مكتب الأردن.
د.منال أحمد الحسبان
تَسْدِيدَة..
عندما كنتُ في الصفوفِ الأولى من مرحلة الابتدائية، كنت استعجل يوم الخميس من كلِّ أسبوع لاستمع فيه إلى حكاية جديدة من المعلم الوحيد الذي كان يعرف الحساب والدين والعربي والرسم والرياضة والخط، بعكس أبي الذي لم يكن يعرف منها شيء سوى الدين، وبالكاد يستطيع عد الدجاجات، ولا يعرف من العربي سوى أنه شقيقه، ولم يكن يعرف بأن للفحم فوائد غير التدفئة، وكان نحيف الجسم لا مصلحة له في الرياضة، ولا يعرف من الخطوط إلا الاستقامة. حدثنا معلم كل شيء في نهاية أحد الأسابيع عن حكاية حذاء أبي القاسم، ضحكنا ولم تسكت الضحكات، عدتُ إلى البيت وأنا أحفظها كاملة دون مساعدة من أحد، أعدتها على مسامع أمي، اكتشفت بأنها تعرفها، وعلى أبي، وعلى أختي فحفظتها، صرت أرى أبا القاسم في كلِّ حذاء، بقيت الحكاية واحدة من الحكايات المثيرة والمشوقة حتى في مرحلة بلوغي، وعندما كبرت صرت أبحث عن غرض الأحذية في غير الانتعال، حتى رأيت من جعل من حذائه في العراق قيمة ضرب به رأس الحربة وأصابه، فتجلى الحذاء بأفق أكبر مما هي عليه بريهات الكثيرين من القادة، وصار أغلى من باتا ونيوبالاس وأعلى من أطول سيدة تنتعل أكبر مسؤول في أوسع قصر، وصار حذائه على لسان كلِّ مسؤول.