ط
الشعر والأدب

قصـة للمساء (كلـب دانـــي) بقلم الكاتب سعادة أبو اعراق

سعادة ابو اعراق
مكتب الأردن

منال أحمد

طلقات ثلوث السكون، كإعلان سمج عن حادثٍ جللٍ في ( شِعب النمر) إنها منطقة مقابلة لمستوطنة شيلّو, وأهالي سنجل خبيرون بأصوات الطلقات، تعرف آذانهم نوع السلاح ومصدره، وتعرف ما إذا كانت في الهواء أم أصابت أحداً، تستقبلها بهلع وترقب واستنفار، فأسماعهم متيقظةٌ دائماً، متنبهة لأصوات الطلقات وهدير الحوّامات الطائرة.

وهناك أيضا _في مستعمرة شيلو _، أذانٌ قلقة وقلوبٌ تخفق عند سماع الطلقات، وخاصة (ليليان) التي طلبت من ابنها (روني) أن يذهب مفتشا عن كلب الصغير (داني) ، لم تكن تعلم وقتها _ في ساعة الغضب والانفعال _ أن الجهات التي سيفتش بها ، واسعة تمتد في أراضي سنجل وترمسعيا وربما قريوت ، وأن الكلب لا يعرف الحدود ، وأن التوغل بها خطير، وخاصة لفتى يستقبل عامه السابع عشر ، ولم يتعلم بعد كيف يكون مقاتلا واسع الحيلة.
في سنجل كان التوتر عاماً ، فهم يعلمون أن الطلقات نذير مشكلة ، والمستوطنون وحدهم في شيلو هم الذين يحملون السلاح، وبالتالي هم الذين يطلقون النار، ولا بد أنهم أطلقوه نحو واحد منهم، لذلك كان التساؤل ساخنا، والجواب عليه محيـرا، فأنى لهم أن يعلموا؟ إلا أن ينطلقوا صوب شعب النمر، فالعلم بما حصل لا يكون بالتخمين، أو ضرب الودع .
ليليان , أو أم روني ، تابعت الاعتناء بـ(داني) رغم قلقها الذي يتعاظم في صدرها، فهل تراها عرَّضت ابنها للخطر من أجل داني وكلبه المدلل، داني الذي تعوضه عن كل مكوناته الشخصية الناقصة بمزيد من فيض عواطفها، فهل بلغت بها القسوة أن ترسل أخاه للبحث عن الكلب في وسط أعداء متحفزين للقتال، فالحسرة التي تأكلها على هذا الصبي المختل عظيمة, فأعاقته في نموه وعقله وسلوكه، يعاني بما يشبه التوحد أو التوحد في بداياته، طفل عصيّ على التدجين، والتواصل مع الآخرين، يمارس حركات متواترة كأنّه آلة، لا تفرغ بطاريتها، يتلهى بأشياء تافهة، لا أحد يعرف كيف تلفت انتباهه، فتتعلق بها روحه وتكاد تغادره إذا ما فقدها، لقد أصبح مولعا بهذا الكلب حد الإدمان، فبكاؤه لم ينقطع منذ أن غاب الكلب، فيستسلم للاكتئاب حينما ينهكه البكاء، وتحزن أمه عليه حُزْنَ يعقوب أو ينوف.
كان عويل الفتى داني، وحيرة الأم وبؤسها, تضرم نيراناً فتاكة في صدر(روني) ، تشحنه شجاعته، وتجعله يركب الخطر ويمضي متجاوزاً حدود شيلو, إلى بساتين سنجل وضواحيها، حيث خمن أن الكلب هناك، (روني) الذي يتهيأ للتجنيد في الجيش، يمارس بعض مهام الحرس في المستوطنة، كمن يعد نفسه لمهمات الجيش التي ستوكل إليه، أو أن يقوم مقام الأب الغائب، في تهدئة الأم التي أنهكها الحزن الصامت، وتحاول ما أمكنها إطفاء البكاء المستمر لداني، لابد من إيجاد هذا الكلب الذي انصرف بلا استئذان إلى مناطق فيها الكراهية والعداء، لذالك مضى باحثا متسلحا بمسدس، يوقن أنه سيستعمله في مجتمع العداء والكراهية .
مضى في شوارع شيلّو، غير عابئ بالحراس المنتشرين عند مداخل المستوطنة، غير آبه بالذين شاهدوه وهو يخترق الحدود الغربية إلى شعب النمر، مندفعا نحو أصوات الكلاب الكثيرة الضالة في الأرجاء، وصل مكب النفايات الخاص بمناسف الأعراس في شعب النمر، حيث رأى الكلاب تأخذ نصيبها ساكتة لا تختصم، ورأى غير بعيد منها(فايز) الذي يجلس مع كلب داني، مستأنسا به حيث يطعمه اللحم الذي انتقاه له، ها هو قد ظفر بالهدف، وعلى هذا السارق الذي استطاع أن يستغل شهوة الكلب، أن يدفع الثمن، وأن يفرغ شحنات طاقته المفعمة لداني، فأطلق النار على فايز ، فأخطأ الفتى وأصاب كلب داني ، فأرداه قتيلا, هَلِعَ الفتى فايز إذ فاجأه ، فصرخ وجمد خوفا، لكن روني ازداد حزنا وشعورا بالذنب والخطأ واختلاط الأفكار والمشاعر، لحظة أن وجد فيها نفسه مثقل الضمير، مقيد التفكير، فلم يجد إلا أن يطلق النار على فايز, لعل في في الانتقام ما يريح ضميره .
الحراس الذين شاهدوا روني يجتاز الحدود الغربية، وأغضوا أعينهم عنه، كانوا أول من هبَّ نحو مصدر الطلقات، هناك في منطقة شعب النمر، متحفزين متأهبين للقتل، وإطلاق النار .
السناجلة الذين كانوا يتوزعون في الحقول ،انطلقوا أيضا نحو شعب النمر، متوجسين، يتوقعون خطبا جللا، القريبون منهم سمعوا استغاثات إسماعيل الهلعة
_ يا ناس … الحقوا … الحقوا فايز … قتله مستوطن من شيلو
إسماعيل كان أول من رآه بعد أن أُطلق الرصاص على الكلب، ورأى الفتى فايز محاصرا مذعورا، لا يقوى على الصراخ، رأى المستوطن واقفا بهدوء يصوب إليه مسدسه ويقتله برصاصات ثلاث، كأنه يتدرب على إصابة هدف .
الحرس المسلحون الذين وصلوا الموقع في شعب النمر، تفاجأوا بالسناجلة يهرعون، وجدوا روني محاطا بهؤلاء، فظن المستوطنون أن روني قد وقع في كمين كبير، أطلقوا النار اتجاههم، لآذ السناجلة بالسناسل والأشجار، اقترب المستوطنون من روني، وجدوا الفتى فايز جثة هامدةً, والكلب هامدٌ بجانبه، قالوا له يشيرون إلى الفتى فايز:
– ماذا فعل لك ؟
_ أغرى الكب بالعظام وسرقه.
_ ولماذا الكلب ميت؟
_ أصبته بالخطأ .
_ مسكين هذا الكلب .
ولم يسألوه لماذا أطلق النار على فايز، ذلك أنه أمرٌ يمكن تعليله، فلا داعي لمعرفة الحقيقة، غادروا الجثة وتركوا للسناجلة أن يحملوها بأكفهم وسواعدهم وحزنهم، وقلة الحيلة التي تكبلهم، مدوه في البيت كي تبكيه أمه وأخته وأبوه، بينما تبكي ليليان الكلب الذي ما عاد الأمل المرجو لإسعاد داني .
وصل الحراس المسلحون المستوطنه ،عائدين بانتصار يتحدثون عنه، يتحدثون عن خطة حاكها السناجلة لاختطاف روني، لكنهم هربوا وتراجعوا وهم يرون شجاعة روني، حينما أطلق النار على أول المهاجمين وأرداه قتيلا.
هكذا قال حراس شيلو، وهكذا قال ضابط كبير في بيت إيل للصحافة، وقالها أيضا للمحامي الذي حمل الدعوة للقضاء الإسرائيلي._
________________________________
بقلم الكاتب سعادة أبو اعراق

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى