مكتب فلسطين / . نيفين عزيز طينة
ــــــــــ
تَفَقَّدتُ ما قدْ مَلَكتُ
لِئَلَّا يظنَّ الذي مَرَّ جَنبي بِأَنَّ الهويةَ ليست لِجِلدِي
وأَنَّ البريقَ الذي في المَرايا سَرابٌ
ولمْ يُفصِحْ الضَّوءُ عنِّي
وأَنَّ الَّذي يستفزُّ الصَّباحاتِ ما كانَ إِلَّا ادِّعَاءً
ولمْ يَكُ وجْهِي
تَفقَّدتُ في شَامَتي لونَها عَنْ قَريبٍ
خشِيتُ بِأَنْ يُبدِلوا لَونَ أَرضِي
تَفَقَّدتُ في رَاحتي إِصبَعًا كانَ مُختَلِفًا عَنْ بَقِيَّةِ إِخْوَتِهِ
تَفَقَّدتُ في شَفَتَيَّ النَّدَى والأَثيرَ
فأَيقَنتُ أَنَّ القصيدةَ هَتَّافةٌ بالحَبيبةِ في جُبِّ قَلبي
وقَدْ غابَ عَنْ مُقلَتَيكِ النَّوى حينَ صَاحَبتِ حُبِّي
تفقَّدتُ عينيكِ حتى رَأَيتُ القِبَابَ بها والكَنِيسَةْ
يُصَلِّي بِهَا أَحمَدُ العَرَبِيُّ
يُعَمِّدُ أَصحَابَهُ بالتَّراتِيلِ عِيسى
فقُمتُ اقْتَدَيتُ بِمَا تَرفَعِينَ
وعَينَاكِ تَبقَى بِكَهفٍ عَمِيقٍ مُوَقَّدَةً بِالمَصَابِيِحِ
قِندِيلُهَا مَنْ يَظَلُّ أَنِيسا
وأَنتِ على خلوةٍ مُؤنِسِي
تَفَقَّدتُ سُرَّتَهَا بانتِشَاءٍ
فأَيقَنتُ أَنَّ سواسِنَها باقياتٌ
لتبرِأَنِي يومَ يحمِلُني الشَّوقُ مِنْ فوقِ دَربِي
تَفَقَّدتُ عُكَّازَةً كانَ يَحمِلُها في الدُّروبِ أَبِي
تَطَمأَنتُ أَنَّ الخُطى ثابِتَاتٌ
وتَمشِي إِلى عِطرِ حَقلِي ومِحرَابِ رَبِّي
تَفَقَّدتُ أَقمَارَنَا واحِدًا واحِدًا في الوُجوهِ البَرِيئَةِ
في مَخدَعٍ كانَ يَعشَقُهُ أُخوَتي
تَطَمأنَتُ أَنَّ النَبِيِّينَ فِي حُبِّهِم آمِنينَ
فَهَدَّأتُ رَوعِي
تَفَقَّدتُ حتى القَمِيصَ الَّذِي فوقَ صَدرِي
أَخَافُ بِأَنْ يَسرِقُوا مِنهُ خَيطًا لِأُمِّي
أَنا لست مُعتَدِيًا في الحَياةِ على أَحدٍ
ولم أَسرِقْ الوردَ مِنْ حَوضِهِ
أَنُثُّ فطورَ الحماماتِ والجوعُ يَأكُلُني
وأَحفِرُ في حجرٍ كَأسَ ماءٍ
ليشربَ مِنهُ الفراشُ
ونحلٌ تَجَاوزَني للحُقُولِ ولمْ يَترُكْ الشَّهدَ حَولي
أُقَاسِمُ هِرًّا طَعَامِي
ويَأكُلُ كلبٌ عِظَامِي
فَلَستُ أَرى أَيَّ جُرمٍ لِنَفسِي
فَكُلُّ افتِعَالاتِ ذَاتِي مُبَرَّأَةٌ دونَ ذَنبِ
أَحُضُّ يَدَي قَاتِلِي للحَيَاةِ
ويَسعَى لِقَتلِي
فَلَمْ تَأَمَنِي أَنتِ مِنهُ
ولا ثُوبُكِ المُنتَشِي بالبَيَاضِ
فَإِنَّ الَّذِي يُوجِعُ العينَ ليلٌ ويَقتَصُّ مِنِّي
أَنَا ما اعتَدَيتُ عَلى أَحَدٍ بالسِّياطِ
تَرَكتُ الهَوَامَ لِفِطْرَتِها دونَ تَقْلِيقِهَا
لَمْ أَضَعْ حَجَرًا فَوقَ صَدْرٍ يُحِبُّ الحَيَاةَ
ولَمْ أَجلِدْ الأُغنِياتِ اللَّواتِي انتَصَبنَ بِشَوقٍ على رَملِ مَوتِي
فَمَا الذَّنبُ ذَنبِي
تَفَقَّدتُ صَوتِي فَمَا كانَ صَوتِي نَشَازًا
ولَمْ يَكُ في لُغَتِي غيرُ ميراثِ كنعانَ
كيفَ لعِشتارَ أَنْ لا تَرَانِي حَبِيبًا
لترخي ضَفَائِرَها فوقَ وجهِي
فَنَامِي بِدِفءِ الملاءاتِ نَامِي
وفُضِّي بِهَذا السُّكونِ رِضَابَكِ
واعتَمِري هَدْأةً في سَرِيرِي
وظَلِّي احلَمِي بالصَّباحاتِ لَيِّنَةً دُونَ نَزفِ
ونَامِي كَمَا يَنبَغي أَنْ تَنَامِي
كَعَاشِقَةٍ أَسلَمتْ نَفسَها للحَبِيبِ
فكيفَ سَتَحذَرُ مِنِّي!
على نَمَشٍ فوقَ نَهدَيكِ إِرثُ الصَّباحاتِ
حِنطَةُ بيدَرِنَا
ماءُ رَشحٍ على صدرِ فَخَّارَتي
فاستَفِيقي على صبحِنَا زِرَّ وَردٍ
وقُدِّي حرائِقَنا بالحَليبِ
وعُسِّي بِلَيمُونَةٍ شَمسَها بابتِهَاجٍ
لقد كَوَّرَتهَا لَنا ذاتَ يومٍ يَدَانِ لِأُمِّي
سَتَغتَسِلينَ بماءِ الينابيعِ مِنْ غيرِ رِجسٍ
فتَشرَبُ عِطريَّةٌ ماءَ كعبيكِ
هذا الرَّحيقُ رَحِيقُ اقحُوانِكِ
والمَيْرَمِيَّةُ تَسجُدُ قُربَكِ
والحَبَقُ المُنتَشِي بالأَصِيصِ تَنَفَّسَ عَنكِ الهُيامَ النَّدِيَّ
وجاءَ يَدِي
رَفَعتُ هَوِيَّتَنا بِاتِّضاحٍ
وأَيقَنتُ أَنِّيَ مِنِّي
وأَنَّكِ أَنصَعُ ما فاضَ عَنِّي