ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : لا تتحدث أبدًا . مسابقة القصة القصيرة بقلم / شريف الكردي

الاسم: شريف الكردي
الشهرة: شريف الكردي
رقم الهاتف والواتس اب: 01116638085
لينك الفيسوبك: https://www.facebook.com/sherif.elkordy.5/about
صفحة الفيسبوك: https://www.facebook.com/profile.php?id=100063796364086
المجال المشارك به: القصة القصيرة
عنوان القصة: لا تتحدث أبدًا
لا تتحدث أبدًا، هكذا قال لي أبي رحمة الله عليه وهو على فراش الموت ولا أعلم لمه لم ينطق الشهادة فضلًا من تلك الجملة التي لم يعاونه الوقت في إكمالها لي إن كانت لها كمالة، وحقيقة الأمر لم أشغل بالًا بما قال وظننتها من هذيان الاحتضار ليس إلا ولم تزورني جملته إلا الآن وأنا على فراش الموت أعاني من أمراض لا حصر لها ولا أقوى على الحركة ويظل أبني بجوار كلما أستطاع. جل ما أقوى على فعله هو التفكير وبأن أسبح في ذكريات ولت لا تعد ولا تحصى، وجملة أبي ظلت ترفرف أمام ما تبقى من بصري وبالطبع لم يكن المعنى منها كبادئ تفكيري وتحليلي لها بأن أصمت تمامًا وأمتنع كالأخرس عن الكلام أو حتى بأن أمتنع عن الحديث السيء أو أن أغتاب الناس وما إلى ذلك، حتى تذكرت حكاية والدي الذي قصها علي في أحد الأيام وهي أنه كان في شبابه يتحدث كثيرًا مع كل المحيطين والمعارف عن حلمه بتأسيس مكتبة بها عدة أقسام ولم يتحقق حلمه أبدًا لتعثره ولبعض العقبات الحياتية التي مر بها ليتفاجأ بعد مدة بسبع مكتبات فتحت للعد ذاته ممن أخبرهم ففطنت أن هذا ما كان يقصده لكنه بعد فوات الأوان فما تبقى من العمر لحظات قليلة. لو كنت أدركت جملته الثمينة حينها لكان الحل غير الحال، تذكرت حديثي المطول عن واحد من أحلامي التي كانت تلازمني أينما ذهبت وهو بأن أفتتح مطعم فريد من نوعه ويقدم طعام لا يوجد منه بالمدنية وربما البلد كلها واجتهدت حتى أصبح معي دراسة جدوى لا تخر الماء محكمة إلى حد الكمال وباغتني آنذاك وفاة والدتي وأُلهيت في وضعي الجديد حينها من تحمل أشياء كثيرة كنت أظنها يسيرة جدًا وظللت أدعو لأمي ليل ونهار على شقائها لسنون دون أن تنبس ببنت شفة ورسبت أيضًا بدراستي الجامعية في ذلك العام لأتفاجأ كما تفاجأ والدي بالمثل من افتتاح ثلاثة مطاعم على يد من أخبرتهم وفي الشارع ذاته يتنافسون بفكرة ليست بفكرتهم ولم يكلفوا نفسهم حتى بأخباري أو دعوتي لأرى حلمي وهو يتحقق على يد الأخرين، وقلت لنفسي سرًا: أتريد من سارق طعامك أن يدعوك إليه! وما أن نجحت المطاعم الثلاث أصبحت المطاعم من هذا النوع عديدة في أرجاء المدينة والمدن المجاورة وربما صارت الآن أكلاتها شعبية وبكل مكان. ومرت الذكريات أمامي كشريط سينمائي الذكرى تلو الأخرى من الكثير والكثير مما تحدثت به مع المقربون اللذين ابتعدوا والبعداء اللذين ظلوا على بعدهم لتنفيذهم كل ما طمحت إليه يومًا بحذافيره بينما بقيت أنا بلا حراك أنظر إليهم بحسرة وندم وندمي الآن أشد وأقوى لمعرفتي السبب متأخرًا فلربما كان أوقف وأحد من شلال الأحلام الهابطة فوق رؤوس الغير ينعمون بما أرهقني لفترات كبيرة أفكر به وأبحث عن مزاياه وأتغاضى عيوبه، أيقنت مقولة (داري على شمعتك تقيد) وغيرها من مقولات وحكم غفيرة بالمعنى ذاته بعدما ساح جبل الشمع الخاص بي عن بكرة أبيه. وحالما انتهى شريط ذكريات حديثي دار شريط حديث الغير لأكتشف أنني مثل الأخرين بلا فارق فكم من أحاديث قيلت لي على سبيل الفضفضة وسرقها عقلي وسبح فيها خيالي حتى حققتها ولم تكن مطلقًا تخصني، وأهم ما حققته من تلك الأحلام هي زواجي وأنجابي لأبني العزيز فلم أكن يومًا أرغب بالزواج بل كنت معارضًا له قلبًا وقالبًا حتى جلست مع صديقي ـ الذي لم يعُد بصديق ـ ونقل لي مشاعر الزواج وبأن ترى امتدادك أمام عينك يكبر ويساندك في أعوامك الأخير وصراحة نمت بذرة حديثه بداخلي أشجار وحدائق حتى تزوجت بينما هو مات وحيدًا ولم يجد من يحمله ويعاونه قط، وحلم أخر انتقلت لي مشاعره من رجل بالعقد الرابع ـ عندما كنت في عقدي الثالث ـ عن الوظيفة الروتينية التي تضمن لك دخل ثابت وتجعل يومك فارغ طوال اليوم وتتيح لك العديد من الأشياء وهكذا فعلت وصرت موظف حكومي حتى تقاعدت بعد سن المعاش وأظن الرجل مات وهو يحاول أو ربما سرق حلم أحدهم ليحققه. كما أن التلفاز والأفلام منبع لا ينفد من الأحلام وأتذكر وإن كان هذا حلمًا أنني ذهبت في شهر ديسمبر إلى الإسكندرية فقط لأتناول المثلجات وأنا جالس على شاطئ البحر حتى أنها أمطرت هذا اليوم ورقدت بالمنزل أيام أعاني من نزلة برد حادة. من الصعب أن تدرك في احتضارك أن حياتك التي حييتها ليست بحياتك وأن حيوات الأخرين هي أجزاء متناثرة منك أو بالأحرى طموحاتك المسروقة علانية بلا خجل، تمنيت أن أعود إلى لحظة حديث أبي وهو يقولها وبأن أعي ما قاله وأن أعمل بنصحه حتى أصل إلى كل ما طمحت إليه وأن أشكره وأقبل جبينه ويده على ثمرة حياته التي وهبها لي وأنا الأبله لم أفهمها، علي ألقاء قريبًا يا أبي وأرجو ألا تنعتني بالغبي فور رؤيتك لي وأن تتغاضي عن إخفاقي فأنا قمت بالواجب معي مرارًا ولم أرحم نفسي ولو لمرة بلا جلد أو لوم أو توقف.
عاد أبني العزيز من عمله وأطمئن على حالي وأعد لي الطعام الذي ـ وبالمناسبة ـ أصبح شعبيًا الآن! وأعطاني العقاقير الوافرة وظل يحدثني عن يومه وما حدث فيه، ورأيت أن من واجبي اتجاهه أن أحذره من الحديث عن أحلامه كما فعل أبي ونطقت قائلًا بصوتي الخافت المبحوح رغمًا عني:
ـ لا تتحدث أبدًا عـ..
وغرقت في السعال وضاق صدري وشح تنفسي فقلق ولدي وتوتر لما أصابني وعلى حالي التي لا تتحمل شيء وظل يطالبني بالتوقف عن الحديث ولم يلتفت لما قلت وبأن أهدأ وأتريث وركض إلى هاتفه ركضًا ليطلب الطبيب بعد أن طال السعال واحمرت عيناي ووجهي وكاد ينفجر، رأته وسمعت صوته من بعيد وهو يتكلم مع الطبيب فضحكت ساخرًا وحدثت نفسي قائلًا: الأبله نسخة مني!.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى