ط
السيناريو والحوار

لعبة القدر. مسابقة السيناريو والحوار .بقلم / حكيمة جمانة جريبيع . الجزائر


/ حكيمة جمانة جريبيع   

                  من الجزائر

       مشاركة في جنس السيناريو و الحوار  

          العنوان :  لـعـبةُ الـقـَـدَر

 

                                         لـعـبة الـقـدر

 

الفكرة العامة ( لعبة القدر لا يُستثنى منها البشر فهم يحركون خيوطها بقسوتهم ، يؤسسون مجتمعا اختلت

فيه موازين الإنسانية لاسيما مع الأنثى فهي دوما وعاء الخطيئة الذي لا ينضب ، فينجرّ عن الظلم ظلمات ..

أطفال بلا هوية، يستغلهم الجبناء أبشع استغلال، يتاجرون بأعضائهم .. منال أمام تحدّ كبير)

 

المشهد (1).. داخلي/ نهارا

 

     سيدة جميلة تجاوزت العقد الثالث من عمرها..ترتدي معطفا زهريا بياقة من الفرو .. شعرها   

  بني اللون مربوط بمقبض تناسق مع المعطف..تنتعل حذاء شتويا بكعب مسطح ..اقتربتْ الكاميرا من وجها، عيناها عسليتان و جنتاها مرتفعتان.. شفتاها مرسومتان بلون الكرز ..

هبطت سلم العمارة و هي متذمرة .. معاتبة :

 _ متى تعلمون أبناءكم الحفاظ على سلامة البناية .. حديد السلم ،كأن غارة حربية داهمته.. 

 الأوساخ  مرمية على الدَرَج .. متى ترتقوا بأبنائكم إلى مستوى الأدمية..؟!

أطل أحد الجيران ببطنه المتدلية  قبل رأسه .. فهو يدرك أنه هو المقصود.. زرع فبيلة من أبنائه…

_ ارحمينا من موال الصباح ..سئمنا و الله.

التفتتْ أليه السيدة :

_ ارحمونا أنتم من قذارتكم .. ارحمونا من تجاهلكم و عدم احترامكم لحقّ الجيرة..!

قطع  

المشهد  (2) .. خارجي/ نهارا

تمشي  الجميلة كسيدة مجتمع راق .. تنهشها الأعين العطاش .. تخترق عظمها ..

تتوقف قرب البقالة حيث الطفلة المتسولة التي اعتادت و جودها منذ أكثر من ثمانية أشهر

تمرّ عليها كل يوم .. تربّت على رأسها .. تشتري لها علبة بسكويت و قنينة زبادي ..

   تبتسم الطفلة في وجهها.. ثم تمضي إلى عملها الذي تفضل أن تقطع مسافته مشيا 

  و تستغرق ربع ساعة بدل  أخذ تاكسي الأجرة فهي تدرك غنائم المشي عليها..

المشهد (3).. داخلي/ نهارا

تلج مكتبها الفاخر فهي مديرة دار ثقافة من خمس سنوات و أزيد .. تتصفّح أوراقها..

تضغط على الزر .. تدخل السكرتيرة ..

_  المديرة : استدعي السيد جلال و السيدة فريال فورا..اجتماع مغلق ..

 المشهد (4).. داخلي / نهارا

جلال و فريال يهمسان ..( ما ذا تريد مع بداية هذا الصباح ..؟ )

 يطرقان باب المكتب .. ينتحي كل منهما مكانه..؟

اطلقت العنان للسانها المصقول على الكلام الجميل الذي يشي برقيها فعلا.. و هي تقول :

   _ الأخ جلال ..أين وصلت في عملك.. هل هو جاهز للعرض لم يبق أمامنا الكثير..؟

      تلعثم جلال :

   _ نس بيا .. نسبيا فقط ..

   _ كيف.. وأنا قد وضعت بين يديك النص المسرحي من شهرين ..؟

  جلال :  لغته الفصحى هي العائق أمامنا .. فلم يتعود عليها الممثلون الشباب.. ؟   

زمجرت المديرة :

   _ ما هو دورك يا أستاذ .. كيف نرتقي بهذا الجيل إذا لم نعلّمه لغته السليمة.. أنا لم أكتب النص بلغة  

العصر العباسي .. لغته عربية مهذّبة ابنة عصرها .. هذا  كل ما نبتغيه..

  _جلال: كما أن أصابع الاتهام التي تدين جهة معينة في تقصيرها مع أطفال الشوارع ..تحمل حقيقة  قاسي

 و الأمر سيجلب لنا مشاكل نحن في غنى عنها ..

_ المديرة منال : أنا لم أقل إلا ما رأيته صوابا ..

تتوجه بكلامها إلى أستاذة الموسيقى فريال..

_ ماذا فعلتِ في الأغنية.. كم هي نسبة الانجاز و هل ستكون جاهزة لعرضها لم يبق أمامنا غير شهر

_ فريال : بقيت  بعض المشاهد الخارجية  لتصوير كليب الأغنية و تكون حاضرة  في موعدها …

 قطع 

المشهد (5) .. مساء / داخلي

 غرفة نوم  كبيرة فاخرة يقسمها سريران فرديان .. في الزواية الشمالية طاولة صغيرة عليها علب أدوية

 و قنينة ماء و كوب..

امرأة ممددة على سريرها،تدلّتْ ضفيرة مخملية على كتقها متحدية المنديل الذي عصم رأسها.. تبدو متعبة.. بصعوبة خرج صوتها :

 _المرأة : هل أتيتِ  منال ..

_منال : نعم خالتي أنا جئت الأن فقط ..

  اقتربتْ منها منال .. ناولتها حبة الضغط ..  أسدلت الملاءة على جسدها..

   قطع

المشهد (6).. داخلي / بداية الليل

   داخل غرفة الاستقبال المؤثثة بذوق عال .. يقسمها قوس كبير .. قسم  أطلت منه رفوف مكتبة باذخة

  بجوارها مكتب عليه جهاز حاسوب و طابعة و كومة ورق .. في القسم الثاني أريكة كبيرة تتوسط المكان وأريكتان صغيرتان، واحدة  على اليمين و الأخرى على اليسار من الجلد الأرجواني .. و طاولة زجاجية

تعكس لون السجاد الأسود المتماوج بورود فضية..

  منال تستلقي على الأريكة الكبيرة قبالة جهاز التلفاز ..  

تتابع نشرة أخبار إحدى القنوات العربية.. تحجب عينيها لهول ما رأته..

أجساد أطفال محروقة .. أشلاء مبعثرة والناس يسبحـون في الدم .. تبـكي كـثيرا..تغـيّر

المحطة.. تسقطُ عيناها في بركة وجع الأطفال المشردين بالشوارع و عمالتهم ..المشهد يبثه ُشريط وثائقي.

المشهد (7) ..داخلي/ ليلا

فلاش باك :

تبكي بحرقة الطفلة تتحسس خدها الذي تلقى صفعة مجلجلة من أبيها إرضاء لزوجته التي اشتكتها إليه وهي تتهمها بأنها شتمتها و توقحتْ معها..

_كيف هو أبي بعد هذه السنوات، و لماذا لم يسأل عني من ساعة رفض زوجته لي و افتعالها الأكاذيب ؟

الطفلة  التي لا تهدأ بداخلها تجلدها بقوّة حتى ينتفخ قلبها..

  فتبكي بمرارة يتمها وبحرقة الوجع الذي يفطر صدرها :

   _  لو لم تتكفل بي خالتي بعد وفاة أمي وزواج أبي ..لكان مصيري الشارع ..و لكان التشرد مصيري !

تزفر بحرقة :

 أه خالتي مريم .. تطلقتٍ مرتين لأجلي بعدما رفض زوجاك وجودي معك .. أثمرت زيجتها الثانية ولدا وهو

 وحيدها أتم  السايعة و العشرين من عمره.. لم يتحمل البطالة فسلك مسلك الهجرة غير الشرعية عبر البحر.

 خالتي مريضة جدا من يوم سماعها خبر هجرته ارتفع ضغطها وضعف نبض قلبها..

المشهد ( 8).. داخلي / ليلا

منال ممددة على الأريكة .. تطفئ جهاز التلفاز..تسبح في العتمة تحاول النوم لكنها لا تستطيع ،الكابوس

ذاته يعاودها كل ليلة يمر أمام عينيها كشريط سينمائي حي .. تصرخ حتى تنقطع أنفاسها..

تنتفض خالتها من سريرها و هي تجرّ نحوها قدميها بتثاقل .. تحضنها كما طفلة تقرأ عليها المعوذتين تهدأ  و تنام بين يديها ..

المشهد (9)  نهار.. خارجي

تتجه  منال نحو عملها متعبة مثقلة .. تقطعُ الشارع نفسه..تتوقف أمام البِقالة..لم تكن الطفلة موجودة ..

عيناها طائشتان، تبحثان عنها كمن فقدت شيئا نفيسا.. تسأل البقال:

    _ عمي أحمد أ لم تأتِ الطفلة ..عادة لا تتأخر كل هذا الوقت.. هذه المرّة الثانية التي تتغيب فيها ..

    _ لم تأتِ بعد.. اسألي زميلها في الشارع المقابل ..

المشهد ( 10) .. نهارا / داخلي

تسحب بتثقاقل رجليها إلى قاعة العرض .. تجلس في الصف الخلفي .. ترقب التدريب على المسرحية..

غاصت في أحداثها .. شارع كبير حيث مقهى فاخر و طفل ماسح أحذية يركله أحدهم حتى يسقط

على الأرض ..

و على الرصيف المقابل طفلة جميلة تمدّ يدها باستجداء .. و هاهي سيدة  ثرية  ركنت سيارتها، وما أن رأتها حتى  صرخت  في وجهها  دون رحمة :

  _ شياطين  أنتم لستم أطفالا  عوض التسول التحقوا بمدارسكم .. اللعنة ؟!

المشهد ( 11 ) داخلي/ نهارا

 منال تلنحقُ بمكتبها، تسرح بمخيلتها بعيدا.. حيرتها على الطفلة  تفاقمتْ ،تُخرجها من هواجسها لتنقلها  

 إلى وجع الشارع ..إ

تُلقي نظرة خاطفة على أوراقها المكوّمة .. ما عرفت كيف تبدأ ..؟

 قطع

المشهد ( 12).. خارجي / نهارا

تهرول.. تدخل البقالة :

_منال : عمي أحمد .. أين أجد الطفل الذي يعرف مكان خلود..

 البقال أحمد يخرج ..و يشير باصبعه إلى شارع أخر متفرع عن هذا في الجهة المقابلة  

_منال :  شكرا الله اجازيك كل خير ..  

المشهد (13) .. خارجي/ نهارا

دونما أن تشعر حملتها قدماها إلى المكان حيث الطفل الذي لم يتجاوز تسع سنوات ، شعره منفوش سرواله

ممزق من الخلف..عيناه تتقدان ذكاء  مفترشا ورقا مقوى و هو مستغرق في موجة سعال حادة ..

تقتربُ منه أكثر، ناولته من حقيبتها علبة شكولاطة .. يبتسم لها ابتسامة خضراء ..

     _ منال: لماذا  لم تأت خلود .. ما بها .. ؟

     _الطفل: حالتها سيئة جدا..

     _منال : أين هي .. و كيف يمكنني أن أراها..؟

     _الطفل : المكان بعيد.. مسافة ساعة مشيا  على الأقدام ..

 المشهد( 14) نصف داخلي / منتصف النهار

داخل سيارة أجرة هي و الطفل .. الشارع مزدحم بالسيارات و حركة المرور صعبة في الظهيرة..

بعد 20 دقيقة، صرخ الطفل .. يشير باصبعه إلى المكان..

تراءى البيت في ظاهره عتيقا ، على الرصيف المقابل للباب شاحنة مركونة من نوع تيوتا، و شجرتا  توت

يابستان ..

المشهد (15) خارجي / بعد الظهيرة

 طرق الطفل الباب بقوة..

 شابة زنجية تفتح الباب.. وصوت من الداخل ينبعث بقوة لامرأة أخرى :

   _من جاء..؟  

 _ عمر..؟

 _ و ما لذي جاء به الآن لم ينته موعد عمله  بعد ..؟

انتفضتْ منال و هي تسمع جملتها المشحونة ( موعد عمله)

_كيف يعمل وهو صغير .. و لأجل من يعمل .. أصار التسول عملا .. يا إلهي .. ؟!

 

 _عمر : معي زائرة.

أطلتْ عليهما سيدة بدينة في الأربعينيات ممتلئة ترتدي قفطانا فاخرا، وجهها بدا كلوحة لطخها طفل

 بفرشاته ،تمايلتْ و ترنحتْ و بنبرة تهكمية انفرجتْ شفتاها الممتلئتان وهي تجترّ علكتها محدثة طرطقة :

  _ السيدة : من تكون هذه ..؟

   _عمر : تريد أن ترى خلود..

البيت من داخله فاخر، أثاثه عالي الجودة .. عكس خارجه..

 _السيدة تبدو كرئيسة عصابة  : و من أنتِ ..  ؟

 _ منال : أنا صديقتها ..

_  السيدة : و الله . .لم أكن أعلم أن لها صديقة تكبرها ..  و .. جميلة هههه..

حركتْ رأسها و أشارت إلى الطفل أن يأخذها ..

المشهد (16) داخلي/ مساء :

 يقتادُ عمر منال .. وقد مرّا عبر ردهة انتهت بباب حديدي يؤدي إلى فضاء واسع  في آخره ما يشبه

 مستودع ، يَلِجَاهُ ، كانتْ خلود بداخله .. المكان قذر.. بطانيات متسخة و مفارش ملقاة على الأرض  

و بضعة أسرة حديدية قوائمها مائلة.. المكان يشبه مرقد السجن .

 يتناهى إلى أسماعهما أنين متقطع ..

  خلود مفترشة  بطانية رثة.. حرارتها مرتفعة جدا.. تتصبب عرقا..

تحملها منال مسرعة .. تعترض السيدة طريقها، مغتاظة و الشرر يتطايرُ من عينيها..

 _ السيدة : إلى أين يا قرّة العين أخذة الطفلة ؟

_  منال ألا ترين حالتها .. أليس في قلبك رحمة ..؟

 ابتعدي عن طريقى و إلا سأحضر لك الشرطة ..

اشتعلتْ النيرانُ بداخلها .. وخرجت منال رغم أنفها و هي تحضن الطفلة .. سيارة الأجرة كانت بانتظارها

قطع  

المشهد ( 17) نصف داخلي بين الشارع و المشفى / مساء

  مشهد عام لمشفى ، كُتب على مدخله ” الفارابي”.. كل شيء فيه يلمع .. ينفتح الباب الزجاجي

قطع

 المشهد (18)  داخلي / مساء

داخل غرفة مجهزة بمعدات طبية من الطراز الحديث، بجدية  و مهنية يفحص الطبيب الطفلة .. و الممرضة

 بقربه.. يستدير نحوها يوجه لها تعليمة

 _الطبيب : نادي على أهلها..

تدخل منال مسرعة..

الطبيب : كيف تركتموها تصل لهذه الحالة .. لقد استئصلتْ كليتها اليمنى.. ولم تأخد مضادات حيوية

و الجرح نزف وقد تعفن ..

وضعتْ منال يدها على فيها وقد ألجمها الخبر..

الطبيب : اقتربي سيدتي ..

( الطفلة شبه ميتة مجرّدة من أسمالها .)

ها هو الجرح و قطرات دم تسيل منه.. و الأشعة أثبتت أن كليتها استئصلتْ من أسبوعين أو ثلاث

تلتفتُ منال إلى العلامة المميزة على كتف البنت الأيسر هي شامة مائلة إلى اللون البني على شكل نجمة صغيرة ..

ألجمتها المفاجأة .. العلامة نفسها عند منال و خالتها و المرحومة أمها ..

ترتمي على الكرسي بجوارها.. تتذكر كابوس الليالي الخوالي .. و تسافر في عشر سنين مضتْ.

المشهد (19) .. مساء / داخل غرفة المشفى

 ( فلاش باك)

تستعيد منال الحادثة .. في مونولوج داخلي:

 والدمع ينهمر من مقلتيها .. لا أنسى ذاك اليوم الشتوي يوم كان عمري 25 سنة عينتُ معلّمة في قرية

نائية لا تبعد كثيرا عن  مدينتي هذه .. تعطلت سيارة الأجرة في منتصف الطريق .. فسلكت المسافة مشيا..

لا أنسى أبدا تلك الصاعقة التي هبطت على رأسي ..شاب قروي مفتول العضلات  انقضى عليّ ، جرني جرا   كشاة كليمة وفعل فعلته.. بعد مقاومة لم تُجْدِ نفعا..

حملتُ بعدها .. اختفيتُ عن الأنظار كابدتُ الأمرين .. و ضعت طفلة بعد سبعة شهور لم أر وجهها ولم أكن

أرغب .. و ما ظننتها تعيش أبدا .. لشدة ضعفها .. خالتي تدبرتْ أمرها و وضعتها في الملجأ..

المشهد (20) داخلي.. ليلا

الطبيب يقطع عليها شريط الماضي الزاحف من الشامة العائلية المميزة ..

 _الطبيب : تحتاج  الطفلة إلى دم .. و فصيلتها 0- (أو سالب )

 منال  تنهض من كرسيها.. تصطحبها الممرضة.. تتمدد على السرير ..الدم يقطر منها على مهل ..       

لتقطر معه هواجسها المحمومة.. وكذا الذكريات الحالكة و الأنبوبة لم تمتلىء ..

منال  في  حديث داخلي : خلود قدري الذي هربتُ منه.. تتحداني شامتها اليوم .. تُذكرُنِي بخطيئة ظالمة

     أسَرتْنِي في كابوس ليال مظلمة.. و هاهي تُحَمِلُنِي حربا ضروسا مع تجار الأطفال و سماسرة الأعضاء..

هل أقوى .. هل أصمد أمام الإعصار ..؟!

                      

                                                                                              انتهى

 

 

 

 

 

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

admin

فتحى الحصرى كاتب صحفى عمل بالعديد من المجلات الفنية العربية . الشبكة .ألوان . نادين . وصاحب مجلة همسة وناشر صاحب دار همسة للنشر ورئيس مهرجان همسة للآداب والفنون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى