عنوان ليلة استرجاع وطن
الكاتب نقموش معمر
صفحة الفيس بوك https://web.facebook.com/
[email protected]البريد الالكتروني
كانت المقاومة شديدة تلك الأيام، صور عظيمة تسوّق بين لحظة وأخرى، كانت القلوب كلّها محبوسة عند لحظة قصيرة، عقول الجميع وقلوبهم مشدودة للخبر القادم، حتى الأفكار الّتي لا تهدأ ربما اتفقت جلّها في عدم التّصديق بهذا.
سمعت جدّتي تقول وهي تضبط سمعها الضّعيف عند أقرب نقطة من التّلفاز.
يقولون عندما تنتصر فلسطين ستحل القيامة، يا ولدي هل على أن أصلي كل صلواتي اليوم؟
يومها قهقهت كثيرا ورددت تلك العبارة بيني وبين نفسي…
ـ يبدو أن جدّتي صارت تهذي فلسطين بلدي و يمكن أن تستقل مثل كل الشّعوب الّتي نالت حريتها.
بينما جدّي كان هناك يحمل جريدته كالعادة لكنه اليوم يدور بين أبواب منزلنا وحول شجرة الزّيتون وأنا أراه يتمتم بكلام غير مفهوم.
قلت له:
ـ يا جدي لقد أوجعت رأسي، لماذا لا تتوقف عن الدّوران؟
التفت إلىّ غاضبا.
ـ اصمت يا ولد، ألا تراني لا أقدر على الجلوس ولا على الوقوف؟ إنّها اللّحظة الّتي كنا ننتظرها نحن الفلسطينيون، اليوم نعرف الحقيقة، لقد حلّ اليوم المشهود لقد فعلها الأبطال.
قلت:
ـ من هم يا جدّي؟
تقدم نحوي وهو يشير إليّ لأنظر إلى صورة رجال كانوا يظهرون وكأنّهم يقاتلون ببسالة وقوة.
قلت:
من هؤلاء؟
ردّ
ـ إنّهم الشّجعان، أبناء المسجد الأقصى، إنّهم الفلسطينيون بعد كل ما قام به المحتل اليهودي ها هم اليوم يحققون حلمنا والفلسطيني و العربي.
قلت
ـ سيكون يوم القيامة كما قالت جدتي .
لا أعلم كيف قام بصفعي، إنّه الألم الجميل الّذي لن أنساه رغم قوته ورغم أنّني بكيت طويلا.
سمعت جدّتي وهي تقول له:
ـ أتضرب بني لوكنت فلسطينيا بحق لعدنا للأرض منذ زمن ما أقساك!..
فرد جدي
ـ سأقتله وأقتلك من أجلها لو كتب الله لي الشّهادة لكنت هناك معهم كما تمنيت وأنا صغيرا أن أستشهد على ارضي ، في القدس وأدفن هناك مع الشّهداء.
ليتني فعلت وليت تجربتي الأولى في السّفر إليها برّا نجحت لكنت ربما قدمت شيئا لها.
ثمّ خرج من المنزل بينما جدّتي راحت تصلي اليوم دون أن تنقطع عن صلاتها حتى عاد أبي من المدرسة.
نادي أمي
ـ يا رقية، هل هناك خبر؟
ردت أمي:
ـ لا جديدا، إننا ننتظر ككل الفلسطينيين و العرب.
قال أبي
اليوم في كنت في مدرسة عمار وقفنا في السّاحة ورحنا ننشد النّشيد الفلسطيني، كان المشهد رائعا، كنا كأننا في فلسطين والعلم يرفرف عاليا، لقد علقه المدير في سارية العلم وقال:
ـ فلسطين هي بلدنا الثّاني نحن اليوم فلسطينيون يا سيدي وأنت في بلدك.
كانت الوجوه كلّها فرحة ومبتسمة، حتى حارس مدرستهم لم أره كعادته عبوسا، لقد رأيته سعيدا ربما هو اليوم لأول الّذي يكشف عن قلبه الطّيب وعن فرحته الكبيرة، حتى التّلاميذ كأنّي بهم يريدون أن لا يتوقفوا عن الغناء والرّقص والتّمثيل، كانت المدرسة جنة وبني عمار بينهم كالأمير
ـ هههه، اليوم لم أشعر بالجوع ولم أشرب قهوتي ولم أتناول سيجارتي الّتي كانت لا تفارقني، ما سرّ هذا وأنا كنت مدمنا عليها، من كان يتوقع أنّني لن أشعل سيجارة اليوم لانشغالي بالقضية، النّاس في حالة القلق تشعل عشرين سيجارة وأنا لم أتذوق طعمها منذ الصّباح.
سمعت أختي الكبرى تنادي أمي.
ـ أين الخيط الأبيض وتقول لها
ـ أمي لقد شارفت على تصميم العلم إنّه بحجم علم الجزائري سأضعهما جنبا إلى جنب على الشّرفة وما بقي من الخيوط سأصنع علما صغيرا لأخي صلاح الدّين، هيا يا أمي أسرعي قبل إعلان الخبر إن جاراتنا قد علقن الأعلام.
سمعت جارتنا حالمة تزغر، إنّها تباشير النّصر كل النّسوة في هذا الشّارع مستعدات كي يطلقن زغاريدهن الجميلات.
تقول أمي
ـ هو تحت الصّورة الكبيرة، صورة المسجد.
ترد أخي
ـ أين؟ لدينا الكثير من صور المساجد.
الأم:
ـ بالقرب من صورة المسجد الأقصى
ـ فهمتك يا أمي، حاضر، أنا ذاهبة إلى هناك.
عاد جدي مسرعا…
ـ هل هناك خبر؟ أين المذيعة؟ كل القنوات تحلل وتناقش في القضية ولا قناة عندها الخبر اليقين.
قلت لجدي
ـ ما بك يا جدي الخبر اليوم أوغدا المهم أن تنتصر.
صرخ جدي في وجهي مرة ثانية وكأنه يريد صفعي من جديد، لم يمل من ضربي لقد أخد القلق من جدي ولم يعد يحتمل أي أحد.
قالت جدّتي
ـ إن جدّك يشبه رمضان في الصّوم فهو كثير القلق سريع الغضب كأنّه وحده فقط من يحب فلسطين…
دعه الآن ولا تحدثه عن أي شيء، تعال وساعدني في تحضير المفتول.
تقول جدتي
ـ إنّه طعامنا نحن الفلسطينيون ،إنّه طيب جدا وشهي وطريقته سهلة ولا يستغرق وقتا طويلا في تحضيره ولا يكلف.
أخذت جدّتي المقادير وراحت تعده بكل اتقان وتفان وهي تغني أغنية لم أسمعها في حياتي
كانت تقولها بصوت خاف، حاولت أن أتتبع كلماتها الجميلة، كانت جدّتي تعرف غناء القرويين وأصحاب البادية
سألتها:
ـ ماذا تقولين؟
قالت:
ـ إنّها كلمات من شعر شعبي كنا نردده في فلسطين في اللّيل عندما يخلوا الواحد بنفسه وحتى ربما يقوله وهو في حقله عند الحصاد
زرِعنا واحنا صحابه.. بالمناجل ما نهابه
زَرِعنا دنا عنـوقه.. بالمناجل والله لنسوقه
جلست عند النّافذة أنظر للسّماء أراقب طيور الحمام وهي تحلق عاليا في الفضاء.
قلت ربما هي أيضا تراقب الأمر من بعيد، لعلّها تريد أن تنقل خبرا سعيدا لشخص ما، وهي هناك في الأعلى يمكنها مراقبة كل شيء، لابد أنّها تدرك مثلنا طعم النّصر وحلاوة البشارة، هل ستذهب مسرعة إلى سيدها؟ هل ستسارع في نقل رسالتها كما كانت تفعل قديما؟
جدّي كان يقول
ـ إنّ الحمام هو رمز السّلام ومن رأى حمامة فقد رأى الحظ السّعيد، دققت نظري إليها وهي تهوي هناك خلف الجبل، لقد صارت نقطة في السّماء هناك، كنت أقول، هي الآن وصلت إلى فلسطين، هل ستفعلها وتحارب جنب الفلسطينيين؟ هل سترمي الأعداء بحجارة من سجين وتجعلهم كعصف ما أكول؟
اقترب مني ابن جارنا من خلف النّافذة، قد عاد من الخدمة الوطنية، فخرجت إليه…
سلّمت عليه، كم كنت أشتاق له، فهو كان يحب محمود درويش كثيرا، كان يقرأ لي قصائده الثّورية بحرارة وحرقة وإحساس، كانت الدّموع أحيانا تسقط من عينيه الصّغيرتين كحبات البرد، آخر ليلة لقيته فيها قبل أن يذهب إلى مدينة بشار الجزائرية كان يقول:
ـ سأعون إن شاء الله ويومها ستكون هناك أخبار عظيمة وأحداث جسام ستقع.
قال لي:
ـ أتمنى أن يكون من بينها تحرر فلسطين بلدي .
كان يقرأ لي قصيدة، عائدون، وهو يمثل أدوارها، تكاد تقطع قلبه، كان يشعرني أنّ الشّعوب إخوة، كل الشّعوب لها أمنية واحدة وهي العيش بسلام، نعم، فهمت من كل تلك العبارات الّتي تخرج من فهمه بأنّنا نحن العرب أمّة واحدة وسنظل كذلك.
كانت ساعة قضيتها معه وكان في كل مرة يقول لي:
ـ ليت الأعراس تقام هذه الليلة، ليتنا نرى المفرقعات تعلو السّماء والاضواء تبقى مشتعلة حتى الصّباح، لن أنام هذه الليلة، سأشعل شريطي المفضل عن أغاني أم كلثوم و….ليكم تعودون بعدها لأرضكم وتعيشون بسلام.
ثمّ توقف بعد حديثه الطّويل ليقول لي:
ـ عد إلى البيت، هيا، أمامي الآن شغل سأقوم به قبل الموعد، أنا متفائل جدا، هذه المرة لابد أن الله لن يخيب أمل هذه النّفوس المعلقة اليوم أنا على أمل انتصار فلسطين.
ودعته وهو كلّه فرح وابتهاج، أكد لي أنه رغم كل ما سيحدث سيبقى يحب فلسطين، فلسطين القلب كما كان يقول.
دخلت بيتنا، لم يعتد أبي على ترك الباب مفتوحا، تعجبت كيف له ينسى مثل هذا الأمر؟
ناديت أمي
ـ أين أنتم؟ لم يجبني أي أحد، فتشت في المطبخ ثم توجهت ناحية غرفة الضّيوف.
ـ آه، فرحت جدا، كم كنت متشوقا لأرى خالي الّذي
جاء من الرّيف الجزائري ، سمعته يقول لأبي:
ـ المدينة اليوم عامرة، اكتظاظ كبير في المحلات والشوارع والأعلام تملأ المكان.
لم أتمكن من الوصول إلى هنا إلا بعد مشقة وطول عناء، كانت البسمة بادية على محي الجميع عرفت أنّهم فرحون.
جلست بقر خالي
كان يقول
ـ إن سكان الريف الجزائري كسكان المدينة يساندون فلسطين إننا منشغلون جدا بالحدث وكلنا ننتظر ما سيحدث ولقد حضرت اليوم لأفرح معكم اللّيلة.
شربنا القهوة وقرر خالي أن يعود للمدينة ليتجول قليلا فلقد أعجبه منظرها وقرر أن يلتقط صورا له في ساحة الكرامة وأخرى عند بئر الفلاقة وربما ليحمل معه صورة بعد العودة للأرض ، لفلسطين بعد النصر .
نهضت من مكاني وانتابني شعور بالقراءة …
فتشت عن كتاب من بين الكتب الّتي كانت في مكتبتي الصغيرة وقعت عيني على كتاب متوسط الحجم، ألوان متداخلة وخطوط رقيقة، كانت هناك في آخر كل جزء صورة شجرة وعلم فلسطيني وغصن زيتون كأنّي به يقف شامخا وأوراقه تمتد نحو السّماء.
كان الغلاف ينم عن براعة كاتبه، تساءلت وكان تفكيري يأخذ بي أن أتخيل أمورا قد لا تحدث عند طفل مثلي لم يعرف الكثير عن اللغة ولا يفهم في دلالات الأشكال والخطوط قبل أن أفتح الكتاب كانت الصّرخات تخرج لي من بين الأوراق.
وكأنّي بأناس يخرجون من بين تلك الكلمات والألوان
وطلقات رصاص وأطفال يهتفون باسم الوطن، غازلتني تلك الأناة وجرفتني تلك الآهات والهتافات المتعالية، قلبت الغلاف ولأنّي لم أرد أن أعرف صاحب الكتاب قبل أن تشمع نفسي تأملا وتعيش كل حرف تقرؤه …
ـ الجنود يصنعون الثّورة، لا ثورة بلا قلوب من حديد، البسالة والإخلاص والوفاء والعهد، هم دائما موجودين في كل زمان وفي كل مكان هم يدافعون عن القضية يموتون ربما في بداية المعركة ومنهم من يموت قبل المعركة، لكنهم أبدا لا ينسحبون لا يرضون بالذّل والمهانة ولا يسلمون وطنهم للأعداء، نعم، الشّرفاء يضحون بكل ما يملكون، المال والأولاد والجسد.
عندما ينادينا الوطن نقف وقفة رجل واحد، نقول كلمتنا في سبات، بكل قوة دون خوف نقولها اليوم وغدا.
كانت كلمة عابرة من مقدمة طويلة كتبها الكاتب بكل أحاسيسه الجياشة، كانت كل الصفحات تدل على لغة ماتعة وسعة فكر وحب بليغ من الكاتب لفلسطين، بين كل عبارة وعبارة اشتممت رائحة الدّم، دمّ الشّهداء الّذي خلدهم التّاريخ والذين تذكر اللسنة المجاهدين في كل ذكرى من ذكريات البحث عن الحرية.
بقيت مدة طويلة هناك وأنا أحاول تقليب الكتب والتنقل بين صفحاتها لم اعرف ما ذا كنت أريد منها.
هل كنت أبحث عن الخبر هناك، فتشت الصّفحات سطرا، سطرا، عبارة، عبارة، وأنا هناك شدّني في المكتبة تمثال غريب، كان جدّي قد اشتراه من مصر من عشرة سنوات
قال لي يومها أنّ فلسطينيا أهداه هذا التمثال وقد طلب منه أن يحتفظ به كذكرى صداقة بين صديقين وأخوين من فلسطين .
قال جدّي
ـ كان رجلا يشبه بومدين.
بل رأيته يردد كلماته بكل اعجاب وفخر
قال لي أنه لم ير إنسانا يحب فلسطين مثل الرئيس الجزائري هواري بومدين.
حملت التمثال بين يدي وقبلته ثم مسحت الغبار عنه وأعدته إلى مكانه، لقد أحدث هذا أثرا بليغا وعرفت قيمة الصّداقة والحب العربي بين الشعوب …
نهض أبي وعاد إلى غرفة وأشعل النور، أرد أن يأخذ قسطا من الرّاحة تقول أمي أنّها تبعته إلى الغرفة وهي تحمل إناء كبيرا من الماء السّاخن ومنشفة.
قال لها:
ـ تعرفين يا رقية أن أول انجابنا كان ياسر، كانت ليلة تشبه هذه اللية تماما، فقط اشتد بك الألم وحملتك في العربية وصعت بك إلى بيت الحاجة فدوى، العجوز الّتي تقوم بعملية توليد نساء القرية .
قالت في تلك الليلة، أنه لم تجد صعوبة في توليد امرأة كصعوبة إخراج ياسر من رحمك، يومها بقينا خائفين أن تموتي، فقد بقيت مدة طويلة وهي تحاول توليدك بسلامة، كم انتظرناه من خمسة سنوات زواج، لم نعرف طفلا غيره ولم حان موعد خروجه للحياة خرج بصعوبة.
كانت تقول فدوى سيكون له شأن عظيم فهو مسمى على ياسر عرفات الزّعيم الفلسطيني، يا رقية، ها هي اليوم فلسطين تذكرنا في ذلك الانتظار والشّوق.
قالت:
ـ شعرت يومها أنني سأغادر الحياة وأتركك وحيدا، لقد فكرت في كل شيء بينما كان الألم يمزق أحشائي
لكنني كنت أحارب الموت لأجلك ولأجل الوعد الذي قطعانه معا،
ثمّ خرجت أمي وهي تبكي، لقد رأيت دموعها وهي تسقط بين عينيها ونظرت في زوايا المنزل وراحت تقول:
ـ ياسر أين أنت؟ واتجهت نحوي وضمتني ثم قبلتي أكثر من مرة لم أرى أمي تفعل هذا معي طول حياتي.
وهي تقول:
ـ يا حبيبي يا حبيبي… وأنا كمن لا يفهم شيئا،
قلت لها:
ـ أمي، نعم أنا ياسر.
ورحت مازحا..
ـ لكن لست يا سر عرفات.
على تلك الصّورة الحزينة كانت قلوب العائلة تشاهد اللّقطة الأخيرة من الفلم الجزائري، مت واقفا، لقد طال الانتظار لم تعد تلك المذيعة الّتي قالت ترقبوا الخبر بعد ساعة، لقد مضت ساعات وها هي الشّمس تختفي من السّماء وأضواء الشّوارع بدأت في الاشتعال.
تأخر الوقت كثيرا وغلب النعاس من غلب وعقد أمام شاشتي التلفاز جدي وجدتي وهي تنظر كيف كان يحارب نومه قالت له لماذا لا تذهب للنّوم أراك قد أغمضت عينا وتركت أخرى هههه وتضحك ويمازحها جدي قائلا
ألا تعلمين أن العين المفتوحة هي عيني وهي الوحيدة من تعرف سر البقاء، أمّا الّتي نامت فهي مثلك لم تفهم شيئا تعيد جدّتي مقولتها المعتادة فينهرها جيدّي..
ـ نامي يا وجه النّحس، منذ عرفتك ما ربحت فكيف لفلسطيني أن تنتص وقد تزوج امرأة مثلك، لماذا لا تذهبين للنّوم فهذه القضية لا تعنيكن أنتن؟
تحمل جدتي وسادتها وهي تقول
ـ حتى أنا منذ عرفتك لم أربح شيئا في حياتي، عرفتك رجلا بخيلا وشيخا عبوسا، وكل حياتك كلام فارغ لا يغني ولا يسمن من جوع.
ذهب الكل إلى غرفته إلا أنا أخذت جهاز التّحكم ورحت أبحث عن فلم أو عن حصة مسليّة، فقد ذهب النّعاس من عيني ولم أفهم بعد سبب التّوتر الّذي أنا فيه، أهو حقا لأجل فلسطين أم أنه خوفا على جدّي وعائلتي وعلى النّكسة التّي ستصيب العائلة ان لم يتحرر وطني ونعود إليه في أقرب وقت.
نظرت إلى جدّي المسكين وقد استسلم للنوم، رميت الغطاء عليه، وقلت:
ـ نم يا جدّي فلسطين في رعاية الله.
مرة ساعات وقد سافر النّوم بعيدا عن عيني لكنني شعرت بتعب شديد وملل غريب وتشاؤم تسلل بداخلي فجأة، وأنا اتنقل بين قنوات توقفت عند لافتة حمراء مكتوب عليها، عاجل، لقد تم الاتفاق أخيرا مع إسرائيل على استقلال فلسطين وقد رفعت الجلسة الّتي عقدتها دول غربية وعربية من أجل إعلان استقلال فلسطين لكن بعد التباحث أكثر الاستقلال بشروط …
قال الصّحفي:
ـ لقد صرح أحد الرؤساء الحاضرين أن من بين الشّروط
ـ لا يسمح لأي فلسطيني العودة للأرض إلا بع عشرة سنوات .
ـ اطلاق المساجين الفلسطينيين سيكون بعد سنتين من التسليم وانهاء مراسم الاستقلال التام، أن تكون كل المعاملات التجارية والاقتصادية والعسكرية مع إسرائيل قبل أي دولة أخرى وغيرها من الشّروط ثمّ واصل قوله الحمد لله لقد تم لنا ما كنا نريده والأمور الأخرى ستبقى بين الدّولتين ..
انهمرت الدّموع من عيني ولم أقدر على تمالك نفسي حينها أسرعت لأطفأ الأضواء واغلاق الأبواب وهرولت لغرفتي.
ورحت أقلب الوسادة لم أفهم الأمر ولم أقدر على اخبار العائلة أننا لا يمكن أن نعود لأرضنا إلا بعد سنوات أخرى من العذاب والحنين، قررت أن أنام ربما استيقظ غدا على خبر آخر يكون أجمل وأسعد.