الاسم: آمال أحمد سالم
الدولة: مصر
اسم الشهرة: آمال سالم
التلفون: 01066176511
لينك الفيسبوك:
https://www.facebook.com/profile.php?id=100007399936012&mibextid=ZbWKwL
مسابقة القصة القصيرة
بعنوان: طقوس فوقية
طقوس فوقية
بالصباح الباكر مع أول زقزقة للعصافير استيقظ كل يوم على سعال طويل، أكاد حينها اختنق بضيق التنفس من أثر رائحة البخور التي تملأ المكان، منبعثة من شقة جارتي الحاجة فوقية، فلها طقوسها المعتادة التي لا تكف عن ممارستها كل يوم، تظن بذلك أنها ستبعد عنها شياطين الجن وحضورهم، وشياطين الإنس بعيونهم.
حدثتها كثيراً أن تترك عادة إشعال البخور تلك لساعة أخرى غير الصباح الباكر وقت استيقاظها، لكنها لا تبالي بحديثي مطلقًا، وتقول لي بوجهها الضاحك دائماً:
_تعالي أبخرك؛ لأبعد عنك عيون الحاسدين.
أنا ولا مرة انصعت لها، الحاجة فوقية تقطن بالشقة المقابلة لي مباشرة، قريبة مني للحد الذي يصعب علي فيه تحاشيها وتجنبها، بمرة استشطت غيظاً منها؛ لالتواء كاحلي على السلم بسبب المياه بالملح التي ترشها أمام باب البيت وعلى السلم، أخذت أصيح وأنادي عليها بعلو الصوت، خرجت على صياحي تمصمص شفتيها على حالتي وأنا جالسة على السلم أتألم، شهقت قائلة وهي تضرب صدرها ضربة خفيفة بكف يدها:
_كنت أعلم، لقد رأيت تلك القطة السوداء اليوم وقلبي انقبض وعلمت أنه نذير شؤم.
همت؛ لتساعدني على النهوض، ثم أصرت على دخولي معها لشقتها؛ لتدلكها لي بمرهم آلام المفاصل الخاص بها، هي طيبة لا أنكر، لكن طقوسها تدفعني للعصبية دومًا، خصوصاً أنني لا أؤمن بخرافاتها التي ترددها، وتحاول دسها برأسي على الدوام وإقناعي بها.
ولجت معها لشقتها، البيت كان مرتبًا ومهندمًا بالنسبة لامرأة عجوز مثلها، وذلك بسبب وسواس النظافة الذي يحثها على التنظيف الدائم، تعاملي معها لفترة طويلة كان كفيلاً أن أعلم عنها مدى هوسها بالنظافة، دلفت لغرفتها تحضر المرهم الموضعي الذي وصفته بالسحر في تسكين الألم، أخذت عيوني تدور بالبيت، تعلقت على إحدى الصور المعلقة بالحائط المواجه لباب الشقة، صورة لفتاة ذات ملامح رقيقة هادئة، شعرها أسود فاحم منسدل على ظهرها، تبدو على ما أظن بالعشرين من عمرها، تحمل من بعض ملامح الحاجة فوقية، استغربت من نفسي وقتها لِمْ لَمْ انتبه لهذه الصورة من قبل، أول ما خرجت بادرتها بالسؤال عنها، أخبرتني:
_إنها “جميلة” ابنتي.
قلت بدهشة معتليه ملامح وجهي:
_أول مرة أعلم أن لك ابنه! أين هي؟
هي لديها ولدان هاجرا للعمل بالخارج؛ بسبب ضيق الحال بالبلد، وأعلم أنها تسكن بمفردها بعد وفاة زوجها من حوالي سنة، لم أر ابنتها هذه من قبل.
أخبرتني أنها كانت منقطعة عن زيارتها لفترة، لكنها اعتادت على زيارتها باستمرار بعد وفاة زوجها، حتى لا تتركها بمفردها للوحدة.
دهنت لي كاحلي، ودعت لي كثيراً، شكرتها واستأذنت؛ لأذهب لشقتي حيث إنني لن أتمكن من النزول بهذا الوضع، اعتذرت وقالت لي: _لا تؤاخذيني يا ابنتي.
الغريب أن طيف هذه الفتاة الجميلة ظل يراودني طوال اليوم، حينما عاد زوجي، انتهزت الفرصة؛ لأسأله عنها، بلهفة، قلت له:
_هل تعلم أن للحاجة فوقية ابنه؟
أخبرني أنه سمع مرة من أحد الجيران أن ابنتها “جميلة” توفيت في حادثة قطار وهي عائدة من الجامعة، بعدها كلما جاء ذكرها يدعون لها بالرحمة، ويظلون يشيدون بجمالها الفاتن وأنها كانت اسماً على مسمى، كأنها بنت موت كما قالوا؛ لشدة جمالها.
جن جنوني وقتها، ودارت الأسئلة بكثرة في رأسي وأولها: كيف تقول إنها تزورها إذاً؟
لحظتها خفت منها كثيرًا، وأشفقت عليها أكثر، بادرني سؤال آخر أكثر رعبًا من سابقه:
_ماذا لو أن هذه التي تحكي عنها هي روح ابنتها؟، استمرت حلقة أسئلة غير متناهية تدور برأسي:
فهل تفعل طقوسها؛ لطرد الأرواح أم لجذبها؟، ثم نفضت هذا الأمر عن تفكيري حتي لا أفزع منها، وأسندت الأمر إلى أن الخرف تسلل لعقلها في هذا السن؛ ليصور لها بعض الأشياء، عزمت على ألا أتركها بمفردها، ومن وقت للآخر أزورها؛ للإطمئنان عليها، حتى لا أتركها للوحدة تفتك بها.
بعد فترة توطدت علاقتي بالحاجة فوقية بشكل ملفت، اعتدت بعد ذهاب زوجي لعمله وأولادي للمدرسة أن أذهب إليها نحتسي الشاي معًا، أو تصنع لنا القهوة على “السبرتايه” الخاصة بها، كانت قهوتها ذات مذاق خاص، مع كثرة ترددي عليها، اعتدت على طقوسها ولم أعد انزعج أو أتذمر منها.
استيقظت ذات صباح، نظرت بالساعة مستغربة لِمَ لَمْ أَشْتَمْ رائحة البخور التي توقظني كالعادة!، هل تأخرت الحاجة فوقية اليوم بنومها؟ وأجبت:
_أنه غير ممكن، فمواعيد طقوسها يُضبط عليها الساعة.
ذهبت؛ لأوقظها، طرقت الباب كثيراً لم تفتح، وجدت القطة السوداء تصعد السلم، نفضت ما جال بخاطري بعيدًا، دخلت لشقتي، أخرجت المفتاح الذي أعطتني إياه للطوارئ، فتحت الباب بالمفتاح، تجولت بالشقة أبحث عنها، وجدتها على فراشها وقد فارقت الحياة وهي تحتضن صورة ابنتها “جميلة”، فأشعلت البخور -أنا- عوضًا عنها ومارست طقوسها.