ريم محمد زكي السباعي
مصر
https://www.facebook.com/reem.elsebaai.54 : حساب فيسبوك
https://www.facebook.com/ريــــم-السباعي-109553594167515/ : صفحة الفيسبوك
سوق المدينة
ما أصعب ذلك الزحام، فالناس في حركة مستمرة في تلك البقعة من بقاع الأرض، وما أصخب تلك الأصوات، فالجميع يتحدث بصوت عال، فهذا ينادي، وذاك يسأل، والضجيج يعلو ويعلو، نعم! إنه سوق المدينة.
لقد وقفت تلك المرأة تتلفت يمينا ويسارا، تنظر حولها في كل إتجاه تبحث عنه، كيف إختفى في لمح البصر؟! فلقد كان بجوارها طيلة الوقت، وسرعان ما مضت تقطع السوق ذهابا وإيابا تسأل المارة والبائعين عن طفل في الرابعة من عمره، ذو شعر أسود وعيون بنية، يرتدي بنطالا أسودا وقميصا رماديا، ولا أحد يعرف ولا أحد يجيب، فالكل مشغول بحاجته.
وعندئذ سارت رعشة قوية في جسدها، وانهمرت دموعها بغزارة، ومضت تفكر في حال صغيرها وتتسائل أهو إخطتف؟! أم هو يلهو في مكان ما؟! أستراه ثانية؟! أم هو الفراق؟! وسرعان ما تذكرت نبي الله يعقوب، فمضت تسير وتبحث وهي تردد فصبر جميل، فسرعان ما تسلل اليقين إلى قلبها، فأيقنت بأن الله عز وجل قادر على أن يرد إليها صغيرها كما رد سيدنا يوسف إلى سيدنا يعقوب، وكما رد سيدنا موسى إلى أمه، وهنا إستوقفتها قصة سيدنا موسى وكأنها لم تعرفها من قبل، فشعرت بأم موسى حين فقدت طفلها بل هي من وضعته في التابوت وألقت به في اليم، فما أجمل عظمة الله ورحمته الذى قوى قلبها بالصبر حتى رده إليها، فملأ الصبر والإيمان قلبها فمضت تبحث عن طفلها وهي على يقين تام بأنها ستجده وأن الله عز وجل لن يجعلها تحترق بفراق طفلها الوحيد.
أما الطفل الصغير فلقد لفت إنتباهه بائع ألعاب فترك أمه وذهب يشاهد الألعاب حتى أعجبته إحداها فعاد إلى أمه ليخبرها فتبتاعها له، فضل الخطوات، وضاع في الزحام.
فمضى الصغير يسير بخطوات بطيئة حينا وسريعة أحيانا في طريق لا يعرف ما هو مصيره فيه وإلى أين سينتهي هذا الطريق، فلقد غادر السوق وسار في طريق طالما سار فيه مع أمه ولكنه في تلك اللحظة كان يجهله، فأصبح بالنسبة له طريق موحش تنتظره فيه الأهوال، ثم نظر إلى وجوه المارة لعله يجد الطمأنينة في أحدهم فلم يرهم إلا وحوش ضارية تتربص به لتنال منه، فإرتعدت أوصاله ومضى يركض لا يعلم إلى أين هو ذاهب.
وكم من يسر أتى من بعد عسر فها هي الأم الصبورة تغادر السوق وتسير في طريق عودتها إلى البيت لا بهدف العودة إلى البيت بل بحثا عن الصغير وبقلب يملأه الإيمان واليقين صارت تنظر هنا وهناك حتى لمحته يركض بعيدا، فنادته وركضت نحوه.
توقف الصغير ونظر خلفه وقد هدأت نفسه واطمأنت، فهذا الصوت يعرفه جيدا، يرتاح حين يسمعه، نعم! إنها أمه، فوقف حتى رآها، ومن ثم ركض نحوها، فحملته وعانقته وقد تبدلت دموع الحزن والألم إلى دموع الفرح فصارت تحمد الله واتجهت بصغيرها إلى البيت وقد نسيت ما ابتاعته وما أرادت أن تبتاعه من السوق، وأما الطفل فقد نسي اللعبة التي أعجبته فلم يعد بحاجة إلى أي شئ سوى أمه الذي ظل متشبثا بها وهو يشعر بالراحة والهدوء فلقد عاد إليه الأمن والأمان.