ط
مسابقة القصة القصيرة

قصة (من أفسد لحن موزارت؟) مسابقة القصة القصيرة بقلم / آمال عبادة .الجزائر

الاسم: أمال

اللقب: عبادة

الجنسية: جزائرية

رقم الواتساب:002130657585504

رابط صفحة الفيسبوك: https://www.facebook.com/profile.php?id=100024019270189

 

المشاركة: قصة قصيرة

 

من أفسد لحن موزارت؟

 

العَالم جَريدةٌ محروقةٌ بعد طبعِها، أو ربما عُيونٌ تبلعُ قُرتَها، يشبه إلى حد ما كرة مضربٍ يهوي بها الحكام للحُفرِ حتى يحققوا فوزا متبلاً بالنفاقِ، والعجيبُ في الأمرِ أن الناسَ تصفقُ بكلِ شحِّ أنفس، الحروب تتزامنُ والثواني في خطين متوازيين، الشفقة تهطل هطولا جنونيا لتخفي آثار المرض، الندوب، الألم والحمى، كي لا تنتقل العدوى إلى كل أجزائه الغير مصابة..!

 

أساور فتاة بعمر الورد ينسكب داخلها الجمال، تستوطن بأناملها الطرية، حلما عميقا…، يخيل للناظر إليها أن شفاهها سُحب ماطرة كل المواسم بالابتسامات، ولدت بحي (عكبرة) بمدينة ( صفد) إحدى مدن فلسطين التاريخية، التي تقع في منطقة (الجليل) شمال فلسطين.

 

الحرب جعلت من “أساور” فتاة محرومة من حُضن الأم، لم يراقص طبلة اُذنها لحنٌ يجعلها ترتخي على وسادتها بسعادة. هذا ما أسفر عن حزن يطوف حولها كشبح ليلي، تنام منه مرعوبة حتى تستفيق على وابل من صراخ والدها الذي حولته الحياة لوحش بشري.

استيقظت ” أساور “، كعادتها تتغذى اُكسجينا صباحيا وفي طريقها لمعصرة الزيتون لمحت حمامة تدلّل فراخها بالعشِّ، استيقظ بداخلها إحساس طفلة تشتاق لأمها، فتقول في قرارة نفسها: ” حمدا لله أن الحمام ليس مثل البشر”. وحينما تراءت لها أعراف شجر الدالية تحمي شجيرة أطواق الياسمين الوحيدة، ويزفها ليوم جديد كعروس للضيعة، تعانق نفسها بذراعيها وتفترش العشب لتحلم أن لها أما.

 

في تلك اللحظات سمعت صوتا غريبا، نهظت تبحث عن مصدره، إذ بها تلمح أرنبا صغيرا علقت رجله بين صخرتين، سارعت بعدها لتهدئ صراخه المكتوم، فجأة! تجد نفسها مصفّدة اليدين محجوبةالنظر، حاولت أن تصرخ لكن لا أحد يرد. فعشاق الطعن أكبحوا كل قواها، جعلوها بين الجثث مرعوبة الخلقة، بين الرؤوس المفصولة عن أعناقها، والأجساد المصلوبة، سال الألم من عينيها حرقة، وبقيت أسيرة لساعات.

_ تردد في وجه كل صهيوني: ” الأرض لنا وستظل، يا من تمارسون الإجرام هواية! عكبرة لن تمسوا منها شعرة أيقنوا ذلك يا من غادركم الضمير! “

_ليقهقه في وجهها:” عيناك قمران أزرقان، سأحتلهما يا جميلتي.. لا شك أن عكبرة تخبئ جمالا داخل ذلك الطين اللعين سأمارس إجراما حلوا مثلك عليها..” _تصفعه بكل قوة: ” اششش اصمت! سنقاوم وسترحلون وعد الله هذا لنا يا أحمق أقوى من لعبتكم في هذا العالم الذي لابد أن يتحرك ويتهاطل عليكم كطير أبابيل. “

_إذا بالصهيوني يفك أصفادها يقترب منها ثم يتمتم اذهبي يا عزيزتي وشاهدي بعينيك المتفائلتين ما سأفعله.”

 

حين وصولها للبيت ، حصل ما لم يكن بحسبانها، شاب ما جالس بجانب والدها، علمت بعدها أنه سيكون زوجها.. وهنا كانت الطامة الكبرى، كيف لها أن ترفض؟ وهي فتاة محافظة، ابنة الجبل المطيعة، شريفة الأصل والمنبت، فقط لأن نظرات الشاب إليها موحشة، تتقاطر سما، بل و تفتقر لعوامل الأخلاق.

 

لكنه القدر فعل فعلته و صارت بعد أسبوع زوجته، بعد شهرين تركها حاملا وذهب حيث لا يدري الداري بمكانه، الشهران مرا عليها و كأنها تخدم شيطان جهنم.

 

بعد كل ما حصل عادت لأهلها وعاهدت أن تعتني بالملاك الذي ببطنها، لا ذنب له في عتمة فاشل يحاول فقد عصر اسفنجة شهوته، يقولون أن فاقد الشيء لا يعطيه، لكن الجنين أحس بالحب حتى في رحمها، أحس بكفها تقبله بلمساتها.

 

حين ولوجها البيت اكتشفت موت والدها وعلمت أنه والدها سقطت طريحة الصدمة، وأي زمرة من الآباء كان..

 

في ربيع 1948 م، جرح أساور لم يلتئم تماما، فلولا ذاك الصغير الذي أصبح ذو السبع أعوام، والوحيد من استطاع رشّ نفحات البسمة في دمها بضحكته النادرة التي لم ترى مثلها منذ ولادتها، لكانت شلّت أطرافها مدى حياتها.

 

طوال تلك المدة كان ذاك اليهودي قد رسم خطة كي يثأر لتلك الصفعة، ففكر أن يضرب عصفورين بحجر واحد، جعل نظره مسلطا على مركز (صفد) وشن هجومه على كل القرى المحيطة بما فيها (عكبرة) زاعما أن تلك القرية كانت تستخدم محطة للجواسيس السوريين الذين كانوا يتسللون لنجدة (صفد)، القتل مُورس بكل مراسيمه وذلك ما جعل البعض يهجر القرية، والبعض الأخر يُطرد طردا تبقى ذكراه ندبة بالجبين..

 

أساور قاومت بكل ما اُوتت من قوة بهيكلها، هُشم جسدها أمام أعين أفراد عائلتها تهشيما يذيب الجسد تحت أبشع اغتصاب؛ ران الصمت! وكأنهم أفسدو أول لحن ألفه موزارت!

 

ولحسن الحظ كانت قد خبئت ابنها في قافلة مغادرة خارج صفد في منتصف الليل، وقد نجحت في ذلك، أما المنطقة فقد ٱبيدت عن آخرها.

 

بعد مرور ثلاثة وستين سنة على ما حصل هاهو ابن هذه المرأة العظيمة أمامكم الآن يا حفيداي، وفي نفس المكان الذي قهرت فيه جدتكم الأولى أساور، لكن الحرب مستمرة ولا ندري كم سيقاوم هذا البلد.

 

كانت الدموع تنهمر انهمار المطر الغزير على خديهما لم يستطيعا قول شيء، اكتفيا بمعانقة جدهما.

ليبكي الثلاثة بحرقة.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى