ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : سارق الضجكات . مسابقة القصة القصيرة بقلم / محمد حامد . مصر

الاسم: محمد حامد
الدولة: جمهورية مصر العربية
رقم الهاتف: 01551747371
رقم الواتساب:01551747371

سارق الضحكات

انقضت سنواتُ عمره وهو يجوب الأرض شرقًا وغربًا لرسم الضحكة البريئة على وجوه الصغار، لم يترك مدينةً أو قرية إلا ودخلها ولم يبرحها إلا وصوت الضحكات يرن في الأرجاء، وكل ذلك بواسطة أدوات بسيطة للغاية، مسحوق أبيض، شعر أحمر مستعار، بنطال واسع، وسترة ضيقة بربطة عنق على شكل فراشة، وبعض الحركات البهلوانية المعتادة والارتجال، فتنطلق الضحكات على الفور من الأفواه.
لم يكترث لأي شيء سوى عمله فحسب، ورغم كسبه القليل منه إلا أنه لم يكُن يبالي بأمر المال ويراه شيئًا لا قيمة له على الإطلاق ومتيقن في قرارة نفسه أنه يؤدي أسمى رسالةٍ على وجه الأرض بأن يولج الضحك إلى قلوب الصغار لتحصينهم من بؤس العالم الذي ينتظرهم حين الكبر.
ولم يرغب بدخول عش الزوجية على الرغم من الوحدة التي ينغمس فيها، فلم يرِد زيادة أعداد البائسين وينجب أبناء يتجرعون مرارة هذه الحياة وحينها سيمقتونه ويقذفونه باللعنات لأنه جاء بهم إلى هذا العالم الذي تُعد الحياة فيه خطيئة كبرى يلزم التكفير عنها.
مضت الأعوام سريعًا وأطل شبح العجز على قسمات وجهه وخطَّ الشيب رأسه، فالهرم قدر لا مفر منه ولكن الطامة الكبرى أنه لم يعُد يزوره طيف الفرح كما زاره مرات خافته في شبابه تعد على أصابع اليد الواحدة، وكأنه كان مخزون بداخله ونفد ككل شيءٍ مآله إلى الزوال في نهاية المطاف، أو ربما له انتهى تاريخ صلاحيته.
ظل يدور على الأطباء النفسيين واحدًا تلو الآخر لتشخيص حالته والعثور على علاج، لكنهم وجدوه طبيعي تمامًا وغير مصاب بأي داء، ورغم ذلك كتبوا له على عقاقير طبية لتحسين حالته المزاجية وأخبروه أنها مجرد فترة مؤقتة وسيعود كل شيء إلى سابق عهده، وعلم بفطنته أن تلك الفترة المؤقتة ستنتهي بموته لا محالة.
اعتاد كل ليلة بعد الفراغ من عمله في السيرك كمهرج؛ أن ينزوي في ركن بعيد ويجهش بالبكاء على عمره الذي انقضى في دوامة من الحزن، والحياة وقسوتها التي لا ترحم، وأمراض الشيخوخة التي أنهكت جسده، وأشياء أخرى لا يستطيع إحصائها.
عقب مُضِيّ وقتٍ طويل في التفكير الذي لا ينتهي والأسئلة التي تطارده؛ وجد أخيرًا ضالته التي كان يفتش عنها واهتدى إلى سبيل للحصول على ضحكات الآخرين التي كان سببًا رئيسيًا فيها ولا ينكر ذلك إلا شخص ناكر للجميل، ضحكات بسيطة فقط يقتل بها البؤس الذي تفشى في قلبه، وفتش وعلم أن نقل كمية دم من شريان قلب شخص سعيد إلى آخر حزين ينقل السعادة، ذلك الشعور الذي نسي مذاقه منذ أعوام.
في اليوم التالي بعد انتهاء العرض قام بتحية الجمهور الذي صفق له بحرارة، طلب منهم أن يعطوه ولو قدرًا ضئيلًا من الضحك الذي كان سببًا فيه، اعتاد أن يفعل ذلك كل ليلة لكن لم يعطِه أحد ولو بضع قطرات قليلة من دمائه، وغادر الجميع السيرك وقد غمرتهم السعادة، أما هو فلم يجنِ من كل ذلك سوى البؤس.
نبتت في رأسه فكرة وقرر تنفيذها حتى يتخلص من هذا الحزن المرير، فقام بعمل عرض مجاني دون مقابل وكان الجميع مبتهجين للغاية وخاصة الفقراء الذين لا يملكون ثمن التذكرة، وتكدس السيرك بالخلق من كل الأشكال والألوان، وأثناء العرض وزع مشروبات مجانية عليهم والتي كانت تحوي أقراص مُنومة سريعة المفعول باستطاعتها أن تجعل من الفيل الضخم يغط في نوم عميق في خلال دقائق معدودة، وفي منتصف العرض كان الجميع يغط في نوم عميق نومة أهل الكهف، وكانت هذه هي فرصته الذهبية التي نالها أخيرًا.
هبط من فوق خشبة المسرح وملأ كل الإبر الطبية التي بحوزته بقطرات الدم من كل مَن تتطابق فصيلته معه، وبعد أن انتهى أخذ طيف السعادة يلوح على وجهه، فتوارى سريعًا عن الأنظار، وغرس كل تلك الإبر الممتلئة بالدماء الضاحكة داخل شرايين قلبه الواحدة تلو الأخرى حتى أفرغ كل ما بهم من دماء وتناثرت الإبر الفارغة من حوله، غمرته حينها سعادة هائلة لم يشعر بها من قبل في حياته، وأخذ يضحك بكل ما أوتي من قوة، وصوت الضحكات يتردد في الأرجاء، وسيجزم أي شخص عند سماع ضحكاته المدوية أنه قد أصابه الجنون، رغم أنه إن شعر بما يشعر به في تلك اللحظات سيفعل أكثر من ما فعل.
كانت ضحكاته لا تنقطع أبدًا، الضحكة تتبعها ضحكة تلو الأخرى وفاهه مفتوح على مصراعيه وهو لا يفعل شيء سوى أن يستسلم للضحك ذلك الضيف الذي انتظره طويلًا حتى أصابه اليأس، فلم يكُن يعتقد أنه يمكن أن يحصل على كل ذلك الضحك دفعة واحدة، واستغرق الضحك ساعات طويلة ولم ينقطع إلا بعد أن توقف خفقان قلبه وصار عبارة عن جثة هامدة بلا حراك والضحكة لا تزال مرسومة على شفتيه، لتكون نهاية سعيدة لحياته البائسة التي عاشها.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى