ط
الشعر والأدب

قصة قصيرة .. ألم مزمن ..بقلم / أياد خضير / العراق

قصة قصيرة الم مزمن
كانتْ ليلةً فقدتُ فيها الجرأة، وفقدتُ فيها ذاك العناءَ وتلك الرغبة الملحّة التي تظلُّ تضرب غشاوةً على أفكاريَ كضرب طبلٍ أجوف بيد قويةٍ صُلبة لا تلين ولا يشكمها قانون.. إنّه الشعور بالصرخة رغم التخاذل…
لا أعرفُ بالضبط، هل أُصبتُ بالأرق؟
أم أنَّ الليل هو الذي اُصيبْ…؟
لقد كانت ليلةً رمادية أوحشتْ صلواتي، تجرّعتُها على مضض، وبدون إرادة: لنتناقش فلسفةً! حول كوب شاي اِنتحرتْ فيه ذبابة، ولعلّها من ذبابات سارتر، لأنّها غريبةُ الطبع.. كانت تدور.. وتدور، وتطنّ في الجوِّ منقضّةً على أيِّ شخصٍ يمر، حركات لا حصر لها.. لم أتمالكَ زمام نفسي، داهمتني صورٌ غريبة كثيرة قابعة لم تغادر مخيلتي.
أبي.. لقد زرعتني في صحراءَ لا مطرَ فيها وذهبتْ… قالوا لي إنّك ستعود محمّلاً بالحنين.. راكباً خيوط الشمس، لكنّك لم تأتِ أبداً…
وتهتُ في الصحراء وحيداً وبكيتُ على أمّي ولازلت أبكي، لأنّني لم أذهبْ إليها عندما نادتني وأنا أتلصّصُ وراء الباب أنظر إليها قبل أن تغادرَ الحياة، لم ألبِّ طلبها، ربّما أرادتْ تقبيلي و.. آه.. ليتني مِتُّ قبلها، أنا جبان ! أو ربّما خائفٌ من الوداع.. لا أدري ما أصابني وأنا طفلٌ دونَ السابعة, كلّما أتذكّرها، يصيبني أرقٌ… يبقى النعاس راكداً في مقلتي، أحسستُ بخدرٍ مقزّز.. لا بد وإنني سأختنق.. لم أطقْ ذلك الهولَ المباغتَ فهبّت كل عضلة من جسدي المنفوش لأخوض تجربة المأساة التي لازمتني منذ الصغر، أحالتني إلى كومة أعصاب ممزّقة أرتعش فتهتُ في سمفونيات خالية من النغم الممجّد, غلقتُ الباب ورائي بقوّة، اصطكّتْ أسناني.. هربتُ إلى الشارع .. الملاذ الفسيح، يدفعني تيارٌ أسود من الهواء الرطب وهو يكاد يمزّق ما يغطيني من ثياب فأنتهي بفاجعة لا أستطيع تحمُّلها، أصابني صداع عنيف… أمسكتْ يدي اليسرى بأختها، فألفيتُها تهتز، ومسستُ أصابعي فوجدتها مخدّرة… تسلّط ضياء الشارع الضبابي على عيني، فأسدلَ عليها غشاوة كثيفة، كدتُ أقع من جرّائها على الأرض لعدم تمكّني التمسّك بالحائط المتهرّئ .. رجعتُ إلى غرفتي, ألفيتني أتمدّد باسترخاءٍ معلناً استسلامي إلى ذكرياتي التي لازالت إلى اليوم تؤرّقني وتحرق ما تبقى من شعر أسود!!
اياد خضير / العراق

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x