عماد عيسى احمد
مصر
01014218652
https://www.facebook.com/emad.eissa.92372
القصة القصيرة
—————-
(لن أحكي)
كنت قد اقترحت علي صديقي “علي” ألا نأخذ
طريقنا المعتاد كل ليلة وان نسلك طريقا مختصرا حتي نصل الي منزل الشيخ( بدر) الرابض خلف الزراعات شرقي قريتنا التي تبعد عن محل عملنا قرابة الساعة سائرين علي الأقدام…
ولأننا في تلك الليله قد حظينا ببدر في السماء يؤنس وحشتنا وحديثا مسليا بدأناه قبل ان نخرج من مكان العمل، ووليمة الشيخ بدر التي تنتظرنا هناك في منزله العامر دائما بالولائم.
بداء سيرنا حثيثا يتخلله حديثنا عن “رهف” تلك الجميلة التي انقشعت لها غيمات الشتاء وسطعت لها شموس احلامنا الدافئة، وصرنا انا وعلي نحلم بها تلقي الينا صباحا او تنير نهارنا بابتسامة، ولكنها ما استقرت غير ثلاثة ايام من ثم غابت واختفت، ولا ندري اكانت طيفا ام خيالا لم يره احد سوانا؟!
كانت تخطف ابصارنا وتستحوذ على شغاف القلوب كلما مرت امامنا وهي تنثر ابتساماتها كسهام من جعبة رام محترف تصيب بها كل قلب في سويداءه.
حتي دعانا الشيخ واصر ان نقبل ووعدنا ضاحكا
– سوف ترون ضالتكم عندي ولكن عليكم ان لا تتأخروا عن الثانية عشرة بعد منتصف الليل والا ستفوتكم الليلة ويكون نصيبكم منها الندم.
وما أن جاءت ساعة خروجنا من مصنع (البلاستيك) على الطريق الزراعي الرابط بين قريتنا والمدينة حتى بدلنا ملابسنا وخرجنا نبحث عن سيارة تقلنا لتقطع مسافة الساعة في دقائق لنبلغ غايتنا قبل انقضاء الوقت….
كانت السماء قد تكحلت بليل صافٍ، وانكشفت زرقتها ببدر منير وتراصت النجوم في نسق مهيب.
ولكن الطريق كان خاليا تماما من السيارات، مرت دقائق ولم تعبر سيارة تقلنا.
بدأ( على) فى التوجس والريبة وتسللت منه إلى روحي نفس المشاعر، ف حاولت أن اجذبه إلى حديثا يهواه وينسيه ما نحن فيه ويقضي على القلق الذي بدأ يغذو قسماته فقلت في مرح:-
– أتدري يا (على) اني أشعر اننا سنرى رهف عند الشيخ بدر هذه الليلة.
فتغيرت ملامحه المتململة وتبدلت فرحة مستبشرة ورد قائلا:
– أتدري يا (جاسر)
-اني أكاد أجزم انها قريبة الشيخ (بدر) وأنه ما دعانا الا ليؤدبنا على مجرد الحلم بها.
اقتطع (على) حديثه عند كلمة الحلم ووقفت أمامه مشدوها وقلت :
– هل حلمت بها يا (على) هل رأيتها في منامك؟!
اومأ برأسه أن نعم.
فقلت :
– احكي لي ما رأيت بالتفصيل.
قال :
– ألم نذهب إليه؟.
– بلى سنذهب إليه. ولن نسلك غير هذا الطريق من وسط الزراعات مباشرة إلى بيته هو طريق مختصر وسنقطعه معا ونحن نتحدث.
ارتاب (على) وارتبك صوته وهو يقول :-
– ولكنك تعلم يا (جاسر) أن هذا الطريق يمر بمقابر القرية في منتصفه تماما وهو طريق مخيف نهارا فما بالك ليلا؟!
-لا عليك ثق بي وتوكل على الله.
-والان يا (على) قص على ما رأيت في منامك ولكن تذكر لابد أن تحكي بالتفصيل دون نسيان.
-منذ اليوم الأول عندما رأيتها أحسست اني اذوب فيها عشقا.
تلعثم (على) وارتبك كلامه وتعرق عندما ذكر اسمها وهو يقول :
-في اليوم الثاني واعدتني( رهف) قائلة :
-سازورك الليلة، ولكن عليك أن تنام قرير العين وانا ساوقظك.
لم أصدق ما اسمع ولم يستطع لساني الكلام ولا عقلي الاستيعاب، لم انبس ببنت شفة الا ان اومأت برأسي موافقا….
-ذهبت إلى البيت بظلال اللقاء وحيرة تعصف بعقلي، ولا أخفيك سرا،، وعشقا يختلج بقلبي، لم أخبرك لاني خشيت الا اكون واعيا وان ما حدث لم يحدث.
حانت ساعة نومي، هجعت إلى فراشي اتثآب كأني لم انم منذ سنين،، وما هي إلا خمس دقائق غفوت بعدها كالقتيل.
ثم رأيتها، نعم زارتني وانا لم أكن احلم، كنت يقظا كانت عيني مبصره، والأشياء من حولي واضحة، إقتربت مني قبلتني، قبلتها، احاطتني بذراعيها فحملتها على ذراعي وافترشت بها فراشي، وعلوتها ونهلت من رحيق جسدها، انتشت وانتشيت، تبادلنا القبلات الحارة والانفاس الدافئة، حتى إذا فرغت منها وفرغت مني، قامت باسمة فرحة في عينيها نظرة انتصار وفوز لا نظرة حب وهيام ثم رحلت، ناديتها لم تجب، الححت فلم ترد، غادرتني، استيقظت بعدها، ورائحة جسدها تملاء أنفي وعبيرها صار هواء غرفتي.
-في اليوم الثالث لم اراها في العمل، رغم اني كنت اسمع ضحكها، واسمع حديث الزملاء عنها، حسبت نفسي أعمى أو أن اغضبتها فحجبت عني صورتها واحتجبت عني الا صوتها.
ثم اختفت، لم تظهر لا بصوتها ولا بجسدها..
بعدما اكمل (على) حديثه كنا قد قطعنا نصف المسافة وقد اختفت من خلفنا أنوار الطريق وما زلنا لم نرى الضوء المنبعث من منزل الشيخ (بدر)
ولكن (على) قد ثقلت خطوته وتعرق تعرقا شديدا وتهدجت أنفاسه ثم استند بيده على كتفي وهمس إلى قائلا:
(جاسر) أشعر وان شيئا ثقيلا يثقل كتفي وصدري يضيق كلما خطوت خطوه.واشش……
ثم اقتطع كلامه وجحظت عيناه وشخص بصره برعب هائل قبل أن يقول:
-انظر يا (جاسر) أنهم هناك، اني أراهم.
-من تقصد؟! وماذا ترى؟!
-هناك يا (جاسر) في المقابر، تجلس رهف على شاهد احد القبور، شعرها منسدل على كتفها تصففه وتنظر إلى وتناديني، اني اسمع ندائها.
…. والشيخ( بدر) إلى جوارها ينظر إلى باسما.
سوف اذهب إليهم.
هنا سمعت صوت الشيخ (بدر) يقول :
اتركه يا (جاسر) لقد حكي لك عن منامه بها، لقد اغضبها وهي الآن تريده هو، كانت تريدك أنت ولكن من حظك انك لم تحكي اولا ومن سوء حظه انه لم ينسي شيئا.
نظرت إلى (على) وجدته يأخذ طريقا من داخل الزراعات ويختفي عن ناظري، ناديته لم يجب، حاولت اللحاق به لم استطع، فقد سقطت مغشيا عليٓ لا أدري كيف ومتى..
استيقظت من نومي وانا على سريري، فوجدت امي بجواري تبتسم لي وتقول :
حمدلله على سلامتك، لقد وجدك عمك (داوود) بالقرب من المقابر فاحضرك إلى هنا صباحا وقال كان مغشيا عليك وسط طريق الزراعات.
قلت و اين(على) صديقي؟
-لم يجدوا (على) معك كنت وحدك
-أريد أن أذهب إلى منزل الشيخ( بدر)
-لقد غادر الشيخ (بدر) القرية وأغلق بيته وقيل إنه سافر.
-احكي لي يا ولدي ماذا حدث؟
-لم يحدث شيئا، لا تطلبي من أن احكي، لا داعي لأن احكي، لا داعي.
تمت.