ميساء
قال : قيس بن الملوح (مجنون ليلى)
تَذَكَّرتُ لَيلى وَالسِنينَ الخَوالِيا
وَأَيّامَ لا نَخشى عَلى اللَهوِ ناهِيا
فكتبت مجاريا له :
أتی طَيْفُهَا بَدْرٌ يُضِيءُ فَضَائِيَا
فميساءُ تيَّمتْ ، بها بِتُّ لاهِيَا
فَعَنْبَرُ خدٍّ و العيونُ و طَرْفُهَا
و قدٌّ و جيدٌ هيَّجا ذكْرَهَا لِيَا
و وَهْجٌ لها جابَ ابتهاجَ خواطري
و من غَيْرُهَا لِخَاطِرِي ذا مُوَاسِيَا
وَ هَلْ لا يُدَانِي العِشْقُ إذ أَبْرَقَتْ لِيَا
فَكَيْفَ إذَا بَرْقٌ أضَاءَ بِهَا هِيَا
وَ مَا مَيْسُ إلا لَيْلَةُ القَدْرِ إذْ أَتَتْ
و آيَةُ عِشْقٍ تَسْتَحِثُّ التَلاقِيَا
نُزُولٌ لَهَا كَمَا المَلاكُ عَلَی نبيْ
فَهَلْ غَيْرُهَا المَلاكُ جَابَ القَوَافِيَا
قَرِيْضِيْ أنا يُبدي اسمُهَا بَيْنَ أَسْطُرٍ
وَ بَيْنَ الحُرُوفِ يَرْسُمُ الحِبْرُ مَا بِيَا
أنا شَاعِرٌ بَوْحِي لها مِنْ جَدَائِلٍ
نُزُوْلَهُ لا إِذْ طَيْفُهَا مَا بَدَا لِيَا
فَمُلْهِمَتِي وَ القَلْبُ سَكّنْتَهُ بِهَا
فيا ساكناً قلبي ترفّقْ بحالِيَا
إِذَا مَا استَدَامَ بُعْدُهَا وَ الذي طَمَی
فَمَا يُهْلِكُ العشَّاقَ إلّا التّجَافِيَا
فَمَا قَيْسُ إِلا عَاشِقَاً وَ كَمَا أَنَا
وَ مَا ليْلَةُ المجنونِ إلّا كَمَا هِيَا
وَجَدْتُ حَبِيبَتِي وَ مَا نَالَ لَيْلَهُ
و بَعْدَ الجِّنُونِ لا طَبِيبَاً مُدَاوِيَا
فَهَا هَوَ شِعْرُ قَيْسُ يَأْتِي يَرَاعَهُ
وَ تَأْتِي بِهِ مَيْسُ الدَّوَاءَ المُشَافِيَا
أَنامُ نهَارَي نَوْمَ مُرْتَقِبٍ لَهَا
وَ أَسْهَرُ لَيْلِي أَسْأَلُ النّجْمَ : هَاهِيَا ؟
إذَا شَعَّ كَوْكَبٌ شِعَابَ سَمَائِهَا
سُؤَالِي لَهُ بَدَا : أَصَادَفْتَ مَا لِيَا ؟
سَرَقْنَا الضَّيَاءَ مِنْ ضِيَاءِ جَبِيِنَهَا
جَوَابَاً لهُمْ يَا وَيْحَهُمْ هَازِئَا بِيَا
خَدَعْتُ بغَيْرِهَا فُؤَاداً مُتيَّماً
وَ عَيْنِي و دَمْعَهَا الذي هَلَّ شَاكِيَا
عَسَی أَنْ أُسَكِّنَ اللَظَی فِي مَوَاجِعِي
وَ نَزْفُ العِيُونِ عَلَّهُ المُتَنَاهِيَا
فَلا الّدَمْعُ سَاعَةً أَرَاهُ مُهَادِنَاً
وَ لا القَلْبُ سَالِيَاً وَ لا الرُّوحُ هَادِيَا
فَهَيْهَاتَ أَنْ يَنْسَی الفؤادُ فؤادَهُ
وَ هَيْهَاتَ أَنْ تَنَامَ عِنْدِي البَوَاكِيَا
أَقِلِّيْ عَليَّ اللَّوْمَ مَيْسُ اشفِقِي عَلَی
جَرِيْحِ الجّفَاءِ مَنْكِ أَوْ مِنْ بِلادِيَا
لِمَاذَا تَقَوْلِي هَا حَبِيبِي نَسَانِيَا
و عِشقُ دِمَشْقَ عِنْدَهُ صَارَ سَامِيَا
غَزَا ارهَابُهُمْ دِمَشْقَ قَلْبَ عُرُوبَتِي
و صار فؤادي بعد جرحك داميا
فَإِنْ يُمْعِنُوا فِي الشَّامِ بَغْيَهَمُ الرَّدَی
لِكَي يُوْقِضُوا الآهَاتِ عِنْدِي تَمَادِيَا
فَوَيْلُ الذي وَشَی بِشَامِي وِشَايَةً
وَ وَيْبُ الذي بِبُعْدِ مَيْسُ ابتَلانِيَا
فَأَنْتِ كَمَا دِمَشْقَ في قَلْبِ عاشقٍ
وَ شَامُ كَمَا أَنْتِ الحَبِيبُ المُوَالِيَا
فَحُبِّي لَهَا قَدْ زَادَ حُبَّكِ آهَهُ
فَلا تَعْذُلِي كِلاكُمَا نَبْعُ آهِيَا
فَأَمّا فِلَسْطِينُ التي ذِكّرُهَا عَلا
وَ آلامُهَا تعلو وَ دَمْعٌ بَكَی لِيَا
فَضَرْبُ العِدَی لأَرْضِهَا لَمْ يَكُنْ كَمَا
خِيَانَةُ عُرْبٍ لِلْرُكُوعِ تَمَاشِيَا
فَتِطْبِيعُ مَعْ عَدُوِّنَا ذا جهادهم
و غزوِ العِرَاقِ ثمَّ غزْوِ اليَمَانِيَا
فَهَذِي هُمُومِي وَ التي قَرْحُهَا هَمَا
سُمُومَاً بِقَلْبِي وَ استمَاتَتْ بِحَالِيَا
بقلمي : محمد عبد اللطيف الحريري