مباليةٍ بصقيعِ الخيبةِ، ونفسي باتت في كهفٍ مظلمٍ عرّشت عليها طحالبُ الكآبةِ وخنقَت شغفَها ، و أطفأت وهجَ الحياةِ في مقلتيها..
تهتُ في سراديبِ الفقدِ و ألمُ الفراقِ يتسلّلُ عبرَ جدرانِه ، لأجدَ نفسي غارقةً في خِضَمٍّ من الأفكارِ السّوداويّةِ.. تلطمُني أمواجُه الّتي حاولتُ النجاةَ منها ، و إذا بصوتِ والدي يناديني: هزارُ..هزارُ
التفتُّ يميناً وشمالاً.. لم أرَه ، وشرعَ قبسٌ من نورٍ يظهر أمامَ ناظريّ حتّى جلَتْ صورتُه؛ لكنّها بدأت تتلاشى ، فناديت بصوتٍ عالٍ بابا..بابا.. أرجوك لا تتركْني ..لا تذهبْ يا قمري ، فالتفتَ إليّ وقال : بنيّتي لقد أيقظتُكِ صباحاً لتحتسي كأساً من الشّايِ قبلَ ذهابي مع أمّكِ إلى حمصَ ، هل شربتِه؟
كنتُ ياصغيرتي فرحاً لاستلامِ راتبِ التّقاعدِ ، ولأنّي سأذهبُ إلى الحجّ هذه السّنةِ؛ ولكن.. قدّر اللهُ ، وماشاءَ فعلَ.
أراكِ بائسةً واجمةً.. فأين ابتسامتُكِ الجميلةُ؟
اعلمي يا بنيتي أنّ الحياةَ فيها لحظاتٌ من الفرحِ يقابلُها الحزنُ ،لكنّما الحياةُ تستمرُّ ولا تتوقّفُ لموتِ أحدٍ او فقدانهِ
أي بنيّتي ..أتذكرين عندَما كنتِ تجلسين بجانبي كلّ يومِ جمعةٍ لنعجنَ العجينَ معاً ، ونصنعَ الخبزَ؟
كانَ لابدّ من ضربِ العجينِ كثيراً ، وكانت يداكِ الصّغيرتان تلكمان وجهَ العجينِ ، وليسَ ذاك فحسب بل كنتِ تسعين جاهدةً أن تكونَ كلّ لكمةٍ أقوى من سابقتِها ، ثمّ نعرّضُه للاختمارِ ، وعقباه نشكّلُ العجينَ أقراصاً ، ونضعُها في الفرنِ لتفوحَ بعدئذٍ رائحةُ الخبزِ الزّكيّةُ ونستمتعَ بطعمِه اللذيذِ.
يابنتي.. ذلك العجينُ الّذي قاسَى ضروبَ الضّغطِ من كلّ الجهاتِ ، وتحمّلَ ما تحمّلَ ولاسيما الشّواءُ بحرارةٍ مرتفعةٍ وذاك لمرونتِهِ وحبِّه البذلِ..قد صارَ خبزاً شهيَّ الرّائحةِ طيّبَ الطّعمِ ، الجميعُ يحبّذه ..فتعلّمي يابنتي من رغيفِ الخبزِ الّذي كنتُ أصنعُه لك الصّبرَ والصّلابةَ والمرونةَ والطّيبَ والعطاءَ ، وليسَ ذلك فحسب بل اجعلي من المحنِ طريقاً للوصولِ إلى الرّائحةِ الطّيبةِ والسّمعةِ الحسنةِ ، فرحلةُ رغيفِ الخبزِ شاقَّةٌ ، تحتاجُ إلى التأنّي والحلمِ وهذا سرُّ رائحتِه الشّهيّةِ و مباركتِه.
أيقظتني رائحةُ خبزِ أبي ، فاغرورقت عيناي بالدّموعِ؛ لتنهمرَ كمياهِ نهرٍ جارٍ يسعى ليسقيَ مافاته..
أجل.. فقدتُ أبي؛ لكنّي لم أفقدْ رائحةَ خبزِ أبي.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى