ط
كتاب همسة

قيثارة البحر بقلم / (آمال محمود الحامد مدارسي) فلسطين قراءة وتحليل/ أيمن دراوشة الأردن


قيثارة البحر

بقلم / (آمال محمود الحامد مدارسي) فلسطين


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قراءة / أيمن دراوشة

متواليات صوتية على انفتاحات نغمية يتعادل في إطارها المبنى والمعنى ويتراوح في تواليها الإيقاع والنغم.

مِن قيعان الدّيار يُقبلون

يتزاحمون هُم

بنزعهم يتهافتون…

عن يمينه

عن يساره يبثّون

يسألون نسمات البحار

قبل الدّمار.

.

أمواج تتلقّف

لأنفاس تتأفّف

لا خدّ لها مورِق

ولا وجنات تُشرق

البحر ساعي بريدهم باختصار.

.

سكبوا له تجاعيد حِراكهم

غنّوا له أحزانهم

دماء جراحهم

نادوه نحو الأنس

يرجوه

حلفوا له بعجز الإبحار.

.

إليه يبتهلون

يخلصون بطرح مآتمهم

رقصة له قدموها

مرنّمة الخَصر

قيثارة الهمس كانت

من زُرقة ماء التيار.

.

جلسوا كيتيم، تائه

عبثوا برمال الشاطىء

تربّعوا، من الحزن والدمع

أسالوا بكثرة، وكل إكثار.

.

دموع شقّت لنفسها قنوات التلاقي

على مجرى خدّهم

فباتت هي النار.

.

أيها البحر

أيها الموج

اسحب بحبالك المائية

اغسل بها آهات مرئية

وكُن للحب ثوران

ثورات باسقة وأشجار.

.

هيّا نُرنّم

نسبّح

مع طيورك المحلقة

أبناء الأجواء

بلا غفلة منك

بلا ارتداد إلا إليك

بلا ارتداد لرداء ألبسك إياه القدر.

.

بلا وجل

على عجل

بلا انحسار.

.

هيّا

هيّا

قيثارتك أخذت ترتل

ترف على الداعي

صغار هُم أم كبار.

قيثارة البحر تولّت

لحن التناغم

كان هو آية الدثار.

……………………………..

يكتسب الشاعر حق الانتماء إلى مملكة الشعر إذا نجح في إبعاد نفسه عن المحيط الخارجي، ومشكلات الحياة اليومية، وعبر عن مشاعره تمامًا كما يحس بها في عزلته أو كما يجب أن يحس بها، ولكن إذا ما حاول بالتعبير عن نفسه أن يؤثر في غيره في معتقداته وأفكاره وآرائه فإنه يتوقف عن أن يكون شعرًا، ويصبح خطابة، ذلك أن الخطابة هي الوسيلة الوحيدة للامتزاج الخارجي، إنَّ الأشخاص الذين يحسون أكثر من غيرهم بحقيقة مشاعرهم الخاصة، فإنَّ الشعر هو الوسيلة الطبيعية لتجسيد تلك المشاعر ما دام يتملكون ملكته الفنية.

تكثف الفقرة الأولى الحاجة للبحر في لحظة خاطفة، ولنلحظ الشطر الأول *مِن قيعان الدّيار يُقبلون* ومفتتح الفقرة الثانية تومئ إلى ذلك البث النوحي أو الصوت المهزوم توأم اليأس والحرمان والفقد.

أمواج تتلقّف

*لأنفاس تتأفّف*

*لا خدّ لها مورِق*

*ولا وجنات تُشرق*

 

يكون ذك مؤذنًا إلى فقد القدرة على رد ذلك الحزن والألم، وهذا يتضح بالفقرة الثالثة.

 *سكبوا له تجاعيد حِراكهم*

*غنّوا له أحزانهم*

*حلفوا له بعجز الإبحار*

ومن اللافت تلك العودة لبث الشكوى في الفقرة الرابعة *يخلصون بطرح مآتمهم* ومن ثم تكون الفقرة الخامسة تكرارًا شجيًا وتأكيدًا للألم والدمع مرة أخرى.

*جلسوا كيتيم، تائه*

*تربّعوا، من الحزن والدمع*

وتكثف الشاعرة في الفقرة السادسة من أدائها اللغوي المتوحد وتكون قافيتها اختصارًا رهيفًا، وإيجازًا شفافًا وشفيفًا لتلك الصور المتعددة

 *دموع شقّت لنفسها قنوات التلاقي*

في فقرتها السابعة تخاطب الشاعرة البحر والموج مستخدمة أيها بدون أداة النداء “يا” كناية عن قرب المخاطَب، فهلا سمع البحر والموج نداءها ورجاءها الأخير؟!

 *أيها البحر* *أيها الموج*

وماذا تكون سوى كلمة *ترتل* والتي توالد ما تحويه من شجن منذ المفتتح الذي يحمل في الفقرة الأولى توترًا حركيًا (مدله اللفتات) وزخمًا نفسيًا صادمًا، وتكون الفقرة الأخيرة مسكونة بالأمل والحب بعزف البحر نغماته وشجونه حيث تخمد النار.

* قيثارتك أخذت ترتل*

 وتكون الخاتمة في تكرار كلمة (هيَّا)والتي تتسق في إيقاعها النفسي والمعنوي مع امتداد أسطر الفقرة كلها، وتكون الخاتمة * كان هو آية الدثار* ذلك التأبي المنتصر ومن ثم تكون مقطوعات القصيدة على بساطتها اللفظية *عندما تولت قيثارة البحر لحن التناغم* محملة بكثافة نفسية تتراكم شجونها، وتتكاثف بواسطة المتتابعات، ومن جانب آخر فإنَّ الموسيقى في إيقاعاتها الصوتية تتجاوز حتمية الزمن المتقدم إلى الأمام، ومن ثم فهي مراوحة تتلبس الماضي والآتي، وكأنها تعلو على الزمن في تواليه وفي تعاقبه.

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون
زر الذهاب إلى الأعلى