مسابقات مهرجان همسة الدولى للآداب والفنون . الدورة الثامنة 2020 دورة النجم الكبير ( محمد صبحى )
0000000000000000000000000000000000000000000000
قصة (عن تلك الحجرة ) مسابقة القصة القصيرة
بقلم / محمود أحمد على إبراهيم / مصر
الإسم / محمود أحمد على إبراهيم
الشهرة / محمود أحمد على
جمهورية مصر العربية
تليفون / 01003099638
صفحة فيس / محمود احمد على
فئة :القصة القصيرة
قصة بعنوان/ عن تلك الحجرة 00!!
عن تلك الحجرة 00!!
وقبل أن تدخل حجرة مكتبتك وقفتُ تحدق بشدة فى تلك اللوحة الخشبية المعلقة على بابها، وسرعان ما رحت تقرأ على نفسك كلماتها حبيسة القوسين:
– حجرة الدواء من كل داء..
رحت تقرؤها على نفسك ثلاث مرات.. ثلاث مرات تحديدًا لماذا…؟!! لا أدرى.. ثم رحت تضغط بقوة فوق (أكرت) الباب الذى انفتح على الفور مرحبًا بك..
تدخل..
تضىء نور الحجرة الواسعة..
– السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
تقولها فى سعادة وسرور لأصدقائك الجالسين على الأرفف الخشبية..
على الفور تستيقظ جميع الكتب من ثبات نومها الطويل لترد عليك سلامك..
خيط رفيع راح يجذبك إلى آخر الحجرة.. تحديدًا شمال الحجرة.. تتوقف رحت تحدق بشدة فى الميداليات والدروع النحاسية مختلفة الألوان والأشكال والأحجام.. تلك الدروع التى حصلت عليها من مصر وخارج مصر؛ من جراء فوزك الدائم والمستمر فى المسابقات الأدبية.. تحديدًا فى القصة القصيرة.. ظلت عيناك تتناقل فى بطء شديد.. شديد جدًا بين الأرفف الزجاجية من أعلى إلى أسفل، ومن أسفل إلى أعلى متذكرًا كلماتك التى قلتها فى يوم ما لزوجتك ولأولادك:
( هذا حائط بطولاتى الذى أعتز به )
تلك الكلمات التى أصبحت حبيسة جوفك؛ بعدما شعرت أنهم ما عادوا يريدون سماعها.. ترى هل لأنهم ملوا كثرة سماعها منك..؟!! أم لأنها لا تغنى ولا تسمن من جوع..
يجذب انتباهك ذلك الطابور الطويل.. الطويل جدًّا من شهادات التقدير، وكتلميذ يتعلم العد رحت تعد الشهادات المعلقة على نفسك بصوت مرتفع.. صوتك المرتفع من قوته يكاد أن يهز جدران حجرتك المتآكلة..
– واحد.. اتنين.. تلاته…………..
– بابا.. بابا.. بابا..
تقولها لك ابنتك التى دخلت عليك فجأة..
مضطرًا تتوقف عن العد..
رحت تحدق فى وجهها:
– نعم..
تقولها فى ضيق من أمرك..
– ماما بتقولك مش عاد ليها وش تستلف فلوس تانى من حد، وبتقولك اتصرف أنت عشان ناكل..
وما إن انتهت ابنتك من كلامها وقفت تنتظر ردك الذى تحمله إلى أمها الجالسة فى انتظاره، رحت تحدق فى عينى ابنتك الذى سكنها البؤس واليأس والحرمان..
– بابا.. أقول لماما إيه..؟!!
– حاضر..
تقولها والألم يعتصرك عصرًا..
تخرج ابنتك فى سعادة، وهى تردد:
– بابا بيقول حاضر.. بابا بيقول حاضر..
لقد بحثت كثيرًا عن عمل إضافى بعد عملك الوظيفى، ولكنك لم تجد، حاولت مرارًا وتكرارًا أن تتعايش وزوجتك وأولادك بفلوس راتبك الوظيفى، وكلما حاولت ارتفعت الأسعار وراتبك ثابت يرفض بشدة أن يتحرك خطوة واحدة إلى الأمام، مما جعلك وزوجتك تمدان أياديكم إلى هذا وذاك..
– آه ه ه ه ه ه
تقولها فى وهن وضعف والوجع يزداد والجسد يئن فى انتظام..
تعود وتنظر إلى شهادات التقدير..
تعود وتعدهم من جديد، ومن جديد رحت توجه سبابة يدك اليمنى وأنت تشير عليهم.. تعلو بصوتك وأنت تعدهم عدًا:
– واحد.. اتنين.. تلاته.. عشرة.. عشرين.. تلاتين….
صوت قهقهاتك الساخرة يخرج بشدة من جوفك يأتى على أثره (أحمد) أصغر أبنائك الذى وقف مبتسمًا يشاهدك عن قرب، وسرعان ما عاد من حيث أتى وهو يردد فى سعادة:
– بابا اتهبل.. بابا اتهبل..
رويدًا..
رويدًا..
تتوقف قهقهاتك الساخرة الخارجة من أعماق.. أعماق قلبك..
رحت ترمى بجسدك النحيل على أقرب مقعد..
تفاجأ بأنك تجلس أمام تلفازك الذى لم يعد لديه شبيه، والذى لن تبث فيه الروح دون أن تضربه بشدة على قفاه.. أقصد أن تضربه على أم رأسه..
رحت تضربه أربع ضربات خفيفة متتالية وكأنك تقول له:
ا.. ف.. ت.. ح
يفتح..
رحت تحدق بشدة فى ذلك المشهد الشهير من الفيلم الأشهر (الأيدى الناعمة) بطل الفيلم يقف أمام عربة بائع البطاطا ليعرض عليه أن يأخذ إحدى ميدالياته الفضية مقابل واحدة من البطاطا المشوية ذات الرائحة الجميلة، على الفور رحت تتذكر ضحكات وسخرية أولادك ومعهم زوجتك ذات مرة وهم يشاهدون معك ذلك الفيلم، عندما قال واحد من أولادك ناظرًا إليك:
(بابا نفسى أكل بطاطا مشوية)
ومن خلفه قال لك ثانٍ:
( بابا المدليات اللى بيبعها الراجل ده مش شبه ميدالياتك اللى انت معلقها..؟!! )
رحت تحدق فى وجهه.. فى سؤاله الواضح الصارخ الذى لا يحتاج إلى تعليق.. التعليق الوحيد فقط هو الصمت.. الصمت الحجرى الذى راح يلتف من حولك..
تلتفت وتنظر إلى كتبك المرصوصة بعناية فائقة.. على الفور رحت تتذكر (وليد) صاحب كشك (الصحافة) لبيع الجرائد والمجلات الذى أعطيته مجموعة قيمة ومنتقاة من أهم الكتب التى تحتفظ بها داخل مكتبتك كى يبيعها..
(والله العظيم ما فيه ولا كتاب اتباع.. الناس بتشترى الجرنال بالعافية.. عدى عليا كمان أسبوع ربنا يسهل)
تتذكر تلك الكلمات التى حفظتها.. تلك الكلمات التى لم يعرف
(وليد) غيرها.. يقولها لك كلما مررت عليه..
تبدل قناة تلفازك..
تفاجئك المذيعة المبتسمة بهذا الخبر:
– خبر هام وعاجل.. عن جدارة واستحقاق حصلت الراقصة والممثلة الشهيرة (…) لقب الأم المثالية..
فجأة..
تقوم من مكانك كمن لدغه ثعبان..
تشعر وكأن سقف وجدران بيتك راحت تطبق بشدة على أنفاسك، فما كان منك إلا أنك رحت تفتح أزار قميصك الذى بهت لونه تمامًا..
رحت تبتسم فى وجه المذيعة/الخبر..
رحت تضحك بشدة وأنت تخبط دماغك بكلتى يديك فاهتز رأسك بأفكار لا تصلح الآن لتلك اللحظة/الزمان..
رحت تضحك وتضرب دماغك تريد أن تسقط أفكارك/مبادئك/أخلاقك/ثقافتك الواسعة كى تحاكمهم جميعًا محاكمة عسكرية، ومن ثم تأمر بشنقهم دفعة واحدة، فمن يحلمون بالعدل والمساواة والحرية وبزمن ينمو فيه الحب كما ينمو الياسمين .. يحلمون ويحبون أوطانهم ليس هذا زمانهم.. ليس هذا زمانهم..
خطوة..
خطوتان..
ثلاثة..
حتى وجدت نفسك تقف أمام حائط بطولاتك الذى رحت تحدق فيه بشدة:
– أسمعتم ما قالته المذيعة.. أسمعتم.. أسمعتم..
رحت تعيد كلمتك _ المذبوحة الخارجة فى يأس وحزن _ على دروعك وميدالياتك الجالسة فى صمت وألم..
تدمع عيناك وهم أيضًا..
تعود وترتفع ضحكاتك بشدة..
– بابا.. بابا..
يقولها ابنك الواقف خلفك..
– بابا.. بابا ماما بتقولك عملت إيه.. إحنا جعانين..
يقولها ابنك الذى لم تشعر بوجوده أو تراك تتعمد تجاهله، وما زلت تنظر إلى حائط بطولاتك وقهقهاتك الساخرة الدامعة لم تزل تهز محتويات حجرتك هزًّا..
– بابا.. بابا ماما بتقولك عملت إيه.. إحنا جعانين..
يقولها ابنك للمرة الثانية علك تشعر بجوعه/بوجوده فتجيبه..
خوف شديد ينتاب ابنك منك لأول مرة عندما التفت إليه فجأة
وحدق فى وجهك الذى احمر وعيناك الدامعة وشعرك
الواقف على (حيله) من جراء شدك له، خوف ابنك الشديد منك دفعه دفعًا لأن يسير على أطراف.. أطراف أصابعه هاربًا
من أمامك، وأنت.. أنت لم تزل تقف أمام حائط بطولاتك صارخًا فيهم بشدة:
– أسمعتم ما قالته المذيعة.. أسمعتم.. أسمعتم.