جِئْنَا و الخُطَى عَلَى عَجَلٍ و الأَنَا تَتَمَهّلُ فَالنَّفْسُ مِنْ تَعَنُّتِها المَاضِي تَخْجَلُ ** أيَا حَبِيبًا كُنْتُ في حَضْرَتِهِ بالهَوَاجِسِ و الظُّنُونِ للحُروبِ أفْتَعِلُ و لَمَّا ابْتَعَدْتُ صَارَ يَقِينِي لِبَرَاءَتِهِ يَنْتَصِرُ و بَاتَ النَّدَمُ نَدِيمِي وضَمِيري يَحْتَرِقُ ** فهَلْ تَقْبَلُ عَوْدَةَ حَبِيبَتِكَ التِي ذَاتَ يوْمٍ قَسَتْ؟ و اليَوْمَ تَأْتِيكَ تَسْتَجْدِي وَصْلاً و الدُّمُوعُ سِرًّا و عَلانِيَّةً تَنْهَمِرُ ****
عُدْنَا و الوَجْدُ فِينَا يَنْهَشُ و فِي تَمْزِيقِنَا بِمَخَالِبِهِ يَتَفَنَّنُ و بِلَا شَفَقَةٍ يَلْتَهِمُنا و يَفْتَرِسُ
و يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ يَكْبُرُ فِينَا الشَّوْقُ و يَتَوَحَّشُ فَهَلْ مِنْ بَقايَا حُبٍّ فِيكَ لِخَطايَانا يَشْفَعُ؟
**** لا أَدْرِي مَاذا فَعَلَ بكَ الزَّمَنُ في غِيَابي؟ هل غَيَّرَكَ أم مَازِلْتَ بِهَوَايَا تَحْتَفِظُ؟
هلْ مازِلْتَ تَصِفُنِي بِمَحْبُوبَتِي و تُنادِيني يا قَمَرِي و يا شَمْسِي و يَا زُهُورِي؟ أَمْ تُرَاكَ كَرِهْتَنِي و رَمَيْتَنِي وَرَاءَ التّارِيخِ و كَنَسْتَنِي مِنْ أيّامِكَ كَنْسًا و غَدَوْتَ مِنْ ذِكْرِي تَتَذَمَّرُ
****
عَانَيْتُ في غِيَابِكَ مِنْ قَلْبٍ يَحِنُّ لِجَنّتِكَ وَهْوَ في البُعْدِ يَحْتَرِقُ
فِي تَجْرِبَةِ البُعْدِ الفاشِلَةِ أَرْهَقَتْنِي الذِّكْرَيَاتُ و مَشَاعِرِي التِي إِلَيْكَ تَنْتَمِي و غَدَوْتُ كَغَرِيقٍ يَبْحَثُ عن قَشَّةٍ بِهَا يَتَعَلَّقُ و لا يَجِدُ أُحَاوِلُ أنْ أُقْنِعَ نَفْسِي أَنِّي بِخَيْرٍ و أنِّي حُرَّةٌ و مَسْؤُولَةٌ و قَوِيَّةٌ و ثَابِتَةٌ و جَمِيلَةٌ و مُمَيَّزَةٌ كَمَا كُنْتُ و أنَا مَعَكَ و لا أَقْتَنِعُ.
****
سَمِعْتُ أنّكَ فِي غِيَابِي تَلْتَزِمُ الصَّمْتَ و أَنَّكَ عَنْ أسْبَابِ رَحِيلِي تَتَسَتَّرُ و تَتَهَرَّبُ من أسْئِلَتِهِمْ و للأعْذَارِ تَخْتَلِقُ فَيَالَيْتَكَ مَازِلْتَ مِثْلِي بِعَهْدِنَا الأبَدِيِّ مُلْتَزِمُ
عُدْتُ و قَدْ امْتَطَيْتُ خَيْلَ التَّمَنِّي و أَطْلَقْتُ عِنَانِي لابْتِهَالاتِي و لَقَّنْتُ لِسَانِي كَيْفَ يَعْتَذِرُ ** فَيَا حَبيبًا قَلْبُهُ كَالبَحْرِ يَتَّسِعُ لَيْتَكَ تَصْفَحُ و تَفْتَحُ لِي بَابَكَ إنِّي أَنْتَظِرُ و أَنْتَظِرُ و الكِبْرِيَاءُ المَذْبُوحُ وَرَاءَ ظَهْرِي يَتَخَبَّطُ و يَنْتَفِضُ و نَفْسِي تَتَمَنَّى أنْ تَغْفِرَ ذَنْبَها و إنِّي أَقُولُ و أَقُولُ سَامِحْنِي عَلَى طَيْشِي الذِي كَانَ و افْتَحْ لِي ذِرَاعَيْكَ من جَدِيدٍ إنِّي مُرْهَقَةٌ و أَنَامِلِي و أَنَا أذْكُرُكَ تَرْتَعِشُ امْنَحْنِي فُرْصَةً فَمَنْ مِنّا مُنَزّهٌ عَنِ الغَلَطِ و لا يُخْطِأُ
****
دَعْنَا نَبْتَدِأُ مِنْ حَيْثُ انْتَهَيْنَا افْتَحْ لِي ذِرَاعَيْكَ و احْتَضِنْ تَوْبَتِي دَعْنا بالعَوْدَةِ الكُبْرى نَحْتَفِلُ و عَلى جُرُوحِ المَاضِي نَرْقُصُ فَعِشْقُنا و إنْ تَوَارَى فِينَا بَذْرَةٌ لا تَبْلَى و لا تَفْسُدُ ** مُدَّ يَدَيْكَ سَوِيًّا نُفَتِّشُ عنْهُ في بَيْتِ مَاضِينَا الذِي مَازَالَ كَمَا تَرَكْناهُ بِرَائِحَتِنا مُعَطّرُ و إِبْريقُ الشّايْ يشْتَهِي ماءًا و نارًا و أشْيَاؤُنَا لِعَوْدَتِنَا سَوِيًّا تَنْتَظِرُ و عَصَافِيرُ حَدِيقَتِنا مَازَالَتْ فَوْقَ أَشْجَارِهَا تَبْتَهِلُ أَزْهَارُنَا أَغْرَاضُنَا أَوْرَاقُنا كُتُبُنَا أَذْوَاقُنَا هِوَايَاتُنَا أَحْلاَمُنَا أُمْنِيَاتُنَا بَقَايَانَا كُلُّهَا اشْتَاقَتْ إِلَيْنَا و لِعَوْدَتِنَا تَتَوَسَّلُ **
تِلْكَ الأشْيَاءُ هَلْ تَذْكُرُ دِفْئَهَا؟ فَكَيْفَ لا نَعُودُ إِلَيْها و نَحْنُ فِي غُرْبَةِ الفِرَاقِ نَتَجَمَّدُ بَرْدًا و نَرْتَجِفُ؟
***** دَعْكَ مِنْ فَلْسَفَةِ الحَيَاةِ و جَدَلِيَّةِ الخَطِيئَةِ و العِقَابِ و اسْتَسْلِمْ لِصَوْتِ قَلْبِكَ و َهْوَ بِالعِشْقِ يَلْهَجُ و اغْمِضْ عَيْنَيْكَ و ابْحَثْ عَنِّي في الظُّلْمَةِ سَتَرَانِي و أَنْتَ مُغْمَضُ فالضَّرِيرُ لِمَعْشُوقِهِ يُبْصِرُ ** لا تَتْرُكْ مَشاعِرَكَ تَنُوءُ بِرَغْبَةِ الإِنْتِقَامِ فَبَيْنَ العاشِقِ و عَشِيقِهِ لا خَيْرَ فِي الصَّدِّ فَهْوَ شَرٌّ و عَدُوٌّ يَتَرَبَّصُ ** تَجَرَّدْ مِنَ الأَنَا الأَعْلَى و اهْزِمْ أحْقَادَكَ فالحَبِيبُ لِحَبيبِهِ يَعْذِرُ
فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون