ط
مقالات وأعمده

لا تصوموا .. تصحوا بقلم \ عبد الرزق احمد الشاعر

11541079_1101668563194256_202730271_n

زنجيانج، ولاية تحتضنها الجمهوريات الروسية من كل جانب، أسقطها التاريخ سهوا فوق طريق لم يعد حريريا أبدا، ولم يعد يربط شرقنا الأوسطي بأي خارطة. ورغم أنها تحتل 17 بالمئة من أرض الصين، إلا أن عدد السكان بها لا يكاد يتجاوز الواحد بالمئة من سكان الصين، كما أن أهلها لا يدينون للجمهورية القارة بلغة ولا بعرق، ولهم دينهم ولأهل الصين دين. وهو ما جعلهم قلة رغم أنهم يشكلون الأغلبية العظمى من السكان، مستضعفين رغم أنهم يشكلون ثاني عصبية عرقية بعد الهان.
ولأن الدماء التركية تأبت على الذوبان في محيط العرقيات هناك، ظل أبناء زنجيانج يحملون الفوانيس كل رمضان ويضربون مدافع الإفطار وسط كل ميدان حتى بعد استيلاء الشيوعيين على الحكومة عام 1949. وظلت زنجيانج، رغم إعلان الصين ضمها رسميا لحدودها عام 1884، إسلامية الهوى ولو كره البكينيون.
لكن حكومة الصين، والتي يبسط عليها الملحدون أياديهم، ظلت ترفض استقلال أبناء زنجيانج الديني، وظلت تضيق على المسلمين هناك عاما بعد عام، كما شجعت نزوح أبناء هان، حتى تقلصت أغلبية الآجر إلى أقل من نصف السكان. وبدعوى محاربة الإرهاب، شنت الحكومة في بكين على أبناء زنجيانج حملة إرهاب غير مسبوقة، فأغلقت المساجد ومؤسسات الخير، وأنشأت البارات ودور المنكر.
ومؤخرا، أصدر البرلمان الصيني تشريعا يحرم صيام رمضان وقيامه، ويدعو المسلمين في زنجيانج إلى التبرؤ من ممارساتهم “العنصرية” بتناول الوجبات نهارا جهارا حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الكفر. وعلى الفور، تجاوبت مؤسسات الصين “الخيرية” مع دعوى الحكومة “الإصلاحية”، وطالبت أولياء الأمور بالتأكد من تناول أطفالهم وجبات الإفطار قبل التوجه إلى مدارسهم حفاظا على “صحتهم” التي يدمرها الصوم. كما أجبرت الحكومة الصينية أصحاب المطاعم والمشروبات الكحولية على فتح أبوابها في نهار رمضان حتى وإن كانوا من المسلمين.
وعلى الفور أيضا، تطوع المعلمون من غير المسلمين بالإشراف على وجبات المدارس للتأكد من أن أطفال المسلمين يتناولون الطعام في نهار رمضان كغيرهم من أبناء الهان “الأسوياء”. كما وعاقبت إدارات بعض المدارس الطلاب الذين تمنعوا بخصم الدرجات والطرد.
حتما سيجد المخلفون من أهل الفتوى في بلادنا لأهل الصين من المستضعفين ذريعة، لأن “تسعة أعشار الإيمان في طاعة أمر السلطان،” ولأن “الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.” ولأننا في الهم غثاء، لن نملك لأبناء العقيدة من أهل السنة في زنجيانج كالعادة إلا مط الشفاه والحوقلة، وربما الدعاء. فهم على أي حال أفضل حالا من إخوانهم في سوريا وليبيا والعراق واليمن.
شكرا لشيخ الأزهر لأنه كان الصوت الأبرز في معارضة الإرهاب الصيني والتنديد به، لكن مناشدته للمنظمات الدولية حتما، وحتما هو يعلم ذلك، ستذهب أدراج التجاهل، لأن أحدا ممن وضعوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم من أصحاب “التسلط” الأممي، لا يريد أن يرى المسلمين ضحايا، ولا يريد أن يقر بأن الإرهاب ليس صناعة محمدية.
لن يمر رمضان هذا العام في زنجيانج بردا وسلاما على نفوس المسلمين، ولن ينعم المستضعفون هناك بموائد رحمان أو قيام ليل. وسيضطر من يجاهر بمعصية السلطان في المؤسسات الحكومية بصوم نهار أو قيام ليل أو غض البصر أو حفظ الفرج إلى الطرد من رحمة الملاحدة.
لن ينظر المسلمون في زنجيانج بعد اليوم إلى السماء، لأن كل الأهلة ستكون متشابهة جدا. وبعد عام أو عشرة، سيتوقف المستضعفون هناك عن ممارسة “إرهابهم” الرمضاني، والتحول إلى كائنات سوية تجيد الأكل وشرب الكحول في نهار رمضان، وتسهر حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر في الحانات ودور البغاء.

عبد الرازق أحمد الشاعر
[email protected]

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى