القصيدة:
تضيقُ نوافذُ الرؤيا
فَتتسعُ العباراتُ
وكيف لعينِ مشتاقٍ بأن ترنو وتكفيها مجازاتُ
أنا أشتاقُ يا أمّي
ولا أدري لأيِّ نهايةٍ في الشوقِ تسرقُني البداياتُ
ولا أدري
بأيِّ مقامِ موسيقى سأعزفُ لحنَ أغنيتي
فعندَ مدامعِ الأشواقِ تختنقُ المقاماتُ
أنا أشتاقُ يا أمّي
وكلُّ أحبّتي ماتوا
وليسَ بوسعِ أنفاسي بأن ترتاحَ من همّي
فضمّي مهجتي ضمّي
وردّيني
إلى حيثُ الملائكُ تشتهي شمّي
وتضحكُ لي
وتنسيني أذى الأحزانِ والغمِّ
وتطعمُني رحيقَ الوردِ من خدَّيْكِ يا أمْي
أنا عينايَ مغلقتانِ لا مرأى ولا رائي
ولا شفتي تمكِّنُني إذا ما بُحْتُ أن أجتازَ أسمائي
ولا بحرٌ يسافرُ بي ولا برٌّ ألملمُ فيهِ أشيائي
أنا وجعٌ على وجعٍ
وليس بعزلتي يا أمُّ غير الداءِ والداءِ
وكنْتُ أديرُ أشرعتي لريحِ هواكِ إذ تغفو بأفيائي
وأغمضُ جفنَ إيحائي
أرى طفلاً بعمرِ نبوءةِ الموتى يحلّقُ فوقَ أجوائي
ويعلو باسطاً جنحيهِ في روحي
يظللها ويتركُني كلونِ الماءِ في الماءِ
أرى طفلاً له إسمي
وفي عينيهِ تاريخٌ من الرسمِ
يمرُّ بِأطلسِ التأويلِ يمحو سورةَ الجسمِ
ويرنو لي بعينِ الله مبتعداً لأنساهُ
فأتبعُهُ بباصرتي لألقاهُ
ويعلو رافعاً للغيبِ آلائي وذكراهُ
ويسرحُ في غيابِ الروحِ كي أدري
بأنَّ الطفلَ كان أنا
وأنّي اشتقْتُ رؤياهُ
فمن يا ربُّ يأخذُني إلى طفلي لأحياهُ!
لقدْ أسرى بِيَ الرحمنُ نحوَ مدائنِ الموتى
فما عرجَتْ هناكَ الروحُ أو حتّى
تدارتْ ضمنَ برزخِها تداريهِ
وكانَ الصمتُ يعزفُها إذا راحَتْ تغنّيهِ
فيبكي حالَ وحدتِها وتبكيهِ
ويسقيها كؤوسَ النورِ من ربٍّ يباركُ ما هُما فيه
وتبقى الروحُ يا أمي
بلا مأوى، فَضُمّيها
وَألقيها
بتابوتِ النبوءةِ وَالجوى تيها
فكم أحتاجُ أن أغدو بنصِّ الوحيِ تشبيها
وكم أحتاجُ يا أمّي
إلى قبرٍ أضمُّ قصيدتي فيهِ
وكمْ أشتاقُ أن ألقي
على الأمواتِ بعضَ الشعرِ علَّ الشعرَ يستوفي معانيهِ
أنا يا أمُّ لا أشتاقُ وجهَ أبي
ولا أشتاقُ أن أُحيي مراثيهِ
فإن ضاقَتْ بثوبِ رضاكِ يا أمُّ العباءاتُ
ستتسعُ العباراتُ
وإن سألوكِ عن حالي
فقولي: مِتُّ مشتاقاً وكلُّ أحبَّتي ماتُوا
فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون