خاص بمسابقة القصة القصيرة
قــــــرار ( قصة قصيرة)
تستفتح يومها بابتسامة و فنجان قهوة بنكهة شرقية, تتناول تليفونها المحمول، تُجرى بعض المكالمات، تطمئن على حال القاعة و المدعوين و بعض الترتيبات المهمة، والأصدقاء القادمين من محافظات بعيدة، وتعد لاستقبال يمسح عنهم تعب السفر.
تَرف فراشات روحها مبتهجة، تعد قائمة بالشعراء لمقدم الحفل، ولأول مرة تكتب اسمها بينهم في تحدي لذاتها، فكم مارست الشعر في سرية و كتمان كمن يقترف إثماً عظيماً، تدع القصة تكتبها، وتعشق الشعر، وروحها بينهما معلقة بزمن الفن الجميل.
تستعرض دولاب ملابسها، تختار بعناية ثوباً يردها بهية كما كانت دوما، في ليل فستانها الأسود ينير وسامها بفصوص متلألئة كقمر من بهجة؛ فيشع وجهها بنور ملائكي.
أيامها تستصرخ روحها المبدعة، بعدما ملت من أسماء باهتة حروفها من (بنكنوت) ، نفاق، ومفردات الجسد، لكنهم يتصدرون المشهد، روحها تحن كما أيامها إلى الفن: الشعر، القصة، وصدق النقد.
يبدأ المهرجان بين اعجاب الحاضرين و تفاعلهم، تقف كقائد اوركسترا، تتابع كل شىء، تدندن مع نغمات العود، وتنصت لكبار الشعراء، حتى ناداها مقدم الحفل وكأنها تسمع اسمها لأول مرة؛ تصعد إلى خشبة المسرح في هدوء مهيب، يفضه تصفيق حاد من الحضور، ترد تحيتهم جميعاً في تواضع، تهم بالشعر ويهم بها، توتر الحرف على شفتيها، أعلن العصيان، وأعلنت ذاكرتها التمرد …
تنتابها حالة من الارتباك؛ تهم بالاعتذار وترك المنصة، لكنها تلمح فى آخر القاعة عيوناً تناديها:
– أين حقنا عليكِ ؟
عين دمعت لفراق حبيب، عين مكلومة بالثكل، و عين تحن لجارتها التي غيبها رصاص الغدر، الجالس فوق كرسيه المتحرك يصفق تحية للحرف و يطالب بنصيبه فيه.
عندها فقط وفى صلاة خاصة بالحرف البهى اختصرت فى عيونهم كل الثورات السابقة والآتية، وراحت ترسم بالحرف جثمان شهيد ملفوف بالعلم، يتبعه غناء العدودة التى فطرت القلوب، تنهيدة ثكلى تمزق قلب الحجر الصلد من جبل القسوة، ترسم هتافات و تغنى بالشعر لربيع أخضر وطفل وجهه السماء مملوء بالأقمار؛ تشتعل القاعة بالتصفيق، وتطالبها البنت الفكرة بالتجديد، فتغرد أجمل قصيدة، تودعها كل قلوب العشاق، وتهيم مع الحرف الشفاف فتختتم فقرتها بمديح أمير الكون ومناجاة لله . ترسم ملائكة الرحمن حفل زفاف الروح و شوق حار إلى لقياه.
حيت الجميع بابتسامة هادئة، تغادر المنصة، تستقبلها البنت الحلم، تعانقها بحرارة، تقبلها، تعلن للحضور اعتزالها دنيا الحرف إلى الأبد.
……..
هناء جوده – المحلة الكبرى – مصر