ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة : مدينة التروس . مسابقة القصة القصيرة بقلم / منى عبد اللطيف . مصر

الأسم: منى هاني أحمد عبد اللطيف.

الشهرة: منى عبد اللطيف.

 

الدولة: جمهورية مصر العربية.

 

مدينة التروس

في قلب عالم مغترب منقطع الوصال

مدائنه محاطة بالأسوار

جسوره مقصوصة وحباله بالية منقوصة،

عالم تبددت فيه الأقلام، هجرته العلوم بلا رجعة فهامت مشتتة بين طرقات متاهة عتيقة شقت طريقها بين بقايا أطلال عقول بني الإنسان،

 كانت مدينة التروس حيث كل شيء يدور وابنيتها الحجرية البيضاء الاسطوانية ذوات السلالم اللولبية تارة تنظر للشمال وتارة تنظر للجنوب، يعلوها جسر حجري عتيق تقطعه بوابة شامخة من أخشاب غليظة مسلسلة بجنازير وأقفال من حديد،

محاطة بأسوار عششت على ضفتيها زروع خضراء عتيقة تحلقت حول المدينة وغربها تقع قبة نحاسيه مقدسة يحيط بها المهللون وقراع الطبول مجاذيب السر الزائف بأجسادهم المتسخة وملابسهم المهترئة وشفاهم المتشققة واسنانهم الصفراء المتساقطة وشعورهم المضفرة وأصواتهم العالية التي تشبه صياح الديكة فهم مع شروق الشمس يبدأون ولا ينتهوا إلا بسقوطهم نياما خائرون…

ولا تتعجب أيها الانسان فبمدينة التروس البشر محكومون مروضون عقولهم تاهت بلا رجعة يحيون لخدمة الضواري والسباع!

نعم، فهم الحاكمون…

يتنقلون بحرية هنا وهناك وإن خالفتهم يزأرون ويلوكون لحمك بشهية ويقرقشون عظامك بروية ويضحكون فيما بينهم على ضعفك أيها الظلام الجهول

فتموت ظالما، مأكول، مقهور ولا عزاء عليك ولا ذكرى حتى في القلوب فالجميع سواء وزوالهم محتوم…

ووسط كل هذا عاشت هي غريبة عن الجميع تحلم بغد مختلف جديد وماضٍ كان فيه الإنسان حاكم وبجماعة الصيادين الأوائل وببطولات وغزوات وفتوحات إنسانية وبعلوم وعقول فذة وحكايات وأساطير شتى قصهم عليها والدها الذي كان غريبا عن مدينة التروس جاءها عابرا

وحين رغب النزوح سُجن خلف بوابة جسرها المقصوص

فحراس البوابة من اللبوءات والنمور وإن حاولت العبور فمصيرك محتوم…

وحين قرر العودة من حيث جاء لينجوا بابنته من مصير المدينة المشهود وجد الطريق مقطوع وبالمخاطر محفوف فلقنها الحكايات حتى لا تصير كغيرها من البنات ولكن قبل ان يتمم تعليمها مات وها هي تحيا من بعده غريبة تحلم بما لا تملك وتخطط وتدبر وقد جمعت حولها بعض الصديقات تتلوا عليهن حكايات من ما مضى وفات وهن يسمعن ويحلمن في هيام

ولكن هيهات…

فليس بينهن من هي مثلها بل هن كغيرهن سواء مروضات مستسلمات حالمات بحذر ومن التعقل خائفات،

فضاقت بغربتها حتى بينهن وقررت أخيراً أن تغامر وبعقلها تكيد وبحنكتها تصيد مثلها مثل الصيادين الأوائل فصنعت رمحا خشبيا في الخفاء ونذرت نفسها للمراقبة تترصد الوقت المناسب…

 حتى حانت اللحظة وفي نهار حارق وجدته متألم راقد

وكان أحد السباع يشق ساقه جرحا غائر

فأنهالت على جسده بالرمح فصار في خبر كان

 فسحبته ولبيتها أخذته وعن جلده سلخته ولاكت لحمه بنهم وصنعت من فراءه ثوبا وارتدته وبنصرها انتشت

فخرجت من بيتها وبين قريناتها تبخترت بغنج وهن حولها يشاهدن بعجب لكنها لم تحسب حسابا لسرها الذي انكشف ولانتشار الخبر ولا للبوءة الأسد ولا للحكام من الضواري والسباع ولا لأثر ذلك على الانسان

وكان أول الحاضرين هم المهللين الذين تركوا قبتهم النحاسية وهرولوا إليها فتحلقوا حولها وهتفوا باسمها

وحين ضاقت بهم وبنتنهم وجنونهم وهربت لبيتها الذي أشاح عنها ببوابته واستدار

لتلمحها اللبوءة من بعيد وترى فراء زوجها يغطي جسدها ورأسه فوق كتفها فتزأر ليجتمع حولها جيش من مثيلاتها والغريبة يزداد خوفها ويضيق خناق غربتها

فتثور هاربة وتقطع دروب مدينة التروس

وكل شيء حولها يتجلى وكأنها للتو صارت ترى فهاهم البشر مجتمعون بوجوه حيوانية وعقول مخبولة همجية يهاجمون السباع وتهاجمهم محاطون بسيل من الدماء والغدر والحقارة فجميع الوجوه متشابهة فلا فرق بين انسان وحيوان الكل في الحرب سواء

حرب بدأتها بعنفوان وشجاعة لحظية لكنها أدركت للتو أن ليس لها فيها مكان،

ففكرت بأسوار المدينة الخضراء ربما تسلقت وعبرت للجانب الآخر لكنها وجدت زروعها أشواك!

ليسحبها بعض المهللون وينهالوا على جسدها طامعين لتفر منهم هي بأعجوبة لا تدري ماذا يحدث وماهم بفاعلون ربما ظنوها أحد السباع

حاولت خلع الثوب فوجدته ملتحما بجلدها

بحثت عن مرآة فرأت وجهها تبدل فلم تعد بشرا ولم تستحيل لهيئة السباع

فقط غريبة على قارعة طريق آخره مسدود وما من فرصة للرجوع

ولأول مرة تصرخ ليخرج صوتها ضعيف وسط صخب الحرب وزئير جيش اللبوءات المنتقمات الدانيات منها بمخالبهن الجائعة اللامعة

لتكون آخر كلماتها يا ليتني كنت من الجهلاء

وتتلاشى بين طيات النسيان

وتسدل المخالب فوق الحقيقة

ويظل العالم كيفما كان.

ـ تمت ـ

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى