ط
كتاب همسة

كن صديقي..مقالة بقلم / سيدة بن على عشتار من تونس

 

سيدة بن على
صديقان نحن، فسيري بقربي كفا بكف

معا نصنع الخبر و الأغنيات

لماذا نسائل هذا الطريق .. لأي مصير

يسير بنا ؟

و من أين لملم أقدامنا ؟

فحسبي، و حسبك أنا نسير…

معا، للأبد

الصّديق نسيب الرّوح والأخ نسيب البدن …. هكذا يقولون ,فصلة الدم هي صلة تفرضها الطبيعة والمجتمع أمّا صلة الرّوح فهي اختيار وقرار ..تفاعل روحي وعقلي بين اثنين يجعل العلاقة بين اثنين تتوطّد الى درجة يصبح فيها كل واحد منهما مرآة للآخر…. ان تكون صديقي هو ان تواجهني بأخطائي وعيوبي دون ان احس بالخزي والارتباك أمامك فانا أيضا افعل معك نفس الشيء وتتقبله مني بابتسامة طفولية وقلب صاف ….أن تكون صديقي هو أن أتحدث اليك دون أن اتحسس ظهري فانت لي ميناء سلام وأمان   .. دون  أن اتحسس ملامحك فحواري معك موجه الى عالمك الداخلي لا الى جسدك وتفاصيله …أن تكون صديقي هو أن أبكي أمامك دون ان احس بذل دموعي فكثيرا ما مسحت دموعك أنا  أيضا …أخطئ همسا تواجهني وقد توبّحني لكنك امام الآخرين تجمّلني وتبرّر لي …هي كسر لعزلة القلب ، وتدمير لصقيع الغربة …حاجة انسانية لا يمكن انكار ضرورتها

في  الثقافة العربية عرّف أبو هلال العسكري الصداقة في كتابه (الفروق في اللغة) بأنها اتفاق الضمائر على المودة وقال عنها الإمام الشافعي  : “سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق وقال   أبوالطيب المتنبي : ” شر البلاد مكان لا صديق به ” أمافي الثقافة الغربية فتعبر عنها الشاعرة الامريكية  إيميلي ديكنسون بقولها :” الأصدقاء أوطان صغيرة ” والقائد الفرنسي ” نابليون ” باح ذات ليلة بحزنه ، وشجنه إلى زوجته حينما قال لها :” لقد نلت من المجد والسلطة مالم ينله احد قط ، وبالرغم من ذلك فها أنذا لا أجد حولي صديقاً مخلصا أستطيع الاعتماد عليه سواك ” فلا مال ولا شهرة يمكن ان تجعلنا نستغني عن الصداقة  يقول فولتير “أيتها الصداقة: لولاك لكان المرء وحيدا، وبفضلك يستطيع المرء أن يضاعف نفسه وأن يحيا في نفوس الآخرين

أما بالنّسبة لعلم النّفس فقد عرّفها  أحد العلماء على أنها علاقة بين شخصين أو أكثر تتسم بالجاذبية المتبادلة المصحوبة بمشاعر وجدانية، ويضيف البعض الآخر بأنها علاقة اجتماعية وثيقة ودائمة تقوم على تماثل الاتجاهات بصفة خاصة وتحمل دلالات بالغة الأهمية تمس توافق الفرد واستقرار الجماعة

هذه هي الصّداقة بين شخصين من نفس الجنس اي بين امراة وامراة او بين رجل ورجل فهل

يمكن ان تكون كذلك بين طرفين من جنسين مختلفين ? ماذا عن الصداقة بين رجل وامرأة هل هي ممكنة أم هي مجرّد حلم جميل نسعى الى تحقّقه على ارض الواقع ولسنا بواثقين من تحقّقه ?يا أنت هل يمكن أن تلازمك صديقة جميلة ومثيرة دون أن تشتهي تحسّس ملامحها وتفاصيلها ?هل يمكن أن تركز نظرك واهتمامك على روحها وعالمها الدّاخلي دون ان تصطدم عيناك بتفاصيل جسدها وهضابها ?هل يمكن أن تصادقها دون أن تنتابك الرّغبة في تحويلها من انسانة لها روح وعقل الي فاكهة شهية?

هل من الممكن أن تنضج علاقة صداقة  بين الرجل والمرأة؟ وهل للبيئة والخلفية الثقافية أثر في طبيعة هذه العلاقة؟ أم أن هذا النوع من العلاقات محكوم عليه بالفشل

 تظل الصداقة بين الجنسين  موضوعاً  مثيرا للجدل و مشروعيته أو تحريمه هي رهينة اختلاف ثقافات الشعوب وقيمها وما تنص عليه دياناتها ومنظوماتها الفكرية,ففي المجتمعات العربية بصفة عامّة ينظر الى هذه الصّداقة بارتياب وكثيرون هم الذين يميلون مسبقا الى الحكم بالاعدام على هذه الصداقة  لأنّ الرجل والمرأة حسب هذه النّظرة  قطبان متضادان لذلك من الصعب أن تنجو هذه العلاقة من سلطان الانجذاب الجنسي  وهذا الموقف مبني على النظرية القائلة  بأن ما يحرك الإنسان هو غرائزه فقط، وانه لا يُعقل أن يجتمع رجل وامرأة من دون أن يعلن هذا الانجذاب عن نفسه لتتحوّل علاقة الصداقة العفيفة الى علاقة جنسية دون سبق  اصرار أوترصّد  فالطبيعة والغريزة تفعل فعلها وما اجتمع ذكر وأنثى الّا كان الشّيطان ثالثهما حتى لو لم يكن هناك نيّة واعية لاستحضاره ….في الحقيقة هذه النظرة لا تقتصر على المجتمعات العربية والاسلامية ففي دراسة نشرتها منظمة “الأكاديمية البرازيلية للتضامن والأخوة بين الناس” أكدت الدراسة أن 98 % من مؤيدي القيم الاجتماعية التي كانت سائدة قبل الثمانينيات، أكدوا أنهم لا يؤمنون على الإطلاق بالصداقة البريئة بين الرجل والمرأةوأكد المشاركين في استطلاعات الرأي أن 88 % من حالات الصداقة بين الرجل والمرأة وصلت في مرحلة من المراحل إلى حدوث علاقة حميمة، مرة واحدة على أقل تقدير، ومنها ما تحول إلى علاقة عشق تحت ذريعة الصداقة، وأهم ما يميز هذا النوع من الصداقة بين الرجل والمرأة هو التظاهر بالصداقة أمام الآخرين، وعيش حالات من العلاقة الحميمة المتواصلة

وقد شبّهت هذه  الدراسة الصداقة البريئة بين الرجل والمرأة بقلعة مبنية من الرمال، يمكن أن تنهار في أي لحظة، لتأخذ طابع العلاقة الحميمة فهل معنى هذا أن الصّداقة بين الرّجل والمرأة غرام على نار هادئة ?ما مدى صحة ما قاله أوسكار وايلد يوما ما  “بين الرجال والنساء ليست هناك صداقة ممكنة.. هناك العاطفة والعَداوة والحُب”.واصفاً الصّداقة بينهما بأنّها “مثل صداقة الفأر مع القط ? الباحث الأمريكى جيفرى جريف أستاذ علم الاجتماع بجامعة ميرلاند فيرى  أن الصداقة بين الجنسين علاقة يسودها الغموض والرغبة فى اكتشاف كل طرف للآخر وأن يكمل كل منهما ماينقصه لدى الآخر أكثر من الاهتمام المشترك بمهنة ما أو هواية ما أو دراسة فهناك دائماً رغبة فى معرفة ما هو أبعد من ذلك، فكل طرف يريد أن يكتشف عقل وروح الآخر وربما يأتى خلال ذلك المصالح المشتركة

اضافة الى عائق الانجذاب الجنسي أمام الصّداقة يذهب الكثيرون الى القول أن الغيرة يمكن لها  في أي لحظة أن تحطّم هذه القلعة الرّملية …قلعة الصداقة بين المرأة والرجل …قد يصاب الرجل بجرح في رجولته اذا ما عشقت صديقته غيره خاصة اذا كان يحسّ بالانجذاب الجنسي نحوها فينتابه الوسواس ..لماذا تحبّه هو وليس  أنا? ماذا لديه او ما الذي يمتلكه حتى تفضّل هذا العرص علي ?تلك هي وسوسات النفس الأمّارة بالسّوء غالبا ولينكرها من ينكر لكنها الحقيقة وليس معنى هذا أنّ المرأة بريئة ونظرتها الى الصّداقة بينها وبين الرّجل أكثر تحضّرا وبراءة ولنهمس بالاعتراف أن المرأة أيضا تتحمّل مسؤوليتها في ذلك فالصوت الخافت للغيرة يمكن ان يجرح كبرياءها وأنوثتها اذا لم يقع صديقها في حبها ووقع في حب غيرها من النساء والحال انها الاقرب اليه والملازمة له ولا يبقى وقتها الا تفسير واحد لعشقه اخرى غير ان المعشوقة اكثر جمالا واثارة ونحن جميعا نعلم ما يعنيه الجمال والاثارة بالنسبة لاي امراة  فهي مستعدة لتكبّد الخسارة وصرف الأموال الطائلة ان توفرت  وتحمّل الألم في سبيل ان تكون جميلة ولا شيء يمكن ان يجرح امراة اكثر من مواجهتها بالقول فلانة أجمل منك …هي تعرف ان فلانة اجمل منها لكن من الغباء مواجهتها بهذه الحقيقة عبر القول او عبر الفعل

يمكن الرّد على مثل هذه النظرة السلبية للصداقة بين المرأة والرجل بنص انشائي او هو صرخة استنكار  كثيرا ما سمعتها  ولا أذكر من قائلها وهي  يا للهول, هل ما زلنا نعيش في الغاب؟  ألم نقم حضارات ودول ؟ ألم نتبنَّ عقائدَ وعاداتٍ وتقاليدَ وقيمًا إنسانية وأخلاقياتٍ تردعنا عن التصرّف كالحيوانات الضارية التي تعيش في الأدغال؟

 هل يمكن للثقافة والحضارة ان تحرر الانسان من سلطة غرائزه وتمنعه من خلط الأوراق ببعضها البعض وتجعله قادرا على التفرقة بين علاقة الصداقة البريئة من الانجذاب  الجسدي  وعلاقة الحبّ والغرام هل يمكن ان يتّخذ الرجل العربي خاصة من امراة ما صديقة له  يتحاور مع عقلها وروحها دون استراق النّظر الى جسدها وتحيّن الفرصة الملائمة للاختلاء بها

الصّداقة تفاعل روحي وعقلاني مترفّع عن الغرائز يخاطب فيه الرّجل المرأة كانسانة لا كانثى واعتقد ان هذا يتطلّب نضجا فكريا وروحيا حقيقيا وليس ادّعاء وتمثيلا وما أكثرهم هؤلاء الّذين يتظاهرون بهذا النضج والتّحرر لكن دواخلهم مشحونة بتاريخ الجواري والمسيار والمتعة والمرأة في أذهانهم كائن خلق فقط من أجل متعتهم ولا أهمية لها أوقيمة اذا جف رحيق جسدها وأنوثتها

لماذا ينزعج الرجل العربي في افضل الحالات اذا كان رجلا متحرّرا من صداقة زوجته برجل آحر في الوقت الّي يسمح فيه هو لنفسه بمصادقة النساء سواء كن عازبات أو زوجات لرجال آخرين فحين لا يتعلق الأمر  بزوجته نجده صديقا وفيّا وراق مستمع جيّد لطيف ومتفهّم   يمزح مع صديقاته ويتبادل معهن الضحك والنّكات والغزل مزاحا  أحيانا لكن بمجرّد أن يخضع لاختبار بسيط سواء كان مقصودا او تلقائيا يتحوّل الى كائن شرس… أحد الزملاء في العمل مازلت أذكر ردّة فعله ما أعنفها …كان ذلك حين مازحه زميل آخر  مشيرا الى طول قامة زوجته فقد اجابه فورا والشرر يتطاير من عينيه وهل ركزت ايها الوقح على شكل جسم زوجتي كي تعرف ان كانت قصيرة أو طويلة القامة  وكان سيهمّ بضربه لولا تدخّل الحاضرين وتهدئة الموقف ومنذ تلك الحادثة أصبحت صديقاته وزميلاته يتجنّبن الاحتكاك به فقد كشف في لحظة انفعال على حقيقة نظرته للصداقة بين المرأة والرجل ….لم يغفر لزميله نظرة عابرة لزوجته في حين كان يسمح لنفسه بالكثير باسم الصّداقة

للأسف مازال العربي خاصة يعاني من الازدواجية في شخصيته فمهما أظهر من تحرّر واحترام للمرأة عقلا وروحا الا أن عقلية التّسري والمتعة والوناسة تظلّ حبيسة داخله في انتظار اللحظة المناسبة لانعتاقها وهذه سعاد الصباح تطلق صرختها في قصيدتها الرّائعة كن صديقي

كن صديقي

كم جميلاً لو بقينا أصدقاء

إن كل امرأة تحتاج أحيانا إلى

صديق

و كلام طيب تسمعه

و إلى خيمة دفء صنعت من كلمات

لا إلى عاصفة من قبلات

فلماذا يا صديقي ؟

لست تهتم بأشيائي الصغيرة

و لماذا .. لست تهتم بما يرضي النساء ؟

كن صديقي

إني احتاج أحيانا لأن أمشي على

العشب معك

و أنا أحتاج أحيانا لأن أقرأ ديواناً من شعر معك

و أنا كامرأة يسعدني أن أسمعك

فلماذا أيها الشرقي تهتم بشكلي؟

و لماذا تبصر الكحل بعيني

و لا تبصر عقلي؟

إني أحتاج كالأرض إلى ماء الحوار

فلماذا لا ترى في معصمي إلا السوار ؟

و لماذا فيك شيء من بقايا شهريار

كن صديقي

ليس في الأمر انتقاص للرجولة

غير أن الرجل الشرقي لا يرضى بدور

غير أدوار البطولة!

فلماذا تخلط الأشياء و ما أنت

العشيق؟

إن كل أمراة في الأرض تحتاج إلى

صوت ذكي.. وعميق

و إلى النوم على صدر بيانو أو كتاب

فلماذا تهمل البعد الثقافي

و تعنى بتفاصيل الثياب؟

كن صديقي

انا لا أطلب أن تعشقني العشق الكبير

(لا أطلب أن تبتاع لي يختاً و تهديني قصورا وتمطرني عطراً فرنسياً)*

و تعطيني مفاتيح القمر

هذه الأشياء لا تسعدني

فاهتماماتي صغيرة .. و هواياتي صغيرة

و طموحاتي هو أن أمشي ساعات و ساعات معك

تحت موسيقى المطر

و طموحي هو أن أسمع في الهاتف صوتك

عندما يسكنني الحزن ويضنيني الضجر.كن صديقي

فأنا محتاجة جدا لميناء سلام

و أنا متعبة من قصص العشق

و الغرام

و أنا متعبة من ذلك العصر الذي

يعتبر المرأة تمثال رخام

فتكلم حين تلقاني

لماذا الرجل الشرقي ينسى

حين يلقى امرأة نصف الكلام؟

و لماذا لا يرى فيها سوى قطعة حلوى

و زغاليل حمام

و لماذا يقطف التفاح من أشجارها

ثم ينام؟!

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى