ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة :رسالة زمن آخر . مسابقة القصة القصيرة بقلم / محمد حلمى عطيه ..مصر

محمد حلمى عطيه
مصر
01001377404
رسالة زمن آخر
اسمى رامي سمير
بحثت طويلًا عن شقة أعيش فيها بعيدًا عن صخب الجامعة، حتى وجدت واحدة مناسبة بسعر زهيد في مدينة بدر. المكان بدا مثاليًا: هادئ، منعزل، ولا أحد يزعجك. شعرت بأن الحظ أخيرًا ابتسم لي.
في أول ليلة لي بالشقة، بعد ترتيب الأثاث واستنشاق رائحة الجدران القديمة، خلدت إلى النوم. لكن هدوء الليل لم يدم طويلًا. عند منتصف الليل، استيقظت على صوت اهتزاز هاتفي. رسالة غريبة ظهرت على الشاشة:
“أرجوك، لا تتجاهلني… ساعدني.”
تجمدت في مكاني. الرقم غير مسجل، والرسالة بلا تفاصيل واضحة. تجاهلتها وألقيت الهاتف جانبًا. لكن شيئًا غريبًا حدث بعدها: أضواء الغرفة بدأت تومض بشكل متقطع، وأصوات أنين خافتة بدت وكأنها تنبعث من الجدران.
حاولت طمأنة نفسي بأن كل هذا مجرد وهم بسبب الإرهاق. لكن الأمور تصاعدت بسرعة. بعد دقائق، جاءت رسالة جديدة:
“أنا هنا في الشقة. لن أؤذيك. أحتاج مساعدتك فقط.”
بين الخوف والفضول، قررت الرد:
“من أنت؟ وما الذي تريدينه؟”
قبل أن تصلني إجابة، رأيت ظلًا يتحرك في زاوية الغرفة. تحول الظل ببطء إلى شكل فتاة شاحبة، ترتدي ثوبًا أبيض ملطخًا ببقع دماء. كانت عيناها مزيجًا من الحزن والخوف.
قالت بصوت خافت:
“أنا ليلى. كنت أعيش هنا… لكنهم قتلوني. جسدي لا يزال هنا، في مكان مدفون تحت هذه الشقة.”
لم أصدق عينيّ. حاولت الحديث، لكن الكلمات لم تخرج. أكملت هي حديثها:
“لا تخف، رامي. أحتاج مساعدتك فقط. ساعدني على كشف حقيقتي… وعلى كشف قاتلي.”
بقيت ليلى تظهر لي كل ليلة، تقودني شيئًا فشيئًا نحو كشف لغزها. أخبرتني أنها كانت تعيش في الشقة مع عائلتها قبل سنوات. لكنها اكتشفت سرًا خطيرًا عن أحد الأشخاص الذين وثقت بهم، وهو صاحب الشقة السابق.
“عندما عرف أنني اكتشفت حقيقته، قتلني ودفن جسدي هنا… في أرضية هذه الشقة.”
شعرت بالرعب من فكرة أنني كنت أعيش فوق جثة مدفونة. قررت مواجهة مخاوفي وبدأت في الحفر في زاوية الغرفة بناءً على إرشادات ليلى.
بعد ساعات من العمل الشاق، وجدت صندوقًا معدنيًا قديمًا. عندما فتحته، كانت بداخله بقايا عظام ليلى، إلى جانب دفتر يوميات صغير. في الدفتر، كانت تسجل تفاصيل حياتها والأحداث التي قادتها إلى نهايتها.
لكن المفاجأة الحقيقية كانت في هوية قاتلها. لم يكن مجرد مستأجر عادي… بل كان والد المالك الحالي للشقة، الذي ورثها عن أبيه دون أن يعرف الحقيقة الكاملة.
واجهت المالك الحالي بالشواهد التي وجدتها. في البداية، أنكر بشدة، لكنه انهار عندما قرأت له مقتطفات من يوميات ليلى. اعترف أن والده كان شخصًا قاسيًا ومجرمًا، لكنه لم يكن يعلم أنه قتل فتاة ودفنها هنا.
اتصلت بالشرطة، وتم استخراج جثة ليلى بشكل رسمي. القضية فتحت من جديد، وبدأت العدالة تأخذ مجراها.
في الليلة التي تلت دفن ليلى بطريقة تليق بكرامتها، ظهرت لي للمرة الأخيرة.
“شكرًا لك، رامي. بفضلك، يمكنني الآن أن أرحل بسلام.”
ابتسمت لي بابتسامة هادئة، ثم اختفت تدريجيًا. شعرت في تلك اللحظة بأن الشقة أصبحت أكثر هدوءًا، وكأنها تحررت من لعنتها القديمة.
منذ ذلك الحين، أدركت أن الحقيقة دائمًا تجد طريقها إلى النور، مهما حاول البعض دفنها. أما أنا، فقد غادرت تلك الشقة، لكن ذكريات ليلى ستبقى معي إلى الأبد، كذكرى لفتاة من العالم الآخر، لم تطلب سوى العدالة.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x