ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : روح وعَرِيش .. مسابقة القصة القصيرة بقلم / تامر عبد الحليم محروس العشماوي .. مصر

 

قصة (روح وعَرِيش)

استيقظت الأسرة في الصباح الباكر.

الأب العقيد”صابر راضي”يعمل في وحدة مكافحة الإرهاب ضمن القوات الخاصة،فرقة(777).

الأم اسمُها”هناء”، وتعمل مُعلِّمة رياض أطفال في إحدى المدارس الحكوميَّة.

الأب يبتسم:

-صباح الخير يا أبنائي الأعزاء”.

الأبناء جميعًا يردُّون في صوت واحد:

-صباح الخير والهناء على أحلى أب في الدنيا!!

في المطبخ قامت الأم بتجهيز طبق فول بالزيت الحار، والطحينة،وصنعت طبقًا شهيًا من

السَّلطة الخضراء.

“علياء” سلقت بضع بيضات، وقشَّرتْها، ومزجت البيض الساخن بالجُبْن القريش.

“علي” و”عامر” يتعاونانِ في نقل أطباق الإفطار الشهي إلى المائدة.

يجلس الأب” صابر” في مقدمة المائدة، وبجواره زوجته الحنون، والأبناء يجلسون على جانبي المائدة:”علي” و”عامر” يمينًا، و”علياء” يسارًا.

“علي” يبتسم ابتسامة عريضة كعرض البحر:

-سلمت يداكِ يا أمي!

“علياء” تزمجر كعادتها ثُمَّ تطلقُ قذيفة كلاميَّة:

-وأنا؟؟!!

يضحكُ الابن الأكبر”علي”، ويقول:

-طبعًا ، أنتِ الشُّعلة!

بعد الانتهاء من تناول الإفطار ظلَّ الأب يتحدَّثُ عن مصر ومكانتها، وقال ضمن حديثه:

-ذُكِرتْ مصرُ في القرآن الكريم خمس مرات.

قال اللهُ عزَّ وجلَّ:﴿ادخلُوا مصرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمنِينَ﴾.

وقال عنها المُصْطَفى المُخْتَارُ:

(إنَّكم ستدخلُون أرضًا يُذكَر فِيهَا القيراطُ، فاستوصُوا بأهلِها خيرًا؛ فإنَّ لَهُمْ ذِمَّةً ورحمًا).

يسرحُ العقيد”صابر”، ويتذكَّرُ تضحيات الشُّهداء على مرِّ العصور، ويردفُ:

-لقد ضحَّى الكثير مِن المصريينَ بدمائهم وأرواحهم، بداية مِنْ” كاموس”، مرورًا بـ”عُمَر مَكْرَم”و”جوَّاد حسني”،و”عاطف السادات”،و”أحمد منسي”.

الابن الأكبر يشيرُ بيدِهِ، يمسك طرف الحديث قائلًا:

-أبي، لقد درسنا في مادة التاريخ أنَّ مصر كانتْ، وستزالُ مطمعًا لكُلِّ الطَّامِعينَ، وكَمْ كانتْ عصيةً وأبيةً، وترفض الاستسلام والخنوع لأي مُحتلٍّ، مهما كانتْ قوته!!

يلتقطُ”عامر” حديث أخيه الأكبر، ويُدْلِي بدلوه مفتخرًا:

-أخبرتنا الأستاذة”مُنَى” مُعلِّمة الدراسات الاجتماعيَّة أنَّ مصرَ قهرت التَّتار، وكسرتْهم في معركة “عين جالوت”.

“علياء” تبتسمُ ابتسامة تملأ الكون بالحبور، وتقولُ:

-مصرُ أيضًا انتصرتْ على الصَّليبيينَ في موقعة”حطين”، واستردَّ”صلاح الدين الأيوبي”

بيت المَقْدِس.

الأمُ في لهجةٍ تقطرُ عزةً وكرامةً:

-مصرُ بلد العِلْم والعُلَماء، والمُثَّقفِينَ… نحنُ بلدُ “العقَّاد”، و”أحمد زويل”،و”نجيب محفوظ”،

و”عزت المشد”،و”مجدي يعقوب”،و”سميرة موسى”.

وبينما هُمْ في سعادةٍ ونشوةٍ بحوارِهم الشيق المُمتِع، إذا بهاتف الوالد يرنُّ، يمسكُ العقيد هاتفَهُ،

يستأذن منهم، ويدخل مكتبه، ويغلق الباب جيدًا، المكتب مُزوَّد بعازلٍ للصَّوت.

يرى على الشَّاشة الصغيرة اسم زميله”محي”، يردُّ عليه:

-أهلًا بكَ يا رفيق الكفاح!!

في نبرةٍ تفيض بالحزن والأسى:

-أعتذرُ عن إزعاجكَ في الإجازة، ولكنْ………

العقيد” صابر” في جبالٍ مِن القلق يهتفُ:

-ولكن ماذا؟؟ّ!!

المُقدِّم” محي” في صوت غاضب يزأرُ:

-هجم الإرهابيون على أحد الكمائن في العريش، وتمَّ استشهاد مُعْظَم أفراد الكمين!!

يتوقف المُقدِّمُ عن الكلام لمدة دقيقة، ودموعه الحارة تكادُ تصلُ إلى رفيقه في الهاتف.

 العقيد ” صابر” يواصل حديثه:

-محي!!…..محي!!…هل أنتَ معي؟

يستعيدُ “محي” هدوءه، ويكمل المحادثة:

-أتذكرُ زميلنا “سعد” الذي كان معنا في دفعتنا؟

-نعم، أتذكَّرُهُ طبعًا!!

-لقد اُستُشهِدَ!!….. ولم يجدُوا جزءًا سليمًا في جسده!!

 لقد انفجر لغمٌ في سيارته، عندما كان يقوم بدوريَّة أمنيَّة.

عاد”صابر” بالذاكرة إلى الوراء….سنوات عديدة، لاح له وجهُ “سعد” المُشرِق دائمًا.

تذكَّر حوارَهُ مع”سعد” حول الزواج:

-ألن تتزوَّج يا “سعد”؟

يقهقه”سعد” قائلًا:

-لا أرغبُ في ذلك؛ فأنا مشروعُ شهيدٍ في أي وقتٍ!!

ولا أريدُ أن أُفْجِعَ أحدًا بسببي!!

“صابر” يحاولُ غرس بذور الأمل في أرض”سعد”:

-يا أخي، الأعمارُ بيدِ الله!

“سعد” يردُّ في منطقيَّة مُغلَّفة بالواقع:

-ولكنَّ عملنَا كما تعرفُ يُعرِّضُنا للموتِ في أي فيمتو ثانية!

“صابر” في رباطة جأش:

-استمتعْ بحياتكَ، ولن يصيبَكَ إلَّا ما كتبَهُ اللهُ لكَ.

تتحجَّرُ الدموع في مقلتِي”صابر”، ويقولُ لزميله المُقدِّم” محي”:

-سأقطعُ إجازتي فورًا!…وسأطلبُ مِن القائد نقلِي فورًا إلى العريش!!

“محي” مُحذِّرًا:

-أخي الفاضل، أنا أقدِّر مشاعركَ النبيلة، لكنَّ الموقف هناك معقَّد بشكل خطير!!

العقيد”صابر” يغلقُ هاتفَهُ، ويطلبُ عدم الدخول إليه في غرفته؛ لأنَّهُ يجهِّزُ بعض الأمور في عمله التي تحتاج إلى تركيز شديد.

بضع ساعات يجري فيها العقيد عدة اتصالات مع القادة والزملاء في العريش، ويجمع معلومات عن الإرهابيين.

الأب يتأمَّلُ صورةً له على حائط مكتبه مع دفعته،يقول لنفسه:

-أنتَ تعرِّضُ حياتكَ للخطر.

-وكيف أقفُ عاجزًا أمام ما حدث لزملائي؟!

-عليكَ أن ترتاح؛ فكم مرةٍ تعرَّضتَ للموت المُحقَّق!!

-هذا واجبي الذي أقسمتُ عليه.

-وماذا عن أسرتكَ؟

-لقد علَّمتهم أنَّ الوطن هو أغلى شيء في الوجود، وكُلُّ ما نقدِّمُهُ لا يساوي أفضال مصر الحبيبة علينا.

مع دقائق ساعة الحائط، يسمع الجميع دقات الساعة الثالثة عصرًا،وتفوح الروائح الذكية من مطبخ”هناء” …تلك المرأة الصبور المُحبِّة لزوجِها وبراعمها.

تبتسم الأم ابتسامة تفيض بالسعادة والفرحة، قالتْ:

-غداء اليوم فاخر جدًا: دجاج مشوي على الفحم، وأرز بسمتي، وسَلطة”كول سلو”، وبطاطس محمَّرة.

“علياء” تحمل أطباق الغداء إلى المائدة، يأتي الأب، ويجلس في مقدمة المائدة كعادته.

يبادر بالحديث قائلًا:

-هل ترغبون في شيء من منتجات العريش؟

الأم تجيب:

-ما أحلى منتجات العريش!!

الابنة تسأل:

-هل أحد زملائكَ قادمٌ مِن العريش؟

الأب يسكتُ هنيهة.

“علي” يخمِّنُ:

-لديكَ مأمورية؟

يصفِّقُ العقيد، ويقول:

-لعيِّب يا علي!!

الزوجة تناديه قائلةً:

-ألن ترتاح قليلًا؟

“صابر” تتهلَّلُ أساريرُهُ:

-لا مانع!

“هناء” تداعبُهُ:

-ألا تريد أن ننجب طفلًا رابعًا؟

“صابر” يشردُ قليلًا،ويردُّ:

-بارك اللهُ لنا في أولادنا.

بعد أداء صلاة الفجر يودِّع الأب أسرتَهُ، ولسانُ حالِهم يقولُ:

-في حفظ الله ورعايته يا بطلنا المِغْوَار.

يذهب العقيد”صابر” إلى مقر القيادة في القاهرة، وهناك يستقلُّ طائرةً حربيَّةً ، بعد ساعتينِ يصل إلى مطار العريش في جُنْح الليل.

يستقبلُهُ المُقدِّمُ” محي” بالأحضان والدُّموع الحارة، يمسحُ”صابر” دموع زميله، ويعدُهُ بالثأر لكُلِّ الشُّهداء.

يلتقِي العقيد برفاقِهِ في العريش، العميد “محمود” يبسطُ أمام الضُّباط خريطة للعريش،

ويشيرُ بعصا صغيرة إلى أحد الكهوف، ويقول:

– يوجدُ بعض الإرهابيينَ في ذلك الكهف،ويجب أن نقضِي عليهم!

العقيد”صابر” يقترحُ خُطَّة جريئة جدًا:

-طبعًا هؤلاء الجرذان ينشطونُ أكثر ليلًا؛ ظنًّا منهم أنَّهم غير مرصودِينَ منا.

العميد” محمود” يهزُّ رأسَهُ،يقولُ:

-وما خُطَّتُكَ سيادة العقيد؟

العقيد”صابر” يفركُ أصابعَهُ:

-نراقب المكان جيدًا ثُمَّ نتتبَّعُ مَنْ يخرج منهم ثُمَّ نقبضُ عليه، ويرتدي واحدٌ منا ملابسَهُ،ويعود بعد أن يُغطِّي وجهَهُ جيدًا.

العميد يتحمَّسُ:

-فكرة رائعة!! ….ولكنْ؟!

العقيد يكملُ خُطَّتَهُ:

-مَنْ سيدخل منا الكهف يطلقُ قنابل مُسيِّلة للدُّموع، ويطلقُ ثلاث طلقاتٍ في الهواء،بعدها تقتحم

القُوَّة ، وتشتبكُ مع الجرذان، وتصطادُهم.

القمر يزيِّنُ السماء الحزينة على استشهاد الأبطال، يخرج أحدُ الجرذان؛ لشراء بعض الاحتياجات، يتمُّ الانقضاض عليه مِنْ أحد عناصر القُوَّة، يلبسُ العقيد “صابر” ملابس الإرهابي؛ فقد كان جسمه مماثلًا لجسم الإرهابي الذي تمَّ القبض عليه وتخديره.

يتسلَّلُ إلى الكهف، وينفِّذُ خُطَّتَهُ.

يخرج أربعة إرهابيين من الكهف، وبحوزة كل منهم مدفع رشَّاش، خرجُوا يترنَّحُون مِنْ أثر القنابل المُسيِّلة للدموع.

أطلقوا النار بكثافةٍ ضد أفراد القوة، اُستُشهِدَ ضابطانِ وثلاثةُ جنودٍ.

العقيد”صابر” يطلق الرصاص بمهارة فائقة على أرجل الجرذان، يسقطون أرضًا.

يصرخون، تنقضُّ القُوَّة ، وتُلقِي القبض عليهم.

يعود”صابر” إلى أسرته بعد يومينِ، وقد ارتاح قلبُهُ وعقلُهُ.

             الاسم: تامر عبد الحليم محروس العشماوي

             الدولة: جمهورية مصر العربية

             الجوال: 0100392217

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x