ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : فرح . مسابقة القصة القصيرة بقلم / جويل ديكران خاجيك . سوريا

الاسم: جويل ديكران خاجيك ، اسم الشهرة: جويل خاجيك
الدولة: النمسا/الجنسية: سورية
رقم الهاتف والواتس: 00436648231111
https://www.facebook.com/jowel.saliba صفحة الفيس بوك الشخصية
فئة المشاركة: القصة القصيرة
العنوان: فرح

“كيف سننقل لها الخبر؟” كانوا يتهامسون أمام باب الكنيسة باضطراب وحيرة.أمّا هي فكانت واقفة أمام مذبح الرب فاتحة أذرع قلبها تتضرع إلى العليّ القدير.عيونها معلّقة على المسيح المصلوب و نفسها تتلفح ثياب القديسين،تتلو صلواتها بصمت مريم العذراء و تردد طلبتها للرب شاكرة له مسبّحة لمجده و قدسه،متضرعة لرحمته و حماية ابن بطنها جنديّ الوطن.دخلوا بيت الرب بخطوات مهزوزة و قلوب منقبضة مذعورة.همسوا لها بإجلال وطلبوا منها أن ترافقهم.ارتجّت من الداخل ونبضُ قلبها يصلّي علّه خير.”ابنكِ مصاب”
تجمّدت أمام تلك الكلمات وتأوّهت محاولة أن تفهم تلك الحروف ثم أطلقت كل حروف السؤال:”كيف؟ ماذا؟ لماذا؟ متى؟ أين هو ولدي؟”
كانت قلوبهم تبكي ووجوههم ترثي لكن كلماتهم أمام جبروت الأمومة تصمتْ.
“لماذا جئتم بي إلى هنا ولما كل هذه الحشود المجتمعة في البيت الكبير؟أخبروني ما الذي حصل لفرح ودعوا عيوني تراه وكفَّي قلبي تمسح دم عروقه”
كبركان خرجت دموع الأقوياء،دموع لا تعرف من تبكي؟ أتبكي الفرح أم تبكي نفسها أم تبكي هذه الأم وهذا الأب! عَلا الصوت المخنوق:
“فرح شهيد”
ارتعد المشهد أمام صورة هذه الأمّ، تدثّر بثياب الفجيعة والصدمة،سيفٌ استقر في الأضلع ورصاصة أصابت القلب مباشرة فسال نزف من دمع و عويل.صاح صوتها:
“أين هو فرحي؟”
هلّلت للسماء وضربت على صدرها الذي يكتوي بالنار، فتنقطع الأنفاس ثم تعود لتتنهد الجرح المفتوح. لا تعرف في أي دوامة يدور جسدها في هذه اللحظة غير مدركة ما يجري في داخلها وحولها.استفاقت وهي تكرر سؤالها: “أين؟ كيف؟لماذا؟ومتى؟”
“قذائف قضتْ عليه وعلى مجموعته هناك في درعا، في الشيخ مسكين”
صرختها الهامسة المخنوقة انطلقت كقذيفة هزّت الأرض تحت أقدام الموجودين وهي تقول:
“لكن فرح ما زال في بداية الثلاثين. متى سيأتي لأغسله بدموع قلبي وانشّفه بقبلات صدري، أمسحه بالطيب والعنبر وخصلات شعري.أين وضعتموه؟دعوني أشتم رائحته الزكية وعطر الفرح الذي يخرج من وجهه، أنتزع شظايا الحرب من جسده وأضع على كل جرح قبلة و وردة.متى سيأتي العريس؟ لما أنتم صامتون ولماذا تبكون؟سنزفّ العريس.عريس السّماء والأرض”
رحلت بعيونها إلى وجه زوجها:”لا تبكي يا عزيزي سنحمله كما كنّا نحمله عندما كان رضيعاً،سنهزّه كما كنا نهزّه في سريره لينام ونقول له: نام يا قرّة عيني.نوماً أبدياً حيث لا صراخ و لا دموع،لا أوجاع أو آلام، لا قنابل و لا بندقية.حيث لا شيء سوى السلام.قتلوك يافرحي وهل الفرح يموت؟”
ثم نادت على ابنها الذي أصبح وحيداً:
” تعال يا ولدي واسمع ما يقولونه عن أخيك.هل تصدقهم؟ اسألهم عنه ومتى سيأتي ربما يسمعونك ويجيبوك.”
اختنقت الحروف في صوت الأخ المنكوب وانغرزت الدموع في قلبه:
“إنّه شهيدُ الوطن يا أمي ..إنّه شهيدُ الوطن يا أبي.”
سكون مخيف عمّ المكان وهو يترقب وقع الخبر و حزن الظلام.و بعد برهة، تمزّق الصمت المريب بدموعٍ مقتولة لتُطلِق رصاصة جديدة، مُشهّرة سيفاً قابضاً يطعن بقوة :
“المنطقة محاصرة ،لا أحد قادر على الوصول إليه الآن ”
“محاصرة!و هل الأموات يُحاصَرون ؟”
على مسرح الموت وقفتْ تماثيل الحزن متعرية من ثيابها السوداء، قابعة في ظلام و ضياء، متوشّحة الدمع و العزاء.
“علينا التجهيز لمراسم الدفن” ولكن أين جسد الفرح!
“إنه هناك على أرض تشتعل بنار القذائف.يرقد على حبّات من تراب نديّ بقطرات دمّه الغالي.”
في صباح اليوم التالي ابتدأ موكب الجنازة والقلوب المتألمة تهتف هناك: تعال يا فرح واشهد على جنازة عرسك الكبير. أمك تحمل صورتك يا أيها الجندي المبتسم، في يدك بندقية وفي مبسمك سلام وطمأنينة. شمسك تشرق في قلوب محبيك لتغزل في عيونهم دموعاً وتسقط على قلوبهم حريقاً.تعال أيها البطل وشاهد المسيرة العظيمة،آلاف من الناس تسير وراء صورتك المرصعة بحجارة من قطع جسدك النازف هناك. يحملون الرايات والأعلام والصور واسمك عليها مكتوب بحروف العزّة وشهادة للوطن. طبول و مزامير تعزف لك لحن الوداع، تجول في شوارع مدينتك التي تنحني أمام طيفك.نثروا على طرقاتها الأرز و زهر الياسمين لتعطر قلب أحياء كنت أنت حارسها. تعال واسمع حناجر الرجال التي تبجّل اسمك بالفخر والاعتزاز وهم يحملون على أكتاف قلوبهم نعش الفرح، نعشك الذي انقسم الى آلاف من الأجزاء. تهاليل النساء ترتعش وأجراس الكنائس تقرع مبتهجة حزينة. حزن على فرح وفرح على حزن، يصرخان عالياً ليشقّا السماء.زيّنوك بالورد وكرّموك بوسام من ذهب الإخلاص،محلّى بجواهر التضحية والوفاء.وهل هناك عرس بلا عريس! عرس فرح الذي كانت صلاته سلاحه، وحبات المسبحة الوردية قلادته واسم الرب وسامه. فرح الذي كان ينظر إلى ظلمة الليل فلا يرى منها إلا النجوم تضيء سماء مقلتيه.ها هم يزفّونك روحاً بلا جسد.أدخلوك الكنيسة بالبخور وشموع الياقوت، والورد زيّن كل شيء إلا التابوت.وضعوا على رأسك إكليل الشهادة، وتلوا صلوات الرحمة ورنّموا ترانيم الطاعة.
الأم تصمت في وقار: “أنا أمَة الربّ، أنا أمَة الوطن، أنا أمّ الفرح، أنا منكوبة الحزن”
الأب يقف على أرض الصلابة والحنان:” أنا يوسف الوديع، أنا لوطني مطيع، أنا أصمت أمام إرادة ربي الشفيع، أنا في صدري نار ولهيب”
والأخ يرتعد برأس مرفوع إلى السماء وفي قلبه ألف آه و آه:
“فرح جرحي الأبدي.كيف العيش بدونك يا جناحي الذي انكسر”
كم من فرحٍ قُتِلْ قبله.. وكم من فرحٍ جُلِدْ بعده. ومضت السنوات وما يزال فرح تائهاً في أرض بعيدة، وما تزال الأم تناجي وتنتظر حفنة من تراب ولدها لتزرعه فيما تبقى لها من عمر وتسقيه بدموع لم تجف بعد، حبّة تراب ترقّع بها قلبها الممزّق لتتفتح فيه جروحاً من أقحوان وياسمين وقرنفل. وما يزال والده يلتهب بحريق الفراق ينتظر أن يطفئه الندى الذي على وريقات الفرح. وقلب ابنهم ما يزال ينبض باسم أخيه الشهيد والجرح في روحه ينحني كلمّا من وريده على السّطر كتب: الشهيد الملازم شرف فرح هيثم فيلو(10.5.1983ـ8.11.2014). تبكيكَ الأرض و تفرح فيكَ ملائكة السّماء، فلروحك ألف تحية و سلام.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى