محمود شاب في مقتبل العمر، طويل القامة بهي الطلعة، حسنت خصاله بلين كلامه وظرف أخلاقه.
من أول أجر تقاضاه يشترى لوالدته المسنة هاتفًا محمولًا.
في تلك الليلة، تجلس بقربه وقد اتكأت بيدها على كتفه، تداعب رأسه فخورة به وقد سرت بهذه الهدية، تنظر إليه بإعجاب وهو يضبط الجوال ويشرح لها كيفية استخدامه .
كانت ممتنة لله أنه وهبها هذا الابن البار، وأنها به ما خاب ظنها.
أول اتصال كان لابنتها المتزوجة وبصوت عال ورقيق، مليء بالشوق والحنين تخبرها أن تخزن رقمها وأنها ستعاود الاتصال بها في الصباح لتطمئن عليها وعلى الأحفاد.
منذ ذلك اليوم، غالبًا ما يتلقى محمود مكالمات أو رسائل نصية من أمه بها سؤال واطمئنان وتوجيه وطلبات.
ابني أين أنت، لقد تأخرت عن الغداء. ابني أذهب إلى السوق واحضر بعض الأغراض. ابني انتبه لنفسك ابني أنا ذاهبة لزيارة شقيقتك.
بكل رسالة كان يشعر بحب أمه العميق الدافئ في قلبه.
ذات مرة، نسي أن يشحن هاتفه المحمول ، وحدث أن خرج في مهمة عمل خارج دائرة عمله، ولم يعد إلى المنزل حتى منتصف الليل، بفتح الباب بهدوء ليجد والدته خائفة قد احمرت عيناها واغرورقت بالدمع مقلتاها. تشيح بوجهها عنه تتلقاه بتحقيق غاضبة واجمة.
تقول له، كنت أتصل بك كل ربع ساعة، وكان الرد (أنه لا يمكنك الاتصال بالرقم المطلوب لان الجهاز خارج الخدمة). قلقت عليك. وفكرت أن أمرا شيء حدث لك.
يقترب منها يتوسل إليها يلاطفها يتناول يدها يقبلها معتذرا ويقول: يا أماه لست طفلًا، فما الذي يمكن أن يحدث؟
والأم تقول إنه قلب الأم يا بني.
يعدها أنه لن ينس الشحن مرة أخرى ويمازحها فتجهمت قليلا ثم ابتسمت ابتسامة فهم منها أنه سامحته وغفرت له ذنبه.
ومنذ ذلك اليوم ، لم ينس شحن الهاتف أبدا.
ذات ليلة، يذهب للسهر مع أصدقائه يلعبون الورق وهم في ضحك وضوضاء اتصلت أمه: وتقول محمود أين أنت؟ لماذا لم تعود إلى المنزل حتى هذه الساعة.
يخبرها أنه مع أصدقاءه يلعبون الورق في منزل صديقه.
ثم تقول: لا تتأخر شقيقتك في زيارتنا مع زوجها وأولادها.
قال: سأبقى لبعض الوقت.
كان حظه عاثرا تلك الليلة الخسارة أثر الخسارة ولن يعود إلى البيت إلا بعد أن يفوز.
والأم تتصل مرارا وتكرارا حتى ضاق ذرعا من كثرة المكالمات والرسائل.
بدأت السماء تمطر بغزارة في الخارج والريح تصفر ويشتد البرد في ليلة حالكة الظلمة.
ثم يرن هاتف الأم مرة أخرى: أين أنت؟ ماذا تفعل؟ تعال بسرعة.
ويقول لها بعصبية كيف يمكنني العودة تحت هذا المطر الغزير! سأعود عندما يتوقف المطر.
سخر الأصدقاء منه بسبب تحكم أمه الصارم به، فيئس من تصرفها واستشاط غضبا وأغلق الجوال.
يعود قبيل الفجر بقليل يترنح تعبا وقد أثقل أجفانه النعس ، يفتح الباب ويغلقه خلفه لم يلاحظ وجود أمه وقد اعتاد ألا يغمض لها عين حتى تطمئن لوجوده. أخذ يبحث عنها في كافة أرجاء المنزل فلم يجدها فارتاع وفزع.
يقوم بتشغيل هاتفه. وإذ بشقيقته تتصل به. تجهش بالبكاء تحدثه بنبرة حزينة لقد خرجت أمنا بالأمس تحت وابل من المطر في وقت متأخر من الليل تبحث عنك. وتسأل عنك من منزل صديق إلى آخر بعد أن صار جوالك خارج التغطية. وهي تقول لا بد من مكروه وقع عليه لقد وعدني أن لا يطفئ الجوال.
ومن شدة الحزن والبرد تعرضت لنوبة قلبية . علمنا بعدها أنهم وجدوها ملقية على قارعة الطريق وقد لفظت أنفاسها. وتقول لائمة له لقد قتلت أمنا.
يفتح عشرات الرسائل الغير مقروءة: وكان آخرها هل نسيت؟ اليوم عيد ميلادك! لقد جاءت شقيقتك كي نحتفل معاً لم نخبرك كنا نرغب أن تكون مفاجأة سارة لك.
يجلس أمام قبرها كل يوم ينفجر بالبكاء ينظر إلى هذه الرسالة، ويشعر أنه فقد العالم كله في تلك الليلة. لقد مرت أشهر منذ وفاة أمه، لكنه لا يزال غير قادر على الاستيقاظ من الكابوس مكتئب ومرهق. .