مهرجان همسة للآداب والفنون 2020م
دورة الفنان محمد صبحي
الإسم : أسامة حامد الفرماوي
إسم الشهرة: أسامة الفرماوي
بلدي : مصر ( وأفتخر)
التليفون: 01114584909
رابط facebook : https://www.facebook.com/osama.elfaramawy.10
قصة قصيرة : وقائع يوم مشهود
(مُفْتَتَح)
صلوا على النبي، وما يحلا الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام. كان ياما كان يا سادة يا كِرام، وما نعرف إن كان -هذا- الآن، أو في قديم الزمان، أو في مستقبل الأيام. كان فيه صبي أسمر، نحيف، أجعد الشعر، وقلبه أبيض من اللبن الحليب،. قعد الصبي يدعو ربه يكون ملك الحكايات. وما يعرف الصبي إن كان صاحي هو، أم نائم. صلوا معي على النبي العدنان.
قال الصبي أروح سوق الحكايات من بدري، ألملم لي”شوية حكايات” من بدري؛ قالوا له: رَوَّح يا شاطر دا القطر فات من بدري؛ قال لهم: أبداً، دا السبت فات، والحد فات، وبعد بُكرة – لسه – يوم التلات. فتحوا له السوق؛ لقاه فاضي، لَمْلِم الصبي بعضه كده على بعضه، ونام، تحت ضل شجرة، يشكي لرب العباد حاله. لقى إيد حنينه طَبْطَبِتْ على راسه، وخَدِتُه من إيده لقى نفسه قُدام مغارة كبيرة، واسعة، لكن بابها الكبير مقفول. حاول الصبي يفتح الباب أبداً؛ بكى بحرقه، لقى الإيد اتمدت له تاني؛ نطق الصبي من قلبه:
– بحق مالك المُلك افتحوا لي الباب ده، أنا جاي بقلبي الصغير، شايل مَوَّدَة، عَمْران بتربية من ربياني صغيراُ.
وفجأة فُتِحَ الباب الكبير، بحق دعوة القلب الصغير. لقى الصبي أبواب ياما، غُلُب يعد فيها. المهم في الأخير فتح له باب الحكايات، وغمره صوت حنين:
– خذ يا ابن آدم ما تشاء، وخليك على صِلَة، خلي الباب موارب، وكل ما تحتاج تعالى هنا سمي، وصلي على النبي، وخُذْ ما تشاء.
ابتسم الصبي، ودخل، وهو لا يدري إن كان هو هو، أم شخصاً غيره، يقظاً، أم نائماً؛ وكان ما كان:
(الحكاية الأولى)
وقائع يوم مشهود
صحيت النهارده بدري، وبدري هذه، في عُرفي، يا سادة يا كِرَام، تعني الثانية ظهراً، يعني ممكن تكون الساعة، أنذاك، الواحدة، أو الواحدة والنصف بعد الظهر، أو قبل ذلك بقليل! يا للهول، يا داهية دُقِي! أنا استيقظ في هذا الوقت، هكذا بسهولة، بدون ضجيج، أو سِبَاب، أو تنفيض مراتب، وبدون طلبات لزوجتي وأولادي، وبدون طبل بلدي مُصَاحِبْ لردح الجيران، على أتفه الأسباب؟ هذا هو مبعث عجبي.
مديت بوزي، وانقلبت شفتي السفلى، هكذا، لأسفل بتلقائية، آي والله العظيم، هكذا، بتلقائية غير مقصوده، وتساءلت في دهشة:
– ماذا حدث في الدنيا؟
هل تحركت الكواكب عن مسارها الطبيعي، قَيد أُنْمُلَة؛ فحدث ما حدث؟
وضربت أخماساً في أسداس، وانتابتني الحيرة:
هل حدث مكروه لزوجتي وأولادي؟
هل فُزْتُ بجائزة كبرى في الأدب، وعَلِمَتْ زوجتي وأولادي، ثم انشغلوا عني بالتفكير في وضع قائمة طلباتهم، أو لائحة للصرف الأمثل لقيمة الجائزة بعد وفاتي؟
طيب، لماذا لم يخبروني؟ يعني كنت اساعدهم في التفكير
أين هم الآن؟
هل ظنوا أنني الآن في عِداد الموتي؟
صببت لعناتي، في سِرِّي طبعاً، على زوجتي وأولادي، وعلى الفلوس التي غيرت الطبائع، والنفوس إلى هذه الدرجة. الشيطان الرجيم – لا شك – هو من أحكم حصاره اللعين حول رأسي وأفكاري؛ كسرت حصاره اللعين، ورفعت رأسي بسرعة؛ فصدمني وجهي في المرآه، التي استقرت قُبالَتِي منذ زمن، والعجيب أنني لم ألحظها في هذا المكان إلا الآن. لم أجد صدىً لصرختي؛ فقد كُنت أنا الذي استقر أمامي هكذا وجهاً لوجه؛ ففزعت، ثم ران علىَّ صمت طال. مُغيباً كُنت، كأنني انتقلت إلى عالم آخر، لا أدري عنه شيئاً. كريشةٍ كنت في مهب الريح.
غامت عيناي، سبحت في بَرْزَخٍ خِلتُهُ أبدياً. أخرجني مواء قطة من موتتي القصيرة؛ فقفزت فجأة، كل شئ حدث ليَّ اليوم حدث فجأة؛ أَسْقَطتُ قنينات العطر الفارغة والملأى بلا وعي، من فوق التسريحة، وأكواب، وفناجين القهوة، التي لا أعلم بالمناسبة من الذي أحضرها لي، ورصها في هذا المكان ما دُمْتُ قد قُبِرت، وعشت في بَرْزَخِي زمناً طويلا.
داهمني سؤال صعب تحايلت لنزعه من مخيلتي، أو العودة إلى برزخي؛ ففشلت:
– من القابع أمامي هكذا، يفعل مثلما أفعل، من هذا؟
أهذا أنا؟
غير معقول
منذ متى وأنا على هذه الشاكله؟
و ما ذنب الناس أن يروا ما أراه أنا كل يوم؟
لطمت نفسي مؤنباً:
– ألم تخجل من نفسك يا رجل؟
صدمنى المنظر، في المرآه، مرة أخرى. أي عارٍ وَصَمْتُ به أهلي، وأصدقائي، ومن ألقته الصدفة يوماً للسلام عليَّ؟
ما السبب، أو الأسباب التي جعلتني أتوارى عن العيون، وحتى عن نفسي؟
لِمَّ أخشى أن يتطلع إليَّ أحد؟
لِمَ أخشى أنا أن أطيل النظر في عين أحد وأنا على هذه الشاكله؟
لملمت نفسي بعدما استعدت بعضاً من وعيي، وأَنَّبَّتُ نفسي ساخراً:
– كفاك هذيان يا أغبى إنسان. لِمَ تَصِمُ نفسك بما ليس فيك؟ ربما انصرفت أفكار الماكرين إلى سوء الظن بك، ووصموك بما ليس فيك. تبدو عارياً، عادي جداً؛ أي عاَرٍ في هذا؟ أنت في بيتك؛ فلا تفزع.
نصف عَارٍ كنت؛ فقفزت من فوق السرير فزعاً تداعبني نفسي:ْ
أهي المفاجأة، فقط، التي أفزعتك يا شقي؟
أهي الرغبة؟
أهو الخوف من مواجهة أخطائك، وعيوبك؟
الشغل، يا داهية دُقِي، نزعت نفسي من أفكاري، وأخذت درجات السلم في خطوات ثلاثة – وأنا أبتسم، وأحاول لملمة شتات نفسي المبعثرة – كنت بعدها في الشارع. تابعتني الأعين الدهشة، والألسن الحادة، والأفواه التي ملأت وجهي بصقاً، وأنا في حيرةٍ من أمري:
– لِمَ يفعلون هذا بي؟
تابعت سيري، فازداد السباب، واللعنات التي انصبت على أم رأسي، وعلى أبي، وأمي، وسنسفيل جدودي، وصفع أذني، مرات عِدَّة، مثلهم الشعبي كسياطٍ تناوب المارة جَلْدِي به:
– الخلف الوسخ يجيب لأهله اللعنة.
تجاوزت اللعنات شخصي الوضيع كما قالوا، وأبي، وأمي إلى لعن الزمن الذي جمعني معهم، أو جمعهم معي لست أدري على وجه التحديد؛ فقد تعددت صِيَّغ سبابي، ولعنتي، في فترة زمنية واحدة.
زاد التفاف الناس حولي، وطالتني الأيدي بعدما فطنوا أن اللسان هو أضعف الإيمان؛ فأرادوا أن يزيدوا إيمانهم حتى يروا التغيير الملائم رأي العين. تفاديت الضربات التي هوت على رأسي، وأنحاء متفرقة، حساسة من جسمي، والتي أتتني من جهات العالم، والتي لم أعلم أن عددها قد تجاوز الأربعة إلا وقتها؛ تفاديتها قدر استطاعتي، حتى أنني خِلْتُ نفسي، بعدها، أنني كنت أصارع طواحين الهواء.
طأطأت رأسي، الذي شُجَّ، في محاولةٍ مستميتة لحمايته من الكسر؛ فاكتشفت أنني مازلت نِصف عَارٍ؛ فشهقت شهقة الهاوي من قمة جبل، ثم… استيقظت مبتسماً، وقلت وأنا أخط بيدي على المرآه:
– أشكرك، عزيزي القارئ، لحسن تعاونك معي؛ فقد أخذت من وقت حضرتك ساعة.
(تمت)