مسابقة القصة القصيرة

قصة : على الشاطئ .. مسابقة القصة القصة الفصيرة بقلم / مريم السيد زكريا ..مصر

الاسم : مريم السيد زكريا
الدولة : مصر
مجال : القصة القصيرة

معلومات الاتصال :

رابط صفحة الفيسبوك :
https://www.facebook.com/maryem.el.el

على الشاطئ

أرمقهم ؟!…
لا بل أرمقكم !..

أرمقكم بخوف خشية أن تسقط إحداهما في الماء، وأنت إلى جواري تنفث دخان سجائرك وتنظر إليهما بخبث.

تضع السيجارة بين أسنانك وأنت تشمر بنطالك وتنهض، تحمل إحداهما وتدور بها كصوفي يحمل تنورته، تتأرجح بين يديك فتتعلق بشدة بملابسك مخافة السقوط في البحر، ثم تتركها وهي تكيل لك اللكمات، تحمل الأخرى وتكرر ذات ما فعلته مع الأولى وهي تصرخ، وكذلك أنا أصرخ فيك ألا تفعل.

سارة وهاجر ابنتينا التوأم كما أردت أن تسميهما منذ لقاءنا الأول، تذكراني بنفسي وأنا طفلة، حين كنتُ التقط صخورًا وأقذفها في البحر لعلّي أخيفه عن التقدم نحو قدمي الصغيرتين، أحملق في الأمواج وأنا اسألها بسذاجة الأطفال : لماذا تمحين آثار خطواتي من فوق الرمال وقد جئتُ إليكِ بلهفة الآملين ؟؟!!!

كنت أتراجع انتقاما من الأمواج، أخبرها بانتصار أبله : إن نلتي من آثار أقدامي فلن تنالي مني.

“أبو عمر”… هكذا كان أصدقاؤك يلقبونك قبل زواجنا لأنك طالما تمنيت إنجاب صبيًا لتسميه عمر، وها أنا احمله رضيعًا بين يدي، وها هو يحمل ملامحك، جبينك وعينيك وشفتيك، ألثم خده كأنني ألثم خدك.

تنزلق رائحة اليود إلى رئتينا على ذلك الشاطئ العام أمام أبو العباس والذي اعتدنا ارتياده لقربه من منزلنا، تذهب في كل مرة لتجلب لنا علب الآيس كريم حتى في أيامِ الشتاء وبرده القارص، تذهب وإن لم يكن في جيبك غير ثمن علبة واحدة، أخشى عليك من الأنفلونزا، فتضحك وأنت تضع الملاعق المثلجة في فمي وطيور النورس تشق الغيوم فوق رأسينا، أتذكر أبي حين تمسح باناملك تلك القطع التي تتساقط من على شفتيّ أو تنزلق فوق ملابسي، وأنت تسألني مبتسمًا في شفقة : أتؤلمك أسنانك ؟!…

تعلم أن متعتي التدثر بأغطيتي وسماع صوتك الذي يتلحفني وقراءة كتاب في ذلك الصقيع، وإنني أعشق مشروب الكاكاو الساخن مثلما أعشقك، وكذلك تعلم جيدًا كم أكره الشتاء والآيس كريم وآلام أسناني، لكنني أحببتهم منذ أن أحببتك.

قاومت رغبتي في البكاء عدة مرات إلى أن انهمرت دموعي مثل الأمطار فوقي، أحسست بالدمعات حارقة فوق وجنتيّ، فأفقت من شرودي على السماوات تبكي فوق رأسي، يالأمطار الربيع، تأتي بغير انتظار، كطفل مزعج سمج يحاول إيقاظك من رؤياك الجامحة أو ربما إنقاذك منها.

كلا، لم أكن أرمقكم..
كنتُ أرمقهم…

تلك العائلة الصغيرة البسيطة، كانوا في الشاطئ على مقربةٍ مني، ذلك الزوج بسجائره ودخانه وعينيه العاشقتين، ينظر لزوجته المحبة وهي تهدهد رضيعهما الباكي، وطفلتيهما اللتين يخيفهما هو من وهم السقوط في المياه، تقفان تقذفان أمواج البحر بالصخورِ وتتقافزان حولهما، يقتنصون لحظات السعادة والدفء بجوار بعضهم البعض وهم يأكلون من علبة الآيس كريم.

كنتُ ألعنك، وألعن تلك الحياة التي بنيتها لي يومًا ثم هدمتها فوق رأسي، وتلك الجنة التي أردتني أن أرتادها معك فتحولت إلى جحيم مستعر.

لعنت يوم تعارفنا…الثاني والعشرون من شهر يوليو، أتذكر ذلك اليوم المشئوم جيدًا.

لعنت صوتك وعيناك وملامحك الذين قرضت عنهم الشعر يوما.
لعنت كلماتك وحروفك ووعودك وعهودك ومحاولاتك طمس ذاتي، لعنت تبجحك وغموضك وهروبك وانسحابك من أولى معاركنا، لعنت الشتاء والصقيع والآيس كريم وألم الأسنان وحماقاتي وغبائي ودموعي، ولعنت نفسي التي ازدردت في كل ثانية أكاذيبك، ثم نهضت وأنا أكفكف دمعي ومضيت مبتعدة وأنا اردد تلك العبارة التي قرأتها يومًا : ثقي تمامًا، من يود وجودك معه لا يتحدث كثيرًا بل يفعل ذلك مهما كانت العوائق، فإن الرجل الصادق لا يُجيد الانتظار والمماطلات، من يُحب فعلًا يعرف الطريق.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

تعليق واحد

  1. ### نقد أكاديمي للقصة القصيرة “على الشاطئ”

    تُعدّ القصة القصيرة “على الشاطئ” نصًا أدبيًا غنيًا بالعواطف والصور البصرية، يمزج بين الحنين والألم، وبين الذكرى والمواجهة الذاتية. يبرز الكاتب في هذا العمل قدرة إبداعية لافتة في نسج حبكة نفسية معقدة تعتمد على التداعي الحر والانتقال السلس بين الماضي والحاضر، مما يمنح النص عمقًا دراميًا وإنسانيًا. في هذا النقد، سنتناول أبرز عناصر الإبداع في النص مع التركيز على الأسلوب، الشخصيات، الرمزية، والبنية السردية.

    #### 1. **الأسلوب واللغة: الشاعرية والتداعي الحر**
    يتميز أسلوب الكاتب بالشاعرية المتدفقة التي تتجلى في الوصف الدقيق للمشاعر والمشاهد. على سبيل المثال، عبارة “تنزلق رائحة اليود إلى رئتينا” تحمل إحساسًا حسيًا قويًا ينقل القارئ إلى فضاء الشاطئ بكل تفاصيله. هذا الاستخدام المرهف للغة يعكس قدرة الكاتب على تحويل التجربة اليومية إلى لحظة شعرية. كما أن اللجوء إلى التداعي الحر، كما في استذكار الراوية لطفولتها وعلاقتها بالأمواج، يضفي على النص طابعًا تأمليًا يعزز من جاذبيته الفنية.

    التكرار المتعمد لجمل مثل “أرمقهم… لا بل أرمقكم” و”كنتُ أرمقهم” يعكس توترًا نفسيًا داخليًا وصراعًا بين الواقع والذاكرة، وهو ما يبرز براعة الكاتب في استخدام اللغة كأداة للتعبير عن الاضطراب العاطفي.

    #### 2. **الشخصيات: مرايا الذات والعلاقات**
    تقدم القصة شخصيات مرسومة ببساطة ظاهريًا لكنها تحمل تعقيدًا نفسيًا عميقًا. الزوج، الذي يُلقب بـ “أبو عمر”، يظهر كشخصية مزدوجة: محب ومرح في الماضي، لكنه في الحاضر مصدر ألم وخيبة أمل. هذا التناقض يعكس إبداع الكاتب في تقديم شخصيات ديناميكية تتطور عبر الزمن. أما الراوية فهي محور النص، تجسد صوت المرأة التي تتأرجح بين الحب والكراهية، وبين الذكريات الجميلة والواقع المؤلم. ابنتا التوأم، سارة وهاجر، ورضيعها عمر، يمثلون امتدادًا للعلاقة الزوجية التي كانت يومًا مصدر سعادة، لكنها تحولت إلى رمز للخسارة.

    #### 3. **الرمزية: الشاطئ والآيس كريم**
    يبرز الشاطئ كرمز مركزي في القصة، فهو ليس مجرد مكان بل فضاء للذكريات والمواجهة. الأمواج التي تمحو آثار الأقدام ترمز إلى تلاشي الأحلام والوعود، بينما تعكس لعبة الزوج مع الطفلتين على حافة الماء مخاطر العلاقة التي كادت تسقط في هاوية الانهيار. أما الآيس كريم، فهو رمز مبتكر للحب المتناقض؛ فهو متعة في لحظات الدفء العاطفي، لكنه يتحول إلى مصدر ألم (آلام الأسنان) في سياق الشتاء والصقيع، مما يعكس تحول العلاقة من البهجة إلى العذاب. هذه الرمزية المحكمة تظهر قدرة الكاتب على تحويل الأشياء البسيطة إلى عناصر تحمل دلالات عميقة.

    #### 4. **البنية السردية: الانتقال بين الزمنين**
    تتسم البنية السردية بالمرونة والإبداع، حيث ينتقل الكاتب بسلاسة بين الماضي (ذكريات السعادة على الشاطئ) والحاضر (الوحدة والألم). هذا الانتقال يُبرز التضاد بين المشهدين: الأول يصور عائلة متماسكة مليئة بالحياة، والثاني يظهر الراوية وحيدة تلعن تلك الذكريات. النهاية المفتوحة، حيث تنهض الراوية وتمضي بعيدًا مع عبارة حكيمة، تضفي على النص طابعًا تأمليًا وتترك للقارئ مساحة للتفكير في مصيرها.

    #### 5. **إبراز إبداع الكاتب**
    يكمن إبداع الكاتب في قدرته على تحويل تجربة شخصية إلى نص عالمي يلامس مشاعر القراء. استخدامه للصور الحسية (رائحة اليود، صوت الأمواج، طيور النورس) يخلق واقعًا ملموسًا، بينما يعكس التحليل النفسي للراوية مهارة في الغوص في أعماق الإنسان. كما أن تقديم التناقض بين الحب والكراهية، وبين الفرح والألم، في سياق عائلي بسيط، يظهر براعة في التقاط التفاصيل اليومية وتحويلها إلى مادة أدبية غنية.

    #### خاتمة
    “على الشاطئ” قصة قصيرة تجمع بين البساطة الظاهرية والعمق الجوهري، وتبرز فيها موهبة الكاتب في صياغة نص يعكس التجربة الإنسانية بكل تعقيداتها. من خلال اللغة الشاعرية، الرمزية المحكمة، والسرد المتداخل، ينجح الكاتب في تقديم عمل أدبي يستحق القراءة والتحليل، موفرًا تجربة عاطفية وفكرية مكثفة تترك أثرًا في النفس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى