الاسم عبد المحسن حسين النوبى
01008846365 قنا
مارى
كانت جلستنا علي أرضية حمام السباحة بالفندق .حيث يتراءي لنا النهر, وهو قادم من خزان أسوان .
مجري النهر ضيق. يشبه لترعة التي في قريتي. بل الترعة أوسع منه, الماءيسير متعسرا, وهو يمر بين الصخور.
الجبل الرابط خلف بيوت النوبة حارسا للمكان .النادل انتهي من وضع الطعام والمشروبات علي المنضدة.
لكنه وقف للحظات , وهو يشير بيده السمراء إلي بيوتهم .
السؤال يتردد في ذهني .
-لماذا اختاروا هذا المكان تحت الجبل , ليعيشوا في عزلة عن العالم؟
-كنا نعيش خلف السد قبل بناء البيوت التى غرقت ,وغرقت معها أحلام أجدادي .
النيل هو أساس حياتنا . نحن في عزلة أصلا .أبي وأمي وأبوهما أيضا لايتحدثون إلا النوبية .
كما تري النهر هناك لا يوجد له إلا شاطئ واحد. هوالذي نعيش عليه .أما الشاطئ الأّخر فهو جبل صخري .
كنت أترجم” لماري” ما يحدثني عنه. فهي شغوفة لمعرفة مانقوله.
أجلت ماري تناول الطعام , لحين انتهاء لحظة الغروب. لترصدها في لوحتها التي تحاكي المكان.
قرص القمر تجلي لنا , تناولنا أكلنا وكانت ماري ترمي بنظرها علي النهر. رغبت أن ترسم صورة أخري .
القمر يظهر ملامح المكان بصورة أجمل .
تركتها وهبطت درجات السلم للشاطئ ومعي صنارتي .جلست علي صخرة وقدمي تلامس الماء .
النوم يداعب عيوني ولكني كنت أقاوم, لذلك كنت أشبه بأن أكون مستيقظا.
لكن الصورة ظلت مرسومه أمامي .تتأرجح في داخلي .كان الصوت القادم أشبه بآنين يدق صداه كأجراس في أذني ,مع طبول تأتي من معبد محبوس في قاع النهر.
جذبتني تلك البيوت التي تنام في الجانب المقابل .الجبل يرسم غيمته السوداء خلفها. القمر يرسل ضوءه علي صفحات النهر. رميت صنارتي فيه, انتظر سمكة لايهمنى حجمها ,فمارى تعجب بما اصطاد .
النهر أمواجه نائمة علي حجر الليل ,و جسده اللامع يرسم وجه القمر .
يبدو أني حسدت النهر ,والكون من حولي ,فالماء شديد يلطم قدمي وينثر علي جسدي الماء.
مس الرعب قلبي . هدأ مرة أخري, ولكن مابين هيجانه وهدوئه , خيل لي أن هناك شئ ما خرج منه.
ربما يكون قاربا , كان خلف احد الصخور. لم افزع في بدء الأمر, فانا متعود أن أري قوارب الصيادين تجول النهر بالليل .ولكن
ما هذا الضوء الخافت الذي يسير ويقترب مني . الضوء يزداد في الاقتراب.
أنها أنثي واقفة يحركها شئ ما. تحمل في يدها سراجا .
قررت أن اترك صنارتي وأجري.
لم استطع التحرك ساقي أصبحت قطعه من الصخرة التي أقف عليها.
. ضوء السراج يخبئ وجهها , بينما يظهر جسدا عاريا , لا , كانت تلبس ثوبا أبيضا يشف ماتحته , فوق رأسها تاج يضوى. بينما شعرها مرسل علي كتفيها وأعلي ردفيها بقليل.
وقفت أمامي لا يحجبني عنها إلا الخوف, الذي يقرض جسدي . فكانت نبضات قلبي تدق أكثر . تعلو مع صوت الطبول القادمة من قاع النهر.
نفخت سراجها فانطفأ.
ضوء القمر ,وضوء وجهها التحما ,فبدأ وجهها القمحي بكامل استدارته .عيناها سوداوين واسعتان صافيتان .
عمرها لم يتجاوز العشرين عاما .
شفت منها ابتسامة. أيقظت نفسي من نومها , وحلت العقدة من لساني وقدمي.
عدت أفكر في الهروب لم أستطع. عادت ساقي جزءا من الصخرة التي أقف عليها. رضخت لما أتت إليه.
-من أنتِ؟
ضحكت
-أنا زوجة حابي.
-من حابي .جني هذا ؟!
أشارت بيديها للنهر
زوجة ذلك النيل
-أنت.
-نعم أنا وزوجاته الباقيات سوف يخرجن.
قلت في نفسي علي أن أماشيها في حديثها ,حتى اخرج من تلك الورطة التي أنا فيها . ساقي لم أعد أشعر بها فهي
أصبحت قطعه صخر.
-يبدو أنك لم تصدقني .
– فكي ساقي .
– تهرب .
-لن أهرب ..
-غدا سوف يلقون بعروس جديد.
-أنا آخر عروس !!
-لكن العروس التي تلقي دمية. فأنتي جميلة حقاً.
ابتسمت.
فكان ضوء النهار يخرج من بين أسنانها. لكن ظهر عليها الحزن سريعا مرة أخرى.
-لماذا أنتِ حزينه؟!
-فانت غريبا حقاً!!.
– ما وجه الغرابة؟!
-لو أنك مريض هل زوجتك ستكون سعيدة ؟
-بالطبع لا .
-هل تسمع ذلك الأنين؟
-اسمع طنينا.
-انحني .ضع أذنك علي وجه الماء.
كان الصوت أشبه بنحيب.
-إنه صوت حابي, مريض في هذا العصر.
-مم؟!
-انظر هناك ماسورة صرف للفنادق ,وبعدها ترعة صرف ترمي في بطن حابي. وأنظر أيضاً علي بعد هناك بهيمة نافقه تسير علي جسده متجهه إلي الشمال . أيضاً لو دققت النظر أكثر لوجدت بجوارهما صياد يرمي بأطراف الكهرباء علي صدره وآخر يلقي السم في فمه.
وأنت تقول لي لم أسمع شيئا فكل يوم تقتلون حابي.
الآن آنت فداء لهؤلاء .سوف نأخذك معنا ,وساقك أصبحت قطعة حجر, لا تستطيع الحراك .
نسوة حابي يقبلن حاملات تابوتا. وفي أيديهم المشاعل .أزدادت أصوات الطبول في العلو, قادمة من المعبد المسجون تحت الماء.
كانت ماري تناديني تهز رأسي وتضحك .
-يبدو أنك قد شربت حتي الثمالة!!
كنت أتحسس ساقي وانظر للوحة التي رسمتها ماري واضحك!!