ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة شاى بنكهة النعناع .مسابقة القصة القصيرة بقلم / فوز حمزة . العراق

شاي بنكهة النعناع

ما إنْ أرتفعَ بِهم المصّعد إلى الدورِ الثاني حتى توقْفَ فجأة، ألتفتَ الروائي المغربي الذي كَانَ يتصفحُ جوالهُ إلى اللوحةِ الإلكترونية خلفَ ظهرهِ وبدأ يضغطُ على الزر رقم ستة، وهو الدور الذي سيتم فيه عقد جلسة التكريم وقد تمت دعوتهِ لإنَّ روايته الرابعة حصلتْ على الجائزة الأولى في مهرجانٍ عربي كبير، عادَ المصعدُ بعدَ دقائقَ يعملُ ثانية بعدَ أنْ أهتزَ هزةً خفيفة لكنهُ هذه المرة هبطَ الى الدور الأرضي، أما الشاعر الجزائري الذي نالتْ قصيدته المرتبة الأولى في المسابقة لغةً وبياناً وبلاغةً والتي كانتْ أبياتها تمجدُ بالعربِ وبطولاتِهِم، حاولَ جاهداً أنْ يفتحَ بابَ المصعد، لكنهُ كَانَ محكم الغلق فرددَ بلهجة تهكم وسخرية:

– أنا أعرفُ إن الرجال مجانين، ولكنْ لمْ أسمعْ من قبل بمصعدٍ مجنون، يا إلهي !!

أما القاصة اليمنية التي نَالتْ قصتها الجرذان، أفضلُ قصة قصيرة في المسابقة، فقد وضعتْ كفها الصغيرة على فَمِها الكبير لتخفي مَنظرَ أسنانها المتفرقة ولثتها ذات اللون البنفسجي وأطلقتْ ضِحكة فيها الكثير مِن الإثارة والقليل من الأدب، ظنَّ الروائي للحظاتٍ إنها مجنونة ووافقه في إحساسه الشاعر إذ كان يعتقد إنها ربما تكون مصابة بمرض نفسي، الوحيدُ الذي لمْ يهتمَ للأمرِ هو كاتبُ الأغاني التونسي إذ كَانَ منشغلاً بإخراج لسانهِ وتمريرِه على شفتيه الغليظتان واستغلَ انشغالَ الاثنين عنهُ فأخذَ يُحركُ عضوهُ التناسلي بينما كانتْ عيناهُ تحدقانِ بشهوة في صدرِ الشاعرة التي استمرتْ بالضّحكِ لأن الروائي كَانَ يتَحدثُ بعصبيةٍ جعلتْ اللعابَ يتطايرُ منْ فمهِ وبكلماتٍ فرنسية بدتْ غير مفهومة لها والتي على الأرجح كانت شتائم لبوابِ العمارة المسّن لإنه كَاَنَ يُشيرُ بأصبعهِ تجاهه، بينما راحَ البوابُ المسكين بكلِ جهدهِ يحاولُ أنْ يُهدّأ من روعِهِم وأفهامهم أنَّ هذه المشكلة تَحدثُ باستمرارٍ في هذه البناية وحلها بسيطٌ لنْ يستغرقَ سِوى عَشرُ دقائق.

بعد مرور ساعتين، خلعتْ الشاعِرة شالها الأخضر من على رأسها لأنها لمْ تعدْ تحتملُ الحرَ الشديدَ في المصعدِ الذي أرتفعَ فجأة إلى الدور الثالث ثم هبطَ إلى الدور الثاني ليستقرَ في السابع، استغلَ كاتبُ الأغاني حالة الإرباك واقتربَ من الشاعرة التي أصابها دوار خفيف لإنها كما أدعتْ لمْ تمرْ من قبل بما تمرُ بهِ الآن، فألصقَ كتفهُ بِكتفها، كَانَ يعرفُ إنها لنْ تلاحظَ شيئاً، فالمكان ضيق والحرُ أنهكَ قواها، فلا شيء يدعو للشك، حتى هذهِ اللحظة، اكتفى بهذا المنجز تَرقُباً لما سَيحدثُ مستقبلاً، صوتُ البواب وهو يَعدهمْ بحلِ المشكلة سريعاً زادَ من توترِ الشاعر فلعنَ وهو يمسكُ ويهز بقوة قضبانِ المصعد الحديدية المؤتمر والجائزة ولعنَ أيضاً اليومَ الذي كتبَ فيهِ الشِعْر، لكنهُ معَ ذلكَ استجابَ برحابة صدر مفتعلة لطلبِ الروائي في أنْ يَمنحهُ بضعَ دقائق من وقته ليسجلَ الخطوط َالعريضة لأحداثِ روايته القادمة والتي أستلهمَ موضوعها من الحدثِ الذي هُمْ فيهِ ثم طلبَ منهمْ أنْ يقترحوا له عدة عناوين ليتخارَ المناسبَ والجميلَ .

– الدور السابع، صرخ الشاعر وكأنهُ عثرَ على كنزٍ عظيم، ضَحِكتْ القاصة ضحكةً ليسَ لها معنى وقالتْ:

– عنوانٌ جميلٌ، أعتقدُ لم يسبقكَ إليهِ أحد، وبدأت تردد، الدور السابع، الدور السابع، أمممم … أما كاتبُ الأغاني العاطفية، لاحظَ انشغالَ الشاعرة فوضعَ يدهُ على مؤخرتها يتحسسها فيما يحاولُ إدخال يدهُ الأخرى في جيبِ بنطالهِ فبدا كأنه في عالمٍ آخر، هبتْ نسماتٌ باردة بددتْ المشاعرِ السلبية التي كانتْ تسيطرُ عليهم عندما تحركَ المصعدُ فجأة لِيهبطَ بِهمْ إلى الدور الثالث، رفعتْ الشاعرة ذراعيها عالياً ليتسنى للهواء أن يتسلل إلى جسدها ويُنشفَ عَرقهَا الذي تركَ أثار دوائر بيضاء على جلبابها الأسود، أخذتْ تُحدثُ نفسها، لنْ أدعَ الذي يحصلُ دون توثيقهُ في قصة قصيرة، ساسميها … في الدور الثالث، ضحكتْ وهي تصفقُ بفرح، عنوانٌ غريب وغيرُ واضح، سَيشدُ القارىء …

– مارأيكَ؟

ألتفتتْ إلى كاتبِ الأغاني تسأله، فأخرجَ بسرعة يدهُ من جيبِ بنطالهِ ووافقها في الحالِ حتى إنه تأكيداً لما تقول وعدهم بكتابة أغنية عاطفية وسيختار لها عنواناً مثيراً، الدور الخامس، قالها بشكلٍ مسرحي مبالغ فيه ثم أطلقَ ضحكة فيها الكثير من النشوة أثارتْ حيرة الجميع وقلقهم لكنهم في النهاية أضطروا للضحك معه.

انقضتْ ثلاثُ ساعات، المصعدُ لا زالَ مستمراً في الصعودِ والهبوط، جلسوا جميعهم على الأرضِ بعد أن تمكنَ منهم الإنهاك وهدهم التعب وسيطر عليهم اليأس، فيما أسندتْ القاصة رأسها على كتفِ كاتب الأغاني فمنحته بذلك الحق في احتضانها دون أن يثير عمله هذا استنكار أحد، أخذ الروائي والشاعر يتناقشان بصوتٍ يكاد لايُسمع عن كيفية إيجاد الحلول وأمكانية تطبيقها على أرض الواقع، وأبدوا في النهاية أسفهم لأن أحداً من المشاركين في المؤتمر لم يفتقدهم، بعد دقائق، ساد الصمت، لاشيء سِوى صوت أنفاسهم الحارة تملأ المكان، لم يعد يعنيهم شيء في هذا العالم غير رائحة الشاي بنكهة النعناع القادمة من غرفة البواب .

فوز حمزة .. العراق .. رقم الواتس .. 00359877884993 .. https://www.facebook.com/fawziya.alkilabi

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى