ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : علمتني نملة . مسابقة القصة القصيرة بقلم / هدير شعبان عبد السلام . مصر

الأسم/ هدير شعبان عبد السلام
أسم الشهرة/ هدير شعبان
الدولة/ مصر
الصفحة الشخصية/ https://www.facebook.com/profile.php?id=100069949272871
الإيميل/ [email protected]
المجال المشارك فيه/ قصة قصيرة
إسم القصة/ علمتني نملة

علمتني نملة

أعجزت أن أكون مثل تلك النملة، التي حملت حبة أرز تساوي ثلاثة أضعاف حجمها!؟.
ظل هذا السؤال يراودني وأنا أتابع تحركات تلك النملة على سجاد غرفتي، الغرفة التي قبعت فيها لأيام طويلة، حتى حفظت كل ما بها من تفاصيل، لذا عندما اقتحمت تلك النملة ضئيلة الحجم غرفتي، لاحظتها بسهولة؛ لأنها الشيء الوحيد المتحرك في هذا المكان الميت.
لقد أخترت أن أكون سجينة غرفتي بمحض إرادتي، فلا أبالغ عندما أصف نفسي بجسد بلا روح، نعم.. فأنا جثة تمشي على قدمِ وساق، جثة تتنفس وترى وتتكلم وتسمع وتشعر، ولكن لا تستطيع التعبير عن مشاعرها، مثل أن تغضب أو تثور، ولا يحق لها أن تكتئب حتى، في مجتمع لا يعرف شيئًا عن الاكتئاب وخطورته على الصحة النفسية والجسدية للإنسان، حتى لو اخبرهم الطبيب بذلك، تظهر على ملامح عائلتي علامات الدهشة والاستنكار، متسائلين لما قد أصيب بالاكتئاب؟!، وهم يوفرون لي المأكل والمغرب والملبس والتعليم، وكل ضروريات الحياة، فاصرخ بهم في مخيلتي، لماذا اكتئب!، ربما لشجار والديّ الشبه يومي لأتفه الأسباب وتراشقهم بعبارات الكره وعدم الاحترام المتبادل، انا أسميه الانفصال الصامت، بمعنى أن الأب والأم قد انتهى حبهم واستحالت العشرة بينهم، ولا يربطهم سوى الأبناء، ولا يجمعهم سوى سقف بيت واحد، يرفضون الانفصال خوفًا من نظرة المجتمع، أو خوفًا على الأبناء من التشتت الخ… ربما لسنين عمري التي ضاعت في دراسة لم أرغب بها، ولم أدخل الكلية التي أريدها بفارق بضعة درجات، بضعة درجات! كانت كفيلة بالتحكم في مستقبلي وتحطيم احلامي، سببًا آخر لاكتئابي وهو سني الذي قارب الثلاثين، ولم أنجز شيئًا مهمًا في حياتي، حتى أنني لم أتزوج بعد، في حين من هنّ بمثل عمري كونّن أسرة وأطفال، الأمر الذي جعل أمي لا تنفك في إلقاء اللوم عليّ وتوجيه الكلمات الجارحة لي مثل (يا عانس، لقد فاتك قطر الزواج، أقرانك لديهن بدل الطفل أثنان وثلاثة..) كلما دخلت غرفتي ووجدتني على تلك الحالة: جسد هزيل لقلة تناول الطعام، وجه شاحب وهالات سوداء تحت العين نتيجة الأرق الدائم، الشعور بالضيق والملل، بكاء بدون أسباب، الزهد في كل شيء، حتى أحلامي بدأت تتلاشى شيئًا فشيئًا أمام ناظري، وحّلت مكانها كوابيس تسلب النوم من عيني، صراحةً لم أكن أعرف أنني أعاني من الاكتئاب الحاد حتى أخبرني الطبيب، رغم أن أعراضه كانت واضحة وضوح الشمس، بالإضافة إلى رفضي للعرسان لأسباب يصعب على عائلتي تفهُمّها، طالما تلك الأسباب ليست مادية أو ملموسة، فلا يوجد مانع للزواج، حتى اعتزلت العالم تمامَا، حتى مواقع التواصل الاجتماعي لم اعد ارغب في تصفحها، ماذا سأرى، أقنعة مزيفة لأُناسٍ تتصنع الفضيلة، وتوُلّي نفسها قضاة لإصدار أراءهم اللوذعية على كل ما يُنشر، أعرف حقيقتهم التي يخفونها، لذا لا داعي لإهدار وقتي معهم على الفيس بوك، وأنا أراهم في الحقيقة مع الأسف. صارت حالي تثير شفقة كل من يراني، حتى أن إحدى قريباتي، أخبرت أمي أنني أعاني من سحر أو مس شيطاني، وبدأوا يتبّعون طريق مختلف غير الأدوية التي وصفها لي الطبيب، فاتجهوا للخرافات، مثلما فعلوا عندما جلبوا دجال يرقيني ويعطيني وصفته السحرية لتناولها، والكل منتظر أن يخرج ذلك الدجال الجن مني، وأبدأ بالصراخ والتلوي، ولكن هيهات، أنا لست ممسوسة أو مجنونة، كل ما أريده هو أن يسمعني أحدهم ويفهم ما أمّر به، ويساندني لأتخطى تلك الأزمة النفسية، أحتاج لحضن أمي وحنانها، ولسند أبي وأمانه.
كنت قد فقدت الأمل في أن تتغير حياتي للأحسن، واستسلمت لمعاناتي ولواقعي المرير، وغرقي في اكتئابي، حتى أرسل الله أضعف مخلوقاته، لتريني مدى ضعف إيماني، وعدم توكلي على الله، والرضا بما قدّره الله لي، وعدم شكري لنعمه التي لا حصر لها. نملة أنقذتني من تلك الافكار السلبية التي كادت أن تقودني للانتحار، فتلك النملة لم تيأس أبدًا من حمل حبة الأرز، والتي ظلت تقع منها عشرات المرات، وفي كل مرة تعود لحملها دون كلل، ورغم كم التعب الذي عانته لم تتراجع أبدّا عن هدفها، حتى نجحت أخيرًا، ودخلت بحبة الأرز في ذلك الثقب الصغير الموجود بالحائط، لقد ضربت تلك النملة مثل في الإصرار وعدم اليأس، رغم العقبات التي واجهتها، فقد تحملت ما يفوق قوتها ووزنها، ومع ذلك أكملت الطريق وبمفردها، ولم تقف مكتوفة الأيدي مثلي منتظرة من يساعدها، بل أخذت بالأسباب وساعدت نفسها حتى حققت هدفها، سبحان من علمها ذلك.
أعجزت أن أكون مثل تلك النملة؟!
لا، ليس بعد الآن
لقد علمتني نملة درس في التوكل على الله، وكشفت لي جانب مشرق ومفعم بالأمل من الحياة، وأدركت كمّ النعم التي وهبني الله بها، فدبّ الأمل في عقلي، والإيمان تجدد في قلبي، وبدأت أخذ بالأسباب التي سخرّها الله لي، وها أنا ذا استعدت حياتي الأولى، بل أفضل منها، وتحسنت علاقاتي بعائلتي وبكل من حولي، ومن شخص متأثر ممن حوله سلبيًا، لشخص مؤثر إيجابيًا، ينشر الأمل أينما حّل، فأصبحت من أهم مدربين التنمية البشرية في مصر، وبفضل الله ساعدت مئات من الشباب المحبط في تجاوز إحباطهم وتحويل العقبات والفشل، لسباق مع النفس؛ للوصول إلى الهدف المنشود.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى